أقلام حرة

علي بركات يكتب: إيران بالون مرحلي من صنع النفخ الأميركي

العداء الكلاسيكي وضبط ثغرات التشوف.!

بادئ ذي بِدء، نحن الأمه التي استقر في وعيها ومخزونها الباطن أن عدوها المركزي والمبين هما للذي أبىَ السجود لآدم، والكيان المُسمى إسرائيل ونتوق سعيًا لمحوه من الجغرافيا العربية، وأن أي ضربه يتم توجيهها للكيان الصهيوني المحتل تثلج الصدور، نحمل في وعينا أينما نكون وحيثما نحِل منذ عهود الطفولة مقتًا عقائديًا ايديولوجيًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فلا ينبغي لهذا العداء الكلاسيكي “إذا جاز لنا التوصيف” الذي يُمَيّز طبيعة الصراع مع المحتل “لأرض فلسطين”.. أن يثني يقظتنا واتقادنا عن ضبط ثغرات التشوف، ليتسنى لنا القراءة الموضوعية لردة فعل إيران بعد ضرب المبنى الملحق بجانب سفارتها من قِبَل الكيان الصهيوني.!

 فضيحة ووتر جيت والمساحة التنافسية لإيران.!

 ثمة نزيف من المعلومات التاريخية المتواترة التي تفضح العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية، فالعلاقة بينهما قائمة منذ عهد شاه “ما قبل نظام الملالي” لم ينقطع، مرورًا بزعيم الثورة “الإسلامية” آيةُ الله الخميني، مع الفارق، أن التنسيق مع الملالي يتم من خلف الستار، وقد بينّا ذلك وفصلناه في مقالات عده، منها الجزئين السابقين لمقالتنا هذه.. وقد نُشرا في غير جريدة لمن أراد الزوَّدَ، فالولايات المتحدة الأمريكية هي التي تحدد الدور التنافسي لإيران في المنطقة وعلى وجه الخصوص بُعيد حرب الخليج الثانية ٢٠٠٣، وتقيّد قدرات إيران من وقت لآخر بضربات عسكرية يكون في إذا ما تجاهلت أو تناست الأخيرة مساحة الحركة المقدرة لها سلفًا..، وقد عبر “هنري كيسنجر” عن هذه الاستراتيجية في لقاءه مع صحيفة “ديلي سكويب” الامريكية في السابع والعشرين من نوفمبر تشرين ثان ٢٠١١، وفضيحة “ووتر جيت” من المخفيات التي أظهرت في العلن ما كان خفي من “علاقات إيرانية إسرائيلية” أثناء الحرب العراقية الإيرانية.!

الكاتب الأميركي الإيراني بارسي والتحالف الغادر.!

قبل الخوض في قراءة ردة فعل طهران إزاء الغارة الجوية الإسرائيلية على المبنى الملحق بالقنصلية “المجاور للسفارة” بالعاصمة دمشق في الأول من الشهر الجاري، والذي أسفر عن مقتل ١٦ شخصًا.. كان من بينهم أحد قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري، نود توجيه وعي الباحثين عن الحق والحقيقة.. وأن نلفت النظر إلي مؤَلّف في غاية الأهمية نشرته جامعة ييل الأميركية في العام ٢٠٠٧.. للكاتب الأميركي الدكتور “تريتا بارسي” ذو أصول “إيرانية زرادشتية” تحت عنوان ( TREACHEROUS ALLIANCE the secret dealings of israel, iran, and the united states) (التحالف الغادر: التعاملات السرية لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية)، سنكتفي بأحد السرديات التي ساقها “بارسي” في كتابه يقول ” ذهبت بذاتي إلي ثلاثين سياسيًا إسرائيليًا، وثلاثين سياسيًا إيرانيًا، وثلاثين سياسيًا أميركيًا، وسألتهم جميعًا عن إمكانية بناء تحالف فيما بينهم، فكانت ـ نعم ـ هي الإجابة القطعية دون تلعثم”، للعلم الكتاب المُشار إليه توسيع لأطروحة “بارسي” الدكتوراة لعام ٢٠٠٦ في جامعة “جونس هوبكنس”، جدير بالذكر أن “تريتا بارسي” هو المؤسس والرئيس الحالي لِما يُسمي المجلس الوطني الإيراني الأميركي.!

الاتفاق الثلاثي للعملية الهجومية الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة.!

وفق المقدمة المطولة عمدًا في صدر مقالتنا، نتبنى قراءة تتفق مع معطيات موضوعية متواترة للمسرحية المُمسرحة التي تمت كالعادة بإخراج رديء، وبالاتفاق بين الثلاثي “الإسرائيلي الإيراني الأميركي”، يبدو جليًا للمراقب بعيدًا عن الآلة الإعلامية.. أن حرب غزه تؤتي أوكلها كل حين، كما لا يمكن إنكار الورطة العسكرية والمجتمعية التي تُحيط برئيس وزراء الكيان وحلفاءه..، لذا يبحث بجهدٍ جهيد عن مخرج لمحو عار الهزائم التي تهدد وجوده السياسي.. بل تهدد وجود الكيان برمته في المنطقة، فضرب المبنى التابع للقنصلية لا يمثل من المنظور العسكري هدف ذو قيمه بما ترتب عليه من خسائر، ولم تكن الضربة على أرض إيرانية.. وإن كانت السفارات وتوابعها يمثلون سيادة القائمين عليهم.!

السياق الحقيقي للضربة الإسرائيلية وردّة الفعل الإيرانية.!

الضربة الإسرائيلية وردّة فعل طهران جاءت ضمن سياقات عدة، في المقدمة منها المحاولة الطامحة لنتنياهو لخلق ثغرة لتوسيع دائرة الحرب إقليميًا حتى لا يبدو أنه الخاسر الوحيد في معركة غزه.. بإشراك دول الطوق مجتمعه أو دولتان منهم على أن تكون مصر أحد المشاركين، تكون فيها رفح خشبة المسرح العسكري.. كما نوهنا في مقالتنا “غزه قلب فلسطين المتقد وحرب المصير”، السياق أو البعد الثاني هو كسب “التعاطف الشعبي” العالمي وتجميل صورة الاحتلال، أما السياق الثالث فهو تكنيك إيراني كلاسيكي تبرز نفسها من خلاله بأنها معنيه بالقضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها القدس، وهي أي إيران لا تسمح ببناء مسجد واحد لأهل السنة على أراضيها، ففي الوقت الذي يعاني فيه الاحواز من سوء المعاملة وسلب مقدراتهم.. تعطي مساحة لليهود الإيرانيون للتمثيل في مجلس الشورى، ليس هذا وحسب، بل تسمح لهم بالسفر إلي دولة الكيان الإسرائيلي عن طريق طهران قبرص ثم تل أبيب.!

فلا مجال للقول المضحك الذي يحاول الخطاب الإعلامي الأميركي تصديره للدهماء.. أن البيت الأبيض يدعو دولة الكيان لخفض حدة هجومه، فأميركا قد استخدمت حق الفيتو أكثر من مره ضد قرار وقف الحرب على غزه!، والضربة الصاروخية الإيرانية للكيان بعيدًا عن حجم الخسائر التي أوقعتها أقل ما يُقال عنها.. أن الإيرانيون يوقعون الأذى بأنفسهم في “عاشوراء” أكثر من الخسائر التي الحقتها صواريخهم بدولة الكيان الإسرائيلي.!

كلما سعى الكيان لخلق مخرج وقع في مأزق.. وكلما أرادوا نصب مأزق للمقاومة حولتها العناية الإلهية إلي مخرج.!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى