“غـــــزّة”.. شعر: رأفت عبيد أبو سلمى
أوجاعُ قلبِ المرءِ دائمةُ الأسى
حتى يَرَى في نصرِ غَزَّةَ مُؤنِسا
يبكي الرضيعُ ومن يغيثُ بكاءَهُ
كم صوتُه المكلومُ بالحزن اكتسى
لَمْ تَبقَ لي بين الجوانحِ دمعةٌ
كَلْمَى تئِنُّ ومُرَّها قلبي احتَسى
أبكي لِهَولِ الذُلِّ كيفَ يُمِيتُني
وأنا أرى ليلَ المَهانةِ عَسعَسا
ماتتْ كرامةُ أمةٍ مِن خِزيها
وبدا بها رأسُ الإباءِ مُنكَّسا
وتكدستْ فيه عقاربُ صَمتِها
لَدَغَتْ لِسانَ الحَرفِ حتى أُخرِسا
آهٍ لِفَرطِ الذُلِّ .. كيف أذاقنا
ماءَ المهانةِ .. جاريًا ومُدَنِّسا
أنَّى نظرتَ إلى حقيقةِ أمْرِنا
لرأيتَهُ .. مِن كلِّ عِزٍّ مُفلِسا
وكأننا .. باليُتمِ رغم مَشيِبنا
نُرمَى .. ونجأرُ بالبُكاءِ كما النِّسا
آهِ لقلبٍ مُنهَكٍ .. فاضتْ بهِ
أنهارُ صمْتٍ .. والبيانُ .. تَيَبَّسا
مادتْ به الآلامُ غيرَ رحيمةٍ
لمَّا رأى .. وجعًا بغزةَ .. كم قسا
قالوا تظنُّ النصرَ أقربَ قادِمٍ
فأجابَ عنِّي الدَّهْرُ بالرَدِّ عسى
ما أشرقَ الأيامَ يَبعثُها السَّنا
وضياؤها المَزهُوُّ .. عَاوَدَ مُشْمِسا
مِن تحتِ أنقاضِ البيوتِ أماجدٌ
تاهُ الصباحُ بهم .. تفاخرَ والمِسَا
بلغوا مِن الغاياتِ غايةَ عِزِّهِمْ
فازَ المُسافرُ للضياءِ .. وأعرسَا
في نخوةٍ تجتاحُ آفاقَ العُلا
هَبُّوا فكانوا في البلاءِ فوارسَا
كم لقَّنوا درسَ الإباءِ مضمخًا
بالحقِّ .. إذا شافوا الصِّراعَ مُقدَّسا
جيلٌ على النصرِ المبينِ له هوىً
وشهيقَ عزتِهِ المَهيبَ .. تنفَّسَا
فانفضْ يديك من الهوانِ فما أرى
أردى مِن الخِزي المُهينِ .. وأنجسا
وارفع لنفسِكَ بالكرامةِ قدرَها
تالله … ما أغلى الإباءَ .. وأنفسا