فاتن فاروق عبد المنعم تكتب: القدس.. ملتقى الأنبياء (20)

طوباوية موسى هس:

أول من دعا إلى الصهيونية بشكلها الآني وفكرها الطفيلي التلمودي الشيطاني، والملقب بأبي الصهيونية وهو تلميذ ماركس وإنجلز، وهو من ارتأى أن بإمكانهم كيهود إنشاء مجتمع طوباوي (مثالي) واتخذ من قناعته اهتمام اليهودية بالفقراء متخذا من التماهي بين اليهودية والاشتراكية المعنية بالفقراء أكثر من غيرهم متكأ، وفي ذلك حلا مثاليا لليهود بعامة الذين يعانون من الاضطهاد لهم في المجتمعات المسيحية والإسلامية على حد سواء خاصة مع صعود نجم الجنس الآري بألمانيا وشعورهم بأنهم أفضل من غيرهم ثم تبلور هذا في نازية هتلر.

سبق الإعلان عن إنشاء كيانهم في فلسطين بمائة عام قاموا بالإعداد والتجهيز والتأسيس لدولة تامة الأركان، رافق الفكر والفكرة العمل على الأرض دون تهيب مستغلين كل الثغور التي منها يخترقون أمة ممتدة مورس عليها التجهيل والتزييف وتجريف العقول وتصديق الخائن وتخوين الأمين فيجدوا أنفسهم في النهاية أمام كيان مدعوم من كل قوى الأرض بل وتمارس على تلك البقعة حروبا عالمية بالوكالة لصالح آخرين تتقاطع مصالحنا معهم.

هكذا ارتأت الصهيونية أن لا داعي لانتظار مسيا لإقامة مملكة داوود، بداخلها كومنولث يضم فرقاء الغرب الذين كانوا يتصارعون على تصدر المشهد الديني بإثبات قوة ونفوذ كل دولة خلال القرن التاسع عشر، ونجحوا في مسعاهم فأصبحوا جميعا على قلب رجل واحد في مواجهة المسلمين المتشرذمين، ومن خلال الإعلام الذي سيطر عليه اليهود بالجملة تم شيطنة المسلمين الملتزمين بالإسلام عقيدة وفكر وأصبح الاقتران بين الإسلام والإرهاب حتمي ووجوبي من خلال إعلامهم إعلام الرايات الحمر، وأصبح سب الإسلام والمسلمين لدى النخب المثقفة من دواعي التنوير والحداثة والإبداع، وعلى أحسن تقدير أصبح لديهم إسلام بمبة يؤمنون به وآخر أسود يتبرأون منه، وبالتبعية عوام الناس الذين ضللوهم، ولكن ما وقع في هذا الشرك إلا كل ذي قلب سقيم عميت عليه الرؤية وغابت عنه البوصلة.

هيكلة الدولة:

في عام 1882م تم إنشاء أول مستوطنة صهيونية في ريف فلسطين وبذلك فقد منحت مكانا على الأرض وظهرت على الخريطة وبذلك اكتسى الجنين لحما ودما وأصبح كيانا وليدا في أرض الأنبياء، ثم عقد أول مؤتمر معلن للصهيونية في بازل عام 1899 ليصبح لهم كيان دولي معترفا به ويصبح هيرتزل متحدثا رسميا للكيان الوليد، حتى قال موردخاي بن آمي عن هيرتزل أثناء قراءته لبيان الأول لهم:

“فقد بدا وكأن الحلم الذي تعلق به شعبنا مدة ألفي عام قد تحقق أخيرا، وأن المسيح المخلص ابن داوود، يقف أمامنا”

في عام 1902 بدأت توافد موجة جديدة من المستوطنين اليهود وفي كل مرة يزداد رصيدهم في فلسطين وأعين المسلمين عنها غافية حتى استتب الأمن ودانت المدينة عنوة أو قسرا عندما دخلها اللنبي وفي ذلك تقول كارين:

“حينما غزا نابليون المنطقة قبل ذلك بما يربو على القرن وفتح اللنبي غزة في أكتوبر 1917م وتحرك باتجاه القدس، وهنا أصدر الوالي جمال باشا الأوامر بجلاء الجميع عن المدينة، بحيث أصبح حسين سليم الحسيني رئيس بلدية القدس المسئول الوحيد الباقي هنتك يوم 9 سبتمبر، واستعار الحسيني ملاءة بيضاء من أحد المبشرين الأمريكيين وغادر المدينة من بوابة يافا في رفقة مسيرة من الصبية الصغار، ثم قام بتسليم القدس لأثنين من أعضاء فريق الكشافة البريطانيين اللذين أصابهما الذهول، ولدى وصول اللنبي إلى بوابة يافا في 11 ديسمبر ارتفع رنين أجراس المدينة ترحيبا به، وترجل اللنبي عن جواده احتراما لقدسية المدينة ودخلها سائرا على قدميه وتخير سلم القلعة موقعا لوقوفه ثم أكد لساكني أورشاليم المباركة أنه سيقوم بحماية الأماكن المقدسة والمحافظة على حرية العقيدة لديانات إبراهيم الثلاثة باسم حكومة  صاحب الجلالة، وبهذا أكمل اللنبي عمل الصليبيين”

ولنا هنا وقفة:

دائما ما أذكر قناعتي بأن الاحتلال الفرنسي جاء ليفرض علينا مفردات وتفاصيل لواقع جديد هم يريدونه لتأطير عملية احتوائنا وصياغتنا طبقا لمرادهم منذ الحروب الصليبية حتى كارين نفسها اعترفت بذلك عندما قالت إن اللنبي أكمل عمل الصليبين، ما يعني أن الحملة الفرنسية كانت حلقة من حلقات الحروب الصليبية وليست حملة علمية كما أسماها الخشب المسندة (المنافقين والمتنطعين والمهزومين نفسيا) وهم كثر بكل أسف في بلادنا.

العمل الفعلي على الأرض بمعنى بناء الدولة استغرق مائة عام وهي الفاصلة ما بين اللنبي ونابليون وهو ما يعني أن ديمومة عملهم في بلادنا لا تهدأ ولا تتوقف، وأن الاحتلال الفرنسي أو الإنجليزي هو الداعم الرئيسي ومازال لتلك العصابة التي احتلت فلسطين، حتى لو سلمت رايتهم لأمريكا في زماننا فالفكر واحد وقائم لا يفتر ولا يشيخ مقابل حالة الهوان والضعف والتشرذم من جانبنا.

ميزان المسلم فرد أو دولة هو مدى قوة الإيمان اعتقادا وتطبيقا، وحيثما علا هذا المؤشر فإننا بخير على مستوى الفرد والجماعة وإذا اختل أصابنا التراجع والهزيمة تلو الهزيمة.

فلسطين استردها عمر بن الخطاب أمثولة قوة الإيمان والعدل ليعيد لها وجهها الذي ينبغي أن تكون عليه، ثم ضاعت من أيدي الساقطين بين أفخاذ الجواري والقيان والندمان، ثم عادت بيد صلاح الدين الذي يجله مفكرو الغرب بعكس الخشب المسندة في بلادنا، وأول شيء فعله لاستردادها كان إصلاح البلاد والعباد عقديا بعد الحكم العبيدي وهو ما حرص عليه لآخر يوم في حياته.

وطبقا لرواية كارين فإن الذي سلم طواعية مفاتيح القدس للمبشرين الأمريكيين ذكر لف جسده بملاءة بيضاء لينجو بنفسه وبالقياس فإنه لا يعيدها إلا أسدا هصورا لا يهاب أمريكا.

عباد العجل:

في بلادنا كثر، والسامري طواف لا يفتأ يصنع العجول التي تعبد من دون الله، فهم من يرون أمريكا هي الحاكم بأمره، تأمر فتطاع، أنساهم الشيطان ذكر ربهم، فنسوا أن لهذا الكون رب هو الحاكم المتحكم في كل شيء وأن الصالح والطالح والمؤمن والكافر مستخدم من قبل الله لتنفيذ مراده، فتراهم يستغرقون في التنظير دون التسليم بأن يد الله فوق أيديهم، هؤلاء أصيبوا بفتنة الأسباب وتعلتها فأصبح وقع أمريكا في قلوبهم يفوق وقع الله، مكانة أمريكا لديهم تفوق مكانة الله، فلا نستغرب أن يقف السمسار ترامب محدثا “الملك” في خطابه ليرنو بعينيه ذات اليمين وذات الشمال وهو يقول “كينج” فيجيب الأخير بشكل عملي وقبل أن يرتد إليه طرفه “أوامر يا باشا” فإذا طلب نصف مليار دولار فإن الكينج يجود ويعلي عليه فيقول بل “ستمائة دولار” فيجود السمسار طالبا تريليون.

وهذا الفعل يعيد إلى الأذهان ما فعله التتار مع الخليفة العباسي (الذي كان غارقا بين الجواري والندمان أيضا) عندما دخلوا العراق ووصلوا قصره، طلبوا منه الثروات التي لديه فأخرج لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من سكان البلاد التي يحكمها، فقال له القائد العسكري الذي يتلقى منه: هذا لصغار الجنود، فأين نصيب الملك فأعطاه صاغرا ما تبقى لديه وهو ما يفوق ما أعطاه من قبل لينجو بنفسه، وبعد أن أجزل في العطاء أمر قائد التتار جنده بأن يلفوه في سجادة ويلقوه في الصحراء، وبذلك فإن السمسار ترامب لن يرضى بأقل من آخر دولار لدى الكينج.

في حفل تنصيب السمسار العبوس يابس الوجه، والذي صنعه السامري مع من صنع ليجمع الأموال والثروات من الكل، وكل برغوث على قد دمه، وقف يرقص بالسيف ومساعده إيلون ماسك يصيح نشوة وتيها ليشكلا ثنائي بارز، وقد يتفتق ذهنهما عن ضرورة بناء كعبة في أمريكا يحج إليها الخشب المسندة كي تصلهما الجزية مباشرة ودون وسيط، جزاء وفاقا لمن أشربوا في قلوبهم العجل.

انتصرت المقاومة في فلسطين لتكشف لنا وجوه التكوينين والمستنيرين ومن لف لفهم من الخشب المسندة، عباد العجل فلا ينسبون أي فعلة ولا أي جديد إلا لأمريكا التي تأمر فينصاع الكل، فتراهم يستغرقون في التنظير بنظرة ضيقة وأفق محدود ليزايدوا على المقاومة التي أمدها الله بمدد من عنده لتكون حلقة جديدة من حلقات النصر المرتقب، فلا ينكر هذا النصر إلا معتم القلب.

وللحديث بقية إن شاء الله

فاتن فاروق عبد المنعم

كاتبة روائية وعضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights