لتر البنزين وحروب المنطقة واهتمامات المواطن الأميركي
مصطفى عبد السلام
لتر البنزين والسولار لدى المواطن الأميركي قد يكون أهم من حياة مواطن عربي أو إيراني، وغيره من الجنسيات الأخرى التي تناصبها إسرائيل أو الولايات المتحدة العداء. وعين الناخب الأميركي على سعر الوقود، سواء بنزين أو سولار، واهتمامه به أهم عشرات المرات من انشغاله بالقضايا الدولية وتفاصيل السياسة الخارجية الأميركية، وتداعيات الحرب بين لبنان وإسرائيل أو روسيا وأوكرانيا. ويعد استقرار سوق الطاقة الأميركية أهم كثيراً لدى هذا المواطن من إخماد الحرب المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط.
يتكرر هذا الأمر لدى البيت الأبيض الذي يسارع لاحتواء أي ارتفاع في سعر الوقود داخل الأسواق الأميركية، حيث إن أي زيادة ترفع درجة الحرارة السياسية، والتي تنتقل بسرعة للرأي العام والمستهلك ووسائل الإعلام، وأي مرشح في الانتخابات الرئاسية يتعهد ضمن برنامجه الانتخابي بخفض تكلفة البنزين في حال فوزه، بل ويقاتل للمحافظة على سعر مقبول للمستهلك ويناسب دخله، خلال توليه منصبه.
لذا تجد أن الإدارة الأميركية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، تهتم بشكل كبير بتحركات سعر الوقود، خاصة في الأوقات التي تسبق مواعيد الانتخابات، سواء رئاسية أو برلمانية، ويفسر ذلك مواقف البيت الأبيض المتشددة نحو كبار منتجي النفط حول العالم، وكيف أن تلك الإدارات المتعاقبة تضغط على بعض دول الخليج لزيادة الإنتاج النفطي، أو تضخ جزءاً من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، بهدف تهدئة أسعار الوقود في الأسواق، كما حدث في الربع الأول من عام 2022 وخلال فترات مختلفة شهدت فيها الأسعار قفزات.
وكثيراً ما خرج علينا رؤساء للولايات المتحدة، وهم يتحدثون عن سعر البنزين، ليس باعتباره مؤشراً اقتصادياً مهماً لمعدل التضخم، ولكن باعتباره قضية سياسية بالغة الحساسية، بل قضية جماهيرية ومؤشراً مهماً لتكاليف المعيشة ودخل المواطن، بل واستقرار الحياة الاجتماعية بين الأسر الأميركية.
وعلى الرغم من أن أسعار البنزين محررة في الولايات المتحدة، إلا أن السلطات تعمل بكل قوتها نحو خفضها، باعتبار أن زيادة السعر قد تفتح الباب أمام حدوث أزمات معيشية واقتصادية عدة، منها زيادة معدل التضخم وتراجع القدرة الشرائية للمواطن وتعميق الركود داخل الأسواق وزيادة كلفة الإنتاج، بل إغلاق مصانع ومنشآت تعتمد إلى حد كبير على الوقود في عملية الإنتاج.
هذا ما يفسر الجهود التي تقوم بها إدارة بايدن حالياً للحيلولة دون زيادة سعر البنزين قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الخامس من نوفمبر المقبل، ومن بين تلك الجهود الضغط على نتنياهو وحكومته لاستبعاد موانئ تصدير النفط الإيرانية من الضربة الإسرائيلية المتوقعة، حتى لا يتم استفزاز طهران وتغلق مضيق هرمز أهم نقطة عبور للنفط في العالم، حيث تمر من خلاله نحو خُمس تجارة النفط العالمية يومياً، كما يمثل نحو ربع التجارة اليومية العالمية في الغاز الطبيعي المسال، أو تضرب طهران منشآت نفط خليجية أخرى تعقبها قفزات في أسعار الخام. أما المسار الثاني فهو ضغط واشنطن على دول منظمة “أوبك” لتعويض أي نقص في صادرات النفط الإيراني في حال توجيه إسرائيل ضربة لقطاعها النفطي.
في العام 2018 عندما زادت أسعار النفط بسبب الضغوط الأميركية على النفط في إيران وفنزويلا، ضغط دونالد ترامب، على دول خليجية لزيادة إنتاجها من النفط لمواجهة ارتفاع تكلفة الوقود، وامتد الضغط إلى دول “أوبك” الأخرى. فهل نرى ذلك يحدث مرة أخرى؟