سقط نظام الأسد ودخلت فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام دمشق بعد 13 عاما على بدء الحرب الأهلية في سوريا، ما فسح المجال للقوات الإسرائيلية بالتوغل والسيطرة على منطقة عازلة أقيمت بعد حرب العام 1973، ثم التوسع إلى الجانب السوري من جبل الشيخ الاستراتيجي المطل على دمشق، حيث سيطر الجيش الإسرائيلي على موقع عسكري سوري مهجور.
ولكن ما أهمية هذا الموقع؟ ولماذا احتلته إسرائيل قائلة إنها باقية فيه “لحين التوصل لترتيب مختلف”؟
لم يتبين بعد شكل الحكم الذي ستتبناه سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. فيما قال زعيم “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع بحسب ما نقلته عنه قناة فرانس24، إنه “سيكون انعكاسا لسوريا الحقيقية… في أخلاقها وعاداتها”.
الأمر الذي يبدو أنه لم يقنع إسرائيل التي أكدت على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو بأنها باقية في موقع جبل الشيخ الاستراتيجي الذي احتلته على الحدود السورية “لحين التوصل لترتيب مختلف”.
كان ذلك في زيارة قام بها نتانياهو الثلاثاء إلى سفح جبل الشيخ للاستماع إلى شرح العسكريين الإسرائيليين بشأن العمليات الجارية هناك مصحوبا بقادة للجيش ومسؤولين أمنيين، لإجراء “تقييم من أجل اتخاذ قرار بشأن نشر جيش الدفاع الإسرائيلي في هذا الموقع المهم لحين التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل”.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين يصفون هذه الخطوة بأنها محدودة وإجراء مؤقت لضمان أمن حدود الدولة العبرية، يبقى أنهم لم يشيروا إلى موعد محدد محتمل لانسحاب القوات، بل أمر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الجيش الأسبوع الماضي بالاستعداد للمكوث في جبل الشيخ خلال فصل الشتاء.
لكن جاء في بيان نشره كاتس مؤخرا قال فيه “سنبقى هنا طالما كان ذلك ضروريا، إن وجودنا هنا في قمة جبل الشيخ يعزز الأمن ويعطي بعدا إضافيا للمراقبة والردع لمعاقل حزب الله في سهل البقاع اللبناني، فضلا عن الردع ضد المعارضين في دمشق، الذين يدعون أنهم يمثلون وجها معتدلا ويظهرون وجها معتدلا”.
ويؤكد الخبير الاستراتيجي عمر الرداد بأنه “ورد على لسان كاتس وساعر وهما من اليمين الإسرائيلي المتطرف تساؤلات حول ما يجري بسوريا وأن الخطر ما زال قائما…”.
“الجولان أرض عربية سورية”
لكن المحامي السوري المعتصم الكيلاني المختص في القانون الدولي، أفاد بأن “هناك تذرع بمبدأ الضرورة الأمنية في القانون الدولي العرفي الذي يتحدث عن وجود خطر جسيم ومباشر وحينها يجب أن يكون هناك تهديد وشيك لا يجب تأجيله… لكن من الواضح أنه ليس هناك أي خطر جسيم إطلاقا من قبل الحكومة السورية الجديدة”.
واعتبرت السلطات الجديدة في سوريا الغارات الإسرائيلية على أراضيها وتوغلها في هضبة الجولان أفعالا غير مبررة، وطالب قائد “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع المجتمع الدولي “بالضغط على إسرائيل لوضع حد لعملياتها في سوريا…”.
ومن جهتها، نددت دول عربية عدة، بما وصفته استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة في هضبة الجولان. كما شجبت السعودية وقطر والإمارات الأحد خطة الدولة العبرية لمضاعفة عدد سكان الجولان السوري المحتل.
وأعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان عن “إدانة المملكة العربية السعودية واستنكارها قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالتوسع في الاستيطان في الجولان المحتل، ومواصلتها لتخريب فرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها”، مؤكدة “ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن الجولان أرض عربية سورية محتلة”.
وبدورها، نددت قطر والأردن ومصر والإمارات بـ”الانتهاك السافر للقانون الدولي” بعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية على خطة لتوسيع مستوطناتها في هضبة الجولان المحتلة التي دعت إلى “التضامن لمواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي الانتهازية”.
“قوة محتلة”
ومن جهتها، ندّدت تركيا الإثنين بالخطة الإسرائيلية لمضاعفة عدد سكان مرتفعات الجولان المحتلة واعتبرتها محاولة “لتوسيع حدودها” وقالت على لسان وزارة خارجيتها “هذا القرار مرحلة جديدة في إطار هدف إسرائيل توسيع حدودها من خلال الاحتلال”، محذّرة من أن الخطة “ستقوض بشكل خطير” جهود تحقيق الاستقرار في سوريا المجاورة بعد إطاحة بشار الأسد.
ويؤكد المحامي السوري المعتصم الكيلاني أن “إسرائيل تقوم بانتهاكات بسيطرتها على المنطقة العازلة واتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل وتوسعها إلى مدينة القنيطرة ووصلت إلى وسط المدينة.” ويعتبر ذلك “انتهاكا مباشرا للمادة 2.4 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة والتهديد ضد السلامة الإقليمية واستقلال السيادة لأي دولة”.
فيما حضّت ألمانيا إسرائيل الإثنين على “التخلي” عن خطة مضاعفة عدد سكان مرتفعات الجولان المحتلة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستيان فاغنر إنه “من الواضح تماما بموجب القانون الدولي بأن هذه المنطقة الخاضعة لسيطرة إسرائيل تابعة لسوريا وبأن إسرائيل بالتالي هي قوة محتلة”.
وأضاف أن برلين تدعو إسرائيل إلى “التخلي عن هذه الخطة” التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية الأحد.
وجعلت هذه الأهمية الاستراتيجية إسرائيل توافق الأحد على مضاعفة عدد سكانها في الهضبة، معللة ذلك بعدم زوال التهديدات التي تواجهها من سوريا رغم اللهجة المعتدلة للسلطات السورية الجديدة.
وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الحكومة “وافقت بالإجماع” على خطة بقيمة 40 مليون شيكل (11 مليون دولار) “للتنمية الديمغرافية للجولان… في ضوء الحرب والجبهة الجديدة في سوريا والرغبة في مضاعفة عدد السكان”.
وقال نتانياهو إن “تدعيم الجولان هو تدعيم لدولة إسرائيل وهو أمر مهم خصوصا في هذا الوقت. سنواصل ترسيخ وجودنا هنا وتطويره والاستيطان”.
وفي هذا الشأن، يرى جاكي خوري، محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأن الموضوع “يندرج ضمن أجندة نتانياهو ووزرائه”.
وكشف بأن هذه الخطة “تتناغم أيضا مع أجندة ترامب الرئيس القديم الجديد العائد إلى البيت الأبيض وأيضا لتثبيت الموقف الإسرائيلي لأن الجولان لم يكن موقع تفاوض في أي حال من الأحوال”. ما يعني بأن “أي تفاوض على الجولان سيكون على ما تم احتلاله حديثا خلال الأسبوعين الأخيرين وليس على ما تم احتلاله في العام 1967”.
الجولان وأهميته
تقع مرتفعات الجولان في منطقة بجنوب غربي سوريا، وشمال وادي نهر اليرموك تحديدا، وغرب نهر الأعرج ووادي نهر الرقاد على الحدود مع محافظة درعا السورية، وعلى شرق نهر الأردن وبحيرة طبريا، ويحدها جبل الشيخ على الحدود اللبنانية. مساحة الهضبة لا تزيد عن 1860 كيلومترا مربعا، وتبلغ مسافتها من الشمال إلى الجنوب 71 كيلومترا ومن الشرق إلى الغرب نحو 43 كيلومترا عند أوسع نقطة فيها. ومرتفعات الجولان غنية بالمجاري والجداول المائية وتمثل ثلث المياه المستهلكة في إسرائيل، وفق ما أفاد سيباستيان بوسوا المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بالمرصد الجيوستراتيجي بجنيف.
ويقول المحلل في مركز الأبحاث الإسرائيلي (ألما) أبراهام ليفين، المتخصص في التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على حدودها الشمالية، إن نحو 31 ألفا من الإسرائيليين استقروا في هضبة الجولان في 30 بلدة على غرار أكبرها بلدة كتسرين التي أُنشئت في العام 1977. ويعمل معظمهم في قطاعي الزراعة، الذي يشمل مزارع الكروم، والسياحة. وأضاف أيضا أن هضبة الجولان موطن لنحو 24 ألفا من الدروز السوريين المستقرين في قرى كمجدل شمس، ومسعدة، وبقعاتا، وعين قنية.
وتسيطر الدولة العبرية على معظم أراضي الجولان أي ما يقارب الـ1200 كيلومتر مربع تقريبا باستثناء شريط ضيق شرقا يتبع خط الهدنة الإسرائيلي السوري الذي تم إبرامه في 10 يونيو/من العام 1967، والذي تم تعديله لاحقا بموجب اتفاق “فض الاشتباك” الموقع في 31 مايو/ من العام 1974. وقد ضمت إسرائيل المنطقة الخاضعة لسيطرتها في العام 1981 في خطوة لم تعترف بها سوى الولايات المتحدة.
هذا، ويضم جبل الشيخ الواقع في الجانب السوري من المنطقة العازلة حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، عدة قمم لمرتفعات الجولان، وتفوق أعلاها الـ2800 متر. ما يسمح بمراقبة الحدود الشمالية الأردنية والإسرائيلية. كما أنه يطل على الأراضي اللبنانية وهو على بضع كيلومترات من العاصمة السورية دمشق.
“التفاوض على وقائع جديدة”
ومن جانبه، يقول الخبير الاستراتيجي عمر الرداد، “سواء الدول العربية أو حتى الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تعي أن هذا الاحتلال مؤقت تريد إسرائيل من خلاله أن تفاوض لاحقا وفقا لمقاربة الوقائع الجديدة”.
ويضيف قائلا إن إسرائيل “ستريد التفاوض على وقع هذه الاحتلالات التي قامت بها الآن وتجعل من جزء الجولان الذي احتلته سلفا منطقة دائمة بالنسبة لإسرائيل وتنتظر في الحقيقة تسلم ترامب مقاليد الحكم في 20 يناير القادم”. مؤكدا بأن “ترامب يتخذ مواقف مؤيدة لإسرائيل وقد سبق وأشار إلى أن مساحة إسرائيل صغيرة ويجب توسيعها..”، وتابع “كما يعتقد كثيرون أنه يقصد الجولان الذي سبق وقد أعلن بولايته الأولى اعترافه بضمه لإسرائيل بالإضافة للضفة الغربية ومناطق في شمال غزة”.
أما أحمد الشرع فصرّح في مقابلة نشرت على موقع تلفزيون سوريا قائلا إن “الوضع السوري المنهك بعد سنوات من الحرب والصراعات لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة. وأضاف أن “الأولوية في هذه المرحلة هي إعادة البناء والاستقرار، وليس الانجرار إلى صراعات قد تؤدي إلى مزيد من الدمار.” مذكرا بأن الحلول الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار “بعيدا عن أي مغامرات عسكرية غير محسوبة”.
“هدف تكتيكي واستراتيجي”
ويكشف الخبير الاستراتيجي عمر الرداد بأن “إسرائيل اليوم تريد تحقيق هدفين. الهدف الأول استراتيجي بعيد والهدف الثاني تكتيكي، وهي ما تظهره تصريحات السياسيين الإسرائيليين مثل نتانياهو أو عسكريين وعلى رأسهم رئيس الأركان هاليفي الذي قام بزيارة إلى مرتفعات الجولان -الأحد- حيث احتلت قوات إسرائيلية ثكنة كان يتواجد بها الجيش العربي السوري”.
ويؤكد الرداد بأن أهداف إسرائيل الاستراتيجية “كعادتها تريد احتلال أراض جديدة لدولة مجاورة ذات سيادة”، وباحتلالها للجولان السوري، “تريد أن تكون المفاوضات لاحقا مع النظام -الذي يتشكل بسوريا والذي لم يتقرر لحد الآن بشكل نهائي- على وقائع جديدة وهي ما بعد الجولان، بحيث تجعل منه منطقة غير قابلة لأي مفاوضات لاحقة بدليل أنها أعلنت عن زيادة كم الاستيطان بالجولان، ما يخالف قرارات الشرعية الدولية، خاصة القرارين 242 و338 بخصوص انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة للعام 1967”.
ويضيف الخبير الاستراتيجي بخصوص الجانب التكتيكي، “إسرائيل بمرجعية عدم الثقة بالنظام السياسي الجديد في سوريا خاصة أنه جاء بقيادة هيئة تحرير الشام وقائدها الجولاني المعروف بأحمد الشرع اليوم وهذا التنظيم الذي يضم عديد التنظيمات، وهو مرتبط سابقا بلا أدنى شك، بتنظيم القاعدة… ثم انتهت التحولات اليوم بهذا الشكل والمضمون الذي نراه لهيئة تحرير الشام بصفتها حركة تلتزم بمرجعيات إسلامية علمانية على غرار النموذج التركي”.
ومن جانبه يرى جاكي خوري أن “التواجد العسكري الإسرائيلي الآن في منطقة القنيطرة وفي محيطها من جبل الشيخ السوري وصولا إلى منطقة الحمة على الحدود السورية الأردنية الإسرائيلية بالغطاء الأول، كدافع أمني لاقتراب مجموعات مسلحة من خط وقف إطلاق النار وأن تكون قريبة من التجمعات السكانية”.
ويقول محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن “الأمر سيكون على طاولة البحث والنقاش والمفاوضات كورقة ضغط تستغلها إسرائيل في أي مفاوضات مستقبلية مع الحكومة الجديدة في دمشق بمعنى -إذا أردتم الانسحاب الإسرائيلي من هذه المناطق والعودة إلى خط وقف إطلاق النار لا أحد يتحدث الآن عن الانسحاب من الجولان وما كان بعد حرب 1967 وإنما الانسحاب مما هو عليه منذ الأسبوعين الأخيرين”.
وبشأن مفاوضات محتملة قادمة، يقول الخبير الاستراتيجي عمر الرداد إن “السؤال المطروح بالدولة الإسرائيلية العميقة وخلايا التفكير الاستراتيجي هو إذا ما تم استبدال النظام الشيعي المتطرف بنظام آخر سني متطرف”. مضيفا “هذه الثنائية في الحقيقة تشكل إحدى المرجعيات بالنسبة للإسرائيليين…” وتابع “على أي حال لا أعتقد أن هذا الاحتلال سيدوم طويلا، بل سيكون مرتبطا بالسيناريوهات القادمة للأزمة السورية”.
أما جاكي خوري، فيلخص قائلا “إن الأمر مرتبط أيضا بردود الفعل العربية والدولية، ولكن حتى الآن واضح أن الموقف العربي فاتر والدولي صامت..”. وأردف”حتى القصف العنيف الذي تقوم به إسرائيل على طول المناطق السورية وعرضها… أكثر من 500 غارة كما قالت المصادر السورية على كل ما تبقى من الجيش السوري ولم نشاهد حتى بيانات إدانة حقيقية أو أي محاولة للضغط على حكومة نتانياهو من أجل وقف هذه العمليات… وبالتالي الرد العربي والرد الدولي حتى الآن يبدو فاترا ولا أحد يعوّل عليه في هذه المرحلة…”.