شن مسلحون سوريون الأسبوع الماضي أكبر هجماتهم منذ سنوات ضد الجيش السوري في شمال وشمال غرب سوريا، مما مكنهم من السيطرة على معظم حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، ومحافظة إدلب والتقدم إلى مدينة حماة.
اعترف الجيش السوري بدخول الفصائل المسلحة إلى “أجزاء واسعة” من مدينة حلب، وأعلن عن مقتل العشرات من جنوده في اشتباكات على جبهة تمتد لنحو 100 كيلومتر.
وفي ظل التصعيد العسكري غير المسبوق في المنطقة، تُطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة هذا الهجوم، وأسباب توقيته، ومستقبل سوريا.
كما تجددت المخاوف من تفاقم محنة الشعب السوري، المستمرة منذ اندلاع الحرب في عام 2011.
فيما يلي محاولة لتحليل المشهد المضطرب في سوريا بعد سنوات من الهدوء النسبي.
ما هي الفصائل المسلحة المشاركة في الهجوم؟
هيئة تحرير الشام
وهي القوة الرئيسية في الهجوم، وهي جماعة إسلامية مسلحة تشكلت في يناير/كانون الثاني 2017 بعد اندماج عدة فصائل جهادية، وكانت تعرف سابقا باسم “جبهة النصرة” قبل انفصالها عن تنظيم القاعدة في سوريا في يوليو/تموز 2016.
أحرار الشام
حركة أحرار الشام، إحدى فصائل المعارضة السورية، تشكلت من اندماج أربع مجموعات إسلامية سورية، وتتمركز الحركة في إدلب وريف حلب وحماة.
الجبهة الوطنية للتحرير
الجبهة الوطنية للتحرير هي تحالف مسلح تشكل من 11 فصيلاً من الجيش السوري الحر في عام 2018.
الجيش الوطني السوري
تأسس الجيش الوطني السوري، وهو تحالف من الفصائل المدعومة من تركيا، في عام 2017. وهو يعارض الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة.
الفصائل المتحالفة الأخرى
ويُعتقد أن عدة فصائل صغيرة ومتوسطة شاركت في الهجوم، مثل كتائب نور الدين الزنكي التي تدعمها تركيا، وجيش العزة الذي يقوده الرائد جميل الصالح، وهو منشق عن الجيش السوري.
لماذا معركة حلب الآن؟
وثارت تكهنات مختلفة حول أسباب اختيار الفصائل المسلحة هذا التوقيت لشن هجوم على الجيش السوري.
ولعل أبرز هذه الأسباب هو استغلال الجماعات المسلحة فراغ السلطة في سوريا وضعف الجيش السوري بسبب تراجع القوات الإيرانية، الحليف الرئيسي للرئيس بشار الأسد، والتي انشغلت بدعم حزب الله في معاركه الأخيرة مع إسرائيل.
وتزامن الهجوم مع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ، وهو ما قد يشير إلى أن هذه الفصائل تهدف إلى فرض واقع جديد في شمال سوريا من خلال دفع إيران خارج المشهد السوري قبل أن تتمكن القوات الإيرانية من إعادة تنظيم مواقعها في البلاد.
كما استغل المسلحون انشغال روسيا، حليفة الأسد، بتطورات مهمة في حربها مع أوكرانيا، وهو ما دفع روسيا إلى تسليم بعض نقاط المراقبة العسكرية التابعة لها في سوريا للقوات الإيرانية، بحسب تقرير أعدته صافيناز محمد أحمد، الخبيرة في الشؤون السياسية العربية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وردت إيران باتهام إسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف وراء هجمات الفصائل المسلحة في سوريا. ووصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الهجمات بأنها “مخطط أميركي صهيوني بعد هزيمة النظام الصهيوني في لبنان وفلسطين”.
وبحسب وكالة تسنيم للأنباء، أكد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، أنه بعد “الهزائم الاستراتيجية” التي تعرضت لها إسرائيل على جبهتي غزة ولبنان، “شنت الجماعات الإرهابية التكفيرية، بقيادة وتوجيه من هزموا في ساحات القتال في غزة وجنوب لبنان، هجمات وحشية جديدة على سوريا في الأيام الأخيرة”.
وأضاف أيضاً أن الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا أدت إلى مقتل “قائد الحرس الثوري هاشم برهاشمي (المعروف بالحاج هاشم)”، الذي كان يعتبر أحد كبار المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا.
تحذير نتنياهو
قبل ساعات من الهجوم، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس السوري بشار الأسد مما أسماه “اللعب بالنار” من خلال السماح بنقل الأسلحة إلى حزب الله عبر أراضيه.
ويعتقد بعض المراقبين أن إسرائيل تسعى إلى إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع سوريا بهدف إبعاد الفصائل الإيرانية عن المنطقة وقطع طرق الإمداد من سوريا إلى حزب الله في لبنان. ويُنظر إلى سلسلة الضربات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، وخاصة في تدمر، كدليل على ذلك.
ونفت الولايات المتحدة تورطها في هجوم حلب، لكن وجود قواتها على الأرض في سوريا، إلى جانب حلفائها الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية، يثير تساؤلات حول مدى معرفتها بالتطورات.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن رفض حكومة بشار الأسد “الانخراط في العملية السياسية واعتمادها على روسيا وإيران خلق الظروف التي تتكشف الآن، بما في ذلك انهيار خطوط الجيش السوري في شمال غرب سوريا”.
وأضاف “سنواصل أيضًا الدفاع بشكل كامل عن الأفراد والمواقع العسكرية الأمريكية، والتي تظل ضرورية لضمان عدم ظهور داعش مرة أخرى في سوريا”.
الموقف التركي من معركة حلب
وقالت وزارة الخارجية التركية إن المواجهات الجديدة في شمال سوريا تسببت في تصعيد غير مرغوب فيه في المنطقة، مؤكدة أنه من الأهمية بمكان أن تتجنب أنقرة حالة أخرى من عدم الاستقرار وتضمن عدم تعرض المدنيين للأذى.
ولكن بالنظر إلى أن تركيا تدعم بعض المجموعات المشاركة في الهجوم، يرى بعض الخبراء أن الهجمات تشكل فرصة تركية للضغط على حكومة الرئيس الأسد وسط تعثر المفاوضات بشأن استعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق . ويقول البعض إنها ربما تحاول فرض واقع جديد على الأرض حيث يبدو الجانب السوري أضعف على طاولة المفاوضات.
وربما ترغب تركيا أيضاً في فرض واقع جديد يتضمن توسيع نفوذها في سوريا مع استعداد الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً دونالد ترامب، والمعروف بعلاقته القوية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتولي منصبه.
وقال الباحث في الشؤون السورية في المركز العربي للدراسات الاستراتيجية رباح سيف علام إن تركيا قد تهدف إلى السيطرة على حلب تمهيداً لعودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى سوريا، وهذا يشكل محوراً أساسياً في المحادثات بين أنقرة ودمشق، حيث يصر الأسد على الانسحاب التركي من شمال سوريا قبل أي اتفاق.
هجوم غير مفاجئ
وقالت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة إن هذه الفصائل كانت تستعد للهجوم منذ أشهر.
وقال خليفة لوكالة فرانس برس “لقد صوروا ذلك كخطوة دفاعية ضد التصعيد الذي كان النظام يعتزم القيام به”، حيث كثفت الحكومة السورية وحليفتها روسيا الغارات الجوية على المنطقة قبل الهجوم.
وأضافت أن هيئة تحرير الشام وحلفاءها “يتطلعون أيضًا إلى التغييرات الأكبر على المستويين الإقليمي والجيوستراتيجي”.
الشعب السوري: مأساة لا تنتهي
دفعت التطورات العسكرية في شمال غرب سوريا، وخاصة في مدينة حلب وريفها الغربي، آلاف السوريين إلى نزوح جماعي واسع النطاق، حيث نزحوا إلى وجهات مختلفة تتراوح بين أحياء وسط حلب الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق إلى شمال غرب إدلب على الحدود مع تركيا ومناطق أخرى أكثر أماناً.
وأدى القتال إلى نزوح أكثر من 14 ألف شخص ، نصفهم تقريبا من الأطفال، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا.
وأضاف المكتب الأممي أن بعض العائلات نزحت من حلب وإدلب إلى مراكز إيواء جماعية في حماة.
وأسفرت العمليات العسكرية الأخيرة عن مقتل 277 شخصاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، معظمهم من المقاتلين من طرفي الصراع، بينهم 28 مدنياً، معظمهم لقوا حتفهم في غارات جوية شنتها طائرات روسية تدعم الجيش في المعركة.
منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، فقد أكثر من 300 ألف مدني حياتهم، مع وجود ملايين النازحين داخلياً واللاجئين داخل البلاد وخارجها.