محمد نعمان الدين الندوي يكتب: زئير الأسد
الكلمة التاريخية الواعية، المؤمنة المجلجلة المدوية، التي ألقاها -في مؤتمر: «نداء الأقصى ومسؤولية الأمة»- شيخ الإسلام مفتي العالم الإسلامي العلامة تقي العثماني حفظه الله، أيقظت ضمير العالم الإسلامي، وألهبت شعلته الإيمانية التي كادت تخبو وتصير رمادا …
كل من يسمع كلمة الشيخ العثماني هذه يشعر كأن أسد الإسلام يزأر ويزمجر.. ويتحدى القوى الطاغية العاتية، التي استكبرت في الأرض، وتعيث فيها فسادًا.
إن كل جملة من هذه الكلمة تشتعل حماسًا إيمانيًّا، وتحرقًا وتوجعًا لما آل إليه حال الأمة بؤسًا وشقاءً.
كان يُظن أن الشيخ العثماني رجل العلم والإفتاء والقضاء، والبحث والتحقيق والتأليف، والوعظ والمنبر والمحراب، لا علاقة له بمثل هذه القضايا الساخنة، ولكن كلمته هذه كذّبت هذا الظن..، وأثبتت أنه فارس الساحة ورجل الساعة.. وذو الكفاح والنضال أيضا.. إذا اقتضت الظروف ذلك.
إنه وضع اليد على الوتر الحساس، وصرح بأكبر مأساة للأمة، فقال – بقلب مؤمن متألم مكلوم جريح-: إلى متى يعيش العالم الإسلامي عيش الذل والعبودية والهوان.. مع غنائه بالثروات العظيمة، وموقعه الاستراتيجي المتميز، وخاصة بما فجر الله في أراضيه من أنهار الذهب الفياض، الذي يحرك عجلة الحياة الصناعية ويُعتبر: «حبل الوريد» للعالم المعاصر.
وتساءل الشيخ: لماذا وإلى متى هذه العبودية للغرب؟؟
ولماذا هذا الوضع المزري المهين.. وهذا التردي الفاضح الذي انحططنا إليه اليوم؟
وأجاب قائلا: سبب ذلك كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: حب الدنيا وكراهية الموت..
وأعلن بقوة المؤمن المعتز بإيمانه غير خائف ولا مبال بأي قوة أو طاقة.. أن: الألوهية ليست لأمريكا.. وأمريكا ليست قوة عظمى.. إنما الله القوة العظمى والكبرى …
فإذا قررنا عازمين أننا مستعدون -في سبيل ديننا- لأن نتلقى الأحجار أو نتعرض للقنابل أو الرصاصات، أو نتحمل الشدة وشظف الحياة.. فإن أمريكا ولا بريطانيا أو أي دولة أو قوة لا تستطيع أن تهزمنا أو تضرنا شيئا.. رزقنا الله تعالى إدراك هذه الحقيقة حتى نُوفق للقضاء على هذا العصر.. عصر الذل والعبودية.
حينما كان الشيخ العثماني يلقي كلمته النارية.. كان يبدو كأن روح صلاح الدين الأيوبية عادت مرة أخرى متمثلة في الشيخ العثماني.. فهي التي كانت تنطقه بما تنطقه من هذه الكلمات المملوءة حماسا وقوة.. والمتأججة مشاعر وعواطف إيمانية..، والتي هزت سامعيها هزا، وملأتهم حرارة ونشوة إيمانية.
قال وهو يحيّي أهل حماس -الذين يسطرون ملحمة من الإيمان، وقصة من الشجاعة، وصورة رائعة من صور الصمود والبطولة والتضحية والفداء-: إن مغاوير حماس الأبطال الشجعان أتاحوا لنا اليوم هذه الفرصة السانحة.. فرصة نيل الحرية والاستقلال، والتخلصِ من نير العبودية والتحررِ من براثن التبعية، فإذا اتحد العالم الإسلامي وقام معهم صفا واحدا، واتخذ استراتيجية دفاعية مشتركة، فأنا أقول -بكل ثقة وعن يقين- إن أمريكا ولا بريطانيا والقوى الغربية مجتمعة لا تستطيع أن تعمل -تضر- شيئا..
واستطرد الشيخ العثماني قائلا: نحن اليوم واقفون على منعطف خطير وفي مرحلة حاسمة من التاريخ.. وقد تأتي في تاريخ الأمم مرحلة، إذا لم توفق فيها للحكم الصحيح والقضاء السديد.. فربما تدفع الأمم ثمن هذا الخطأ قرونا طوالا..
كما قال شاعر أردي:
أخطأتْ لحظاتٌ.. ونالت القرونُ عقابا..
ونحن اليوم نقف في مثل هذه المرحلة التاريخية الحاسمة.. التي يتوقف عليها مستقبلنا نجاحا ودمارا.. وأي خطأ فيها، قد ندفع ثمنه باهظا مدة طويلة..
وأضاف قائلا: نحن لا نطالب بإنهاء الحرب.. وهذه الحرب ليست بمنتهية.. إنها ستستمر وينبغي أن تستمر ما لم تحرر فلسطين من احتلال إسرائيل تحررا كاملا.. وما لم يتم إجلاء اليهود عن آخرهم من أرض فلسطين.
وعلى إسرائيل أن تواجه الحماس في الساحة المفتوحة مواجهة الند للند.. على الطريقة السائدة المعروفة منذ القدم.. لا أن تقصف قصف الجبناء الأبرياءَ العُزَّلَ من الأطفال والنساء والمدنيين..
ومعلوم أن إسرائيل تقوم بهذا القصف الهمجي الذي لا مبرر له، لكي تثأر وتغطي ما تكبدها حماس من خسائر فادحة في الجنود والمعدات.
فنحن -والكلام ما زال للعثماني- لا نطالب بوقف الحرب.. وإنما نطالب بوقف الغارات الجوية.. والحرب تستمر إلى أن يحصل الفتح بإذن الله.
الحقيقة أن كلمة الشيخ العثماني هذه أيقظت الأمة.. أيقظت فيها الآمال، بل أيقظت ضميرها، وأعطتها خارطة طريق للنجاح، ومثلت الأمة بكافة طبقاتها.. شبابها وشيوخها، ورجالها ونسائها، وخاصتها وعامتها..
كما أثبتت هذه الكلمة الجريئة أن من العلماء من لا يزال على مستوى المسؤولية، فيستطيع ان يصدع بكلمة الحق دون خوف لومة لائم، وأن أرحام الأمهات المسلمات لا تزال تلد من يستحقون أن يسموا: «رجالا» صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. وأن الأمة لم تصر عقيما تماما بعد..
ألا.. بمثل هذه المواقف الباسلة الإيمانية تسترد الأمة حيويتها وشرفها..
وبمثل هذه المواقف يخلد الرجال، ويُصنع التاريخ.. ويتلقى الشباب دروس الغيرة والإباء والتضحية والفداء..
حفظ الله شيخنا العثماني، فقد حفظ للأمة كرامتها، وأعاد اعتبارها، وأثبت أنها لا تزال حية، وأن أية قوة لا تستطيع محقها.. لأن الله معها: {يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}.
محمد نعمان الدين الندوي
• مدير معهد الدراسات العلمية، ندوة العلماء، لكناؤ الهند
• رئيس تحرير مجلة «الصحوة الإسلامية» سابقا