مختار محمود يكتب: الجانب الأخلاقي عند «الغزالي»
أولى الإمام أبو حامد الغزالي -الذي تحل ذكرى وفاته اليوم- الجانب الأخلاقي اهتمامًا عظيمًا.
كان «الغزالي» يهدف من وراء الاهتمام بالجانب الأخلاقي إلى تحقيق الكمال الإنساني،
وارتقاء النفس الإنسانية من مجال الحس إلى مجال التفكير، والارتقاء بالإنسان من مستوى الخضوع للأهواء والشهوات إلى مقام العبودية لله؛
حتى تصل إلى حالة تطلُّ بها على عالم الغيب، فتطّلع على الحقيقة، وتصل إلى أقصى مراتب السمو والرفعة باقترابها من الخالق سبحانه وتعالى.
هدف «الغزالي» من السمو الأخلاقي أيضًا إلى تربية النفس على الفضيلة،
حيث ركز على أساسيات الفضائل،
واعتبرها أربعة هي: الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.
تتميز الأخلاق عند «الغزالي» بارتباطها الكبير بالدين الإسلامي،
حيث تعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية ومنهجها الإرشادي والموجه إلى عموم الناس صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم.
رأى «الغزالي» أن تحقيق الفضيلة إنما يكون من خلال تصفية القلب لذكر الله تعالى، والعمل على تزكية النفس وتهذيب الأخلاق.
شدد «الغزالي» على أهمية الفضائل ودورها في ضبط قوى النفس الإنسانية، وتنمية الاستعدادات الفطرية الخَيِّرة فيها.
كما سعى الفيلسوف الإسلامي الكبير إلى تهذيب قوى النفس الإنسانية،
ليس من خلال قمع نزعاتها وغرائزها، ولكن من خلال الاعتدال والعِفة والعقل.
دعا «الغزالي» -فيما دعا- إلى حسن توجيه طاقات الأمة،
كما شدد على الأثر التهذيبي للشريعة الإسلامية في كل من: الفرد والمجتمع.
«الغزالي» يرشد إلى توخي إرضاء الله
وأرشد «الغزالي» أيضًا إلى توخي إرضاء الله تعالى، وحذَّر من مطامع الدنيا الفانية، وحثَّ على التماس رضوان الله تعالى، وهنا يبرز مأثوره البليغ:
«ليس الدين ابتعادًا عن المحظورات ابتعادَ خائفٍ من مجهول، أو ابتعاد مكرَهٍ مضطربٍ، بل هو الوجل من عصيان مليك مقتدر، سبقت نعماؤه، ووجب الاستحياء منه».
يؤمن «الغزالي» بأنَّ محاسن الأخلاق الموصوفة في القرآن الكريم هي المعيار الذي يجب على المرء قياس نقاء قلبه عليه وحسن نياته،
وأولُ ما يستشهد به علامةٌ على حسن الخلق هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وإجمالًا.. فإن «الغزالي» خلص إلى أن من أهداف التربية الخلقية إعداد الإنسان في هذه الحياة الفانية للدار الآخرة الباقية؛
لأن الغاية المثلى للإنسان في هذه الدنيا هي حسن العبودية لله وتمام الطاعة والخضوع له.
يُشار إلى أن «الغزالي»، الذي عاش بين عامي 1058-1111 ميلاديًا، استطاع أن يحقق ما لم يحققه غيرُه من منجزات فكرية وفلسفية وفقهية خلال فترة زمنية محدودة نسبيًا،
فقد رحل في مثل هذا اليوم عن عمر ناهز 53 عامًا، أنتج خلالها 467 كتابًا، وهذا إنجاز -لو تعلمون- عظيم بكل المقاييس،
وتأثر به إلى حد الاقتباس فلاسفة غربيون كبار مثل: «ديكارت» و«كانط» وغيرهما.