
الأمة| اتفقت التقارير الإعلامية العربية والدولية على أن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع استغل مشاركته في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في الرابع من مارس/آذار الماضي للحصول على الدعم والشرعية لنظامه من الزعماء العرب وجامعة الدول العربية.
وبعد أربعة أشهر من توليه منصبه، شهدت زيارته الأولى لمصر استقبالاً رسمياً في مطار القاهرة الدولي، تلاها لقاء ثنائي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد خلاله رغبته في “فتح صفحة جديدة في العلاقات بين سوريا ومصر”.
في مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية عقب القمة، وصف الشرع مصر وسوريا بأنهما “جناحان لطائر واحد”. وأشار إلى أنه في حين زار بعض القادة العرب دمشق، قام وزير الخارجية السوري بعدد من الزيارات إلى الدول العربية، وقام هو نفسه ببعضها، فإن “زيارته إلى مصر لحضور القمة العربية بالغة الأهمية بالنسبة لنا”.
وقال “أنا هنا ليس فقط لحضور القمة العربية حول فلسطين، ولكن أيضا للتأكيد على رغبتي في بدء صفحة جديدة من العلاقات الأخوية مع الدول العربية، وخاصة مصر”.
وأعرب الشرع عن تقديره للجهود المصرية المبذولة لدعم وحدة وسلامة الدول العربية واستعادة الاستقرار الإقليمي.
كتب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على موقع X: “نغادر مصر بعد مشاركتنا في القمة العربية الطارئة بشأن فلسطين. أجرينا محادثات مهمة مع القادة العرب حول المنطقة العربية ومستقبلها. نشكر جمهورية مصر العربية على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة”.
أصدرت الرئاسة المصرية بيانًا جاء فيه أن الرئيس السيسي أكد حرص مصر على دعم وحدة وسلامة الأراضي السورية، ورفضها أي اعتداء عليها. وأضاف البيان أن السيسي حثّ على إطلاق عملية سياسية شاملة تضم جميع السوريين في أقرب وقت.
ليس سراً أن القاهرة اعتمدت نهجاً أكثر حذراً تجاه حكام دمشق الجدد مقارنةً بالعديد من حلفاء مصر الخليجيين. فبعد أيام من تغيير النظام في سوريا، دعا الرئيس السيسي إلى الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، واحترام تنوع المجتمع السوري. وأضاف أن حكام سوريا الجدد أمامهم خياران: إما إعادة بناء بلادهم أو هدمها.
لم يزر وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، دمشق بعد. وقد أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري بعد قرابة ثلاثة أسابيع من سقوط النظام. وخلال هذه الفترة، رحّبت دول الخليج، وخاصةً السعودية وقطر، بالنظام الجديد في سوريا، وانشغلت بإقامة اتصالات مع حكام البلاد الجدد. وزار أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، دمشق في نهاية يناير/كانون الثاني، بينما زار الشرع السعودية في 2 فبراير/شباط.
دأبت وسائل الإعلام المصرية على التنديد بهيئة تحرير الشام، التي تولت السلطة في دمشق، باعتبارها فرعًا لتنظيم القاعدة، وأعربت عن قلقها من الروابط بين مسؤوليها وجماعة الإخوان المسلمين. ووصفت العديد من وسائل الإعلام المصرية حركة الشرع بأنها “إرهابية” و”دمية أمريكية وتركية”.
أثار ظهور الشرع بعد توليه السلطة في صورة إلى جانب السلفي المصري محمود فتحي، المحكوم عليه غيابيًا بالإعدام في مصر لتورطه في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، غضبًا في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية. وزاد من اشتعال الموقف نشر فيديو لجهادي مصري يقاتل إلى جانب الشرع في سوريا، يوجه فيه إهانات للنظام المصري.
وقال عضو مجلس الشؤون الخارجية محمد حجازي لصحيفة الشرق الأوسط إنه عندما سيطرت هيئة تحرير الشام بقيادة الشرع (المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني) على دمشق، كانت هناك مخاوف في القاهرة من أن تتحول سوريا إلى قاعدة للجهاديين.
وأضاف حجازي أن “هذه المخاوف زادت مع ظهور بعض الجهاديين المصريين وعناصر الإخوان المسلمين في دمشق، وتهديدهم بتكرار نفس السيناريو في مصر”.
وبحسب حجازي، سارع النظام الجديد إلى تبديد مخاوف مصر. وأصرّ وزير الخارجية السوري على أن سوريا لن تتحول إلى قاعدة لزعزعة استقرار الدول العربية، وأن دمشق ترغب في علاقة استراتيجية مع مصر. كما اعتقلت السلطات الجديدة جهاديين مصريين، ورحّلت عبد الرحمن القرضاوي، نجل الزعيم الروحي الراحل لجماعة الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، وهو معارض للحكومة المصرية، إلى لبنان.
بدأت العلاقات المصرية السورية بالتحسن مع تهنئة الرئيس السيسي للشرع بتوليه رئاسة سوريا نهاية يناير. ثم جاءت القمة العربية واللقاء بين السيسي والشرع، الذي يرى حجازي أنه عزز العلاقات.
ويقول مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الشرع منذ وصوله إلى السلطة حرص على عدم إثارة عداوة الدول الأخرى، وخاصة مصر.
ويرى السيد أن ثمار نهج الشرع ظهرت عندما احتضنه الزعماء العرب خلال القمة العربية، وهي أول مؤتمر دولي يشارك فيه منذ توليه السلطة.
ويرى السيد أن الشرع استغل دعوة القمة العربية ليس فقط لتهدئة مخاوف مصر وغيرها من الدول، بل أيضاً لطمأنة السوريين إلى أن نظامه معترف به من قبل الدول العربية.
وخلال القمة، استمتع الشرع باستعادة سوريا لموقعها داخل جامعة الدول العربية، وعلى هامش القمة التقى زعماء لبنان والسلطة الفلسطينية واليمن، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا.
ويقول السيد إن الشرع استفاد كثيراً من القمة العربية، حيث رحبت به مصر وكل الدول العربية، وأعربت عن رغبتها في تطبيع العلاقات مع نظامه، في حين أظهر الشرع للسوريين أن نظامه لا يعيش في عزلة.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رؤوف سعد إن “مصر تعاملت خلال القمة مع الشرع بحكمة ورغبة في ضمه إلى الصف العربي”.
«وكان من الواضح أن المسؤولين المصريين توصلوا إلى أنه لا منطق في عزل الشرع، وظهر ذلك جلياً خلال لقاء الرئيس السيسي به ومصافحتهما».
/الأهرام/