مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: إيلون ماسك.. واللعب بنار السياسة

النصيحة الذهبية التي تقدم لكبار المستثمرين هي الابتعاد المطلق عن السياسة وشؤونها وتقلباتها الحادة وأحزابها وقذارتها وأمزجة وفساد المنخرطين فيها، فما إن يدخل رجل الأعمال تلك الحلبة حتى يصاب بما يصاب به غيره من السياسيين من تلويث السمعة والمساءلة والانتقادات التي تصل إلى حد الإهانة وقلة القيمة، وربما تكون النهاية اتهامات بالفساد المالي وإهدار المال العام والقذف في غياهب السجون مع المجرمين.

وما إن يقتحم رجل الأعمال عالم السياسة حتى يتخلى عن الياقة البيضاء والأسلوب العلمي الصارم في الإدارة والجدار الحديدي مع الموظفين، ليتم قذفه بالبيض والطماطم، وقد يتلقى صفعة باغتة كما حدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيره، أو فردة حذاء كما حدث مع جورج بوش الأبن.

ويبدو أنّ الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، أثرى أثرياء العالم بثروة اقتربت من حاجز الـ 500 مليار دولار قبل نهاية العام الماضي، لم يسمع تلك النصيحة. فماسك كان داعماً قوياً لحملة دونالد ترامب، إذ تبرع بـ 130 مليون دولار، بل أظهرت وثائق أنه أنفق أكثر من ربع مليار دولار لمساعدة ترامب في الفوز بالانتخابات الرئاسية. لذا يصبح واحداً من أكبر الممولين لحملة رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة.

وعقب فوز ترامب في الانتخابات، حظي إيلون ماسك وشركاته العملاقة بالأضواء ونصيب وافر من متابعات وكالات الأنباء والفضائيات، وحصد الملياردير من المكاسب ما يفوق آلاف ما دفعه لحملة ترامب في صورة قفزات في أسهم شركاته وقيمتها السوقية وأرصدته المصرفية، فقد وصل حجم المكاسب التي حققها ماسك عقب فوز ترامب إلى 70 مليار دولار خلال ستة أيام، وقفزت ثروته وقتها إلى 320 مليار دولار ثم إلى 489 مليار دولار.

وزادت ثروته بمقدار 105 مليارات دولار منذ بداية العام 2025، بفضل ارتفاع قيمة أسهم شركاته ومنها تسلا وسبيس إكس. وأصبح حلم ماسك بأن يصبح أول تريليونير في العالم أقرب كثيراً من توقعات سابقة توقعت وصوله للحلم بحلول عام 2027.

لكن هذا الوهج والأرباح المليارية تراجعت بشدة بعدما أصبح ماسك لاعباً مهماً في إدارة ترامب، حيث تم تعيينه وزيراً مشاركاً في وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة ومسؤولاً عن خفض الدين العام، ومن هنا جاء الاحتكاك المباشر بالسياسيين والرأي العام، حيث قاد خطة الإنفاق الحكومي وفصل ما يقرب من 2.5 مليون موظف فيدرالي، وزادت احتكاكاته بإدارة ترامب ووزراء حكومته بسبب تبنيه سياسة خفض الإنفاق بشدة وإلغاء وزارات ووقف المساعدات الخارجية وغيرها.

وقبل أيام، تسربت أنباء عن اشتباك بين ماسك ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وتوتر مع وزير النقل شون دافي وغيره من كبار المسؤولين بسبب النفقات، دفعت ترامب للتدخل والتأكيد أن ماسك سيكتفي بتقديم المشورة للوزراء.

والنتيجة تعرض ماسك وشركاته لخسائر وحملات معادية لشركاته على خلفية الدور السياسي الذي أصبح يلعبه، فقد تراجعت ثروته بمقدار 132 مليار دولار خلال الأسابيع الماضية، وتعرضت ثروته أيضا لضربة كبيرة موجعة أمس الاثنين، حين خسر في هذا اليوم 29 مليار دولار، كما تراجعت أسهم شركة تسلا الأميركية لصناعة السيارات الكهربائية بأكثر من 15%، ليصل إجمالي تراجعها منذ بداية العام الحالي إلى 45%، ما أدى إلى محو جميع المكاسب التي حققتها منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر.

شركات الملياردير إيلون ماسك العملاقة، وفي مقدمتها تسلا التي تعرضت لأعمال تخريب في الأيام الماضية، تدفع ثمن نفوذه وآرائه السياسية ودعمه ترامب وقبلها دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وأصبح دور ماسك السياسي يشكل عبئاً على أعماله الخاصة وشركاته، وعليه إما أن يرحل عن عالم السياسة، أو يصيبه ما يصيب غيره من السياسيين.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights