مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: لغم «حقل الدرة»

هل تعود العلاقات الخليجية الإيرانية إلى نقطة الصفر؟

عادت أجواء التوتر بين الخليج وإيران مرة أخرى رغم التحسن الأخير في العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وتبادل السفراء بين السعودية وإيران، وإعادة فتح السفارات بينهما.

أجواء توتر هذه المرة جاءت من بوابة تجدد الخلافات حول حقل غاز الدرة النفطي، أو ما تطلق عليه إيران حقل آرش الغازي، والذي يقع في منطقة بحرية متنازع عليها حدودياً بين السعودية والكويت، والحقل بالغ الأهمية إذ يقدر احتياطي الغاز القابل للاستخراج منه بنحو 200 مليار متر مكعب، وهي كميات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

النزاع حول حقل الدرة بين الدول الثلاث، السعودية وإيران والكويت، ليس بالجديد، بل قديم جدا ويعود إلى ستينيات القرن الماضي، وطوال السنوات الماضية يتجدد من وقت لآخر خاصة في أوقات الأزمات والمناكفات السياسية.

لكنه يعود إلى الواجهة مجدداً هذه الأيام عقب إعلان الدول الثلاث عزمها التنقيب فيه دون انتظار حل الخلافات المتعلقة بشأنه مع الطرف الأخر، وربما تدخل دولة رابعة على خط النزاع مستقبلا وهي العراق، إذ يزعم البعض أنه يمتلك الحق في التنقيب أيضاً.

اليوم الأحد خرج علينا وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، مهددا دول الخليج التي تؤكد أحقيتها في حقل الدرة، حيث قال إن بلاده لن تتحمل أي تضييع لحقوقها في الحقل المتنازع عليه، وأنها ستضع على جدول أعمالها تأمين حقوقها ومصالحها والاستخراج والتنقيب من هذه الموارد.

تصريحات الوزير الإيراني سبقتها تأكيدات بأن حقل الدرة يقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، في نزاع بدأ قبل عقود عدة.

ومعها تهديدات من طهران على الاستعداد للتنقيب في الحقل النفطي المتنازع عليه مع الكويت ما لم يتم ترسيم الحدود البحرية في المنطقة التي يقع فيها.

كما تأتي بعد أيام قليلة من إعلان وزير النفط الكويتي سعد البراك يوم الخميس الماضي، أن الكويت ستبدأ التنقيب والإنتاج في حقل غاز الدرة من دون انتظار ترسيم الحدود مع إيران.

سبقت تلك التصريحات أيضا تطورات أخرى منها زيادة حدة الخلافات بين الأطراف الثلاثة، وتصاعد الحديث الخليجي مؤخرا عن تدخلات إيرانية في شأن عربي، في إشارة إلى مزاحمة إيران كل من السعودية والكويت على حقل الدرة.

وقبلها إعلان السعودية والكويت التمسك بأحقيتهما في الحقل وبدء التنقيب به بعيدا عن أطراف أخرى، وتأكيد الدولتين الخليجيتين على وجود توافق على حل الأزمة وديا، وتوقيع الرياض والكويت في ديسمبر الماضي اتفاقية لتطوير حقل غاز الدرة البحري.

وقبلها بسنوات وتحديدا في عام 2019، وقّعت الكويت والسعودية صفقة لتسريع تطوير واستكشاف الحقل.

وللتأكيد المستمر على أحقيتهما فقط في حقل الدرة خرجت تصريحات رسمية كثيرة عن العاصمتين الرياض والكويت. فوزارة الخارجية السعودية أكدت في مناسبات عدة أن «ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة والكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة».

نفس المفردات خرجت من الكويت في مناسبات أخرى حيث أكدت وزارة خارجيتها أن «المنطقة البحرية الواقع بها حقل الدرة تقع في المناطق البحرية للكويت، وأن الثروات الطبيعية فيها مشتركة بين الكويت والسعودية، ولهما وحدهما حقوق خالصة في الثروة الطبيعية في حقل الدرة».

وفي مارس 2022، قال وزير الخارجية الكويتي، إن حقل الغاز تابع للكويت والسعودية، وأن إيران ليست طرفا في الموقع.

ورغم هذا التوافق السعودي الكويتي في هذا الملف الشائك، إلا أن إيران دخلت في مفاوضات مباشرة مع الكويت وعلى مدى أعوام، لتسوية النزاع حول منطقة الجرف القاري على الحدود البحرية بين البلدين، إلا أنها لم تسفر عن نتيجة بسبب تمسك كل طرف بحقوقه.

وفي الشهور الماضية، شهدت العلاقات السعودية الإيرانية انفراجه قوية، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وتبادل البلدان الوفود الرسمية، والاتفاق على عشرات الاتفاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

وهو ما أوحى للجميع بطيً خلافات الماضي بين إيران ودول الخليج وانتهاء مرحلة الاتهامات وتبادل التهديدات والتدخل في الشؤون الداخلية للآخر.

فهل تعيد أزمة حقل الدرة النفطي المتنازع عليه العلاقات إلى نقطة الصفر، أم يمكن تجاوزها بالمفاوضات المباشرة والحلول الودية بين الجيران الثلاثة؟

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى