مضر أبو الهيجاء يكتب: الوصفة السحرية لإنجاح التجربة السورية

إضاءات نهضوية مجتمعية سياسية

الوصفة السحرية لإنجاح التجربة السورية

من الطبيعي أن تشهد الحالة السورية اضطرابا عند انتقالها من السياق الثوري إلى سياق الحكم،

لاسيما وأنه قد تمت تنحية قطاعات الشعب السوري عن ميادين السياسة في عهد الأسدين الهالكين،

بالإضافة إلى أن مكون السلفية الجهادية الذي صعد للحكم فقير في التجارب السياسية في عموم المنطقة العربية والإسلامية،

الأمر الذي يجعل ضعفه واضطرابه موجب للإسناد والدعم والتسديد والرفد.

إن حلول اللون الواحد في سدة الحكم في بلد كسورية المركزية، يجعل من الضغوط الواقعة عليه مخاطر حقيقية،

وكما يمكن أن ينهض حكامها الحاليين بالتجربة في بعض جنباتها ومشاهدها، فإنهم قد يتسببون بهلاكها ونحرها وفقدان ثمراتها -لا سمح الله-!

 فما هو الحل الذي يحقق أعلى ضمانة لنجاح التجربة الإسلامية في سورية؟ وأين تكمن الوصفة السحرية؟

إن حديثنا حول التجربة الإسلامية في سورية قد تجاوز تحقق مرحلة الانتصار الثوري والذي تجسد في فتح الشام،

حيث يجب أن تنصب جهودنا اليوم حول إنجاح التجربة الذي لا يتحقق إلا بتحقق التمكين، وبقدر ما يتحقق من التمكين يتحقق نجاح نسبي للتجربة الواعدة.

إن أهم عناصر نجاح التجربة السورية على المستوى الذاتي يكمن في:

أولا: قدرة المكون الثوري السوري من خلال قادته وعلمائه وثواره والحكام الحاليين على حل الإشكالات الداخلية التي ورثها السوريون عن حقبة الاحتلال الفرنسي وحقبة البعث وحقبة الطائفة الأسدية ومنظومتها الأمنية.

ثانيا: تشكيل النسيج المكون لحكام سورية الجدد من الطيف الإسلامي الواسع، وتجاوز القائمين لعقدة اللون الواحد، لئلا يكونوا هم الغنم القاصية.

ولا شك بأن العمل على تحقيق النقطتين السابقتين يتطلب تجاوبا من جميع الغيورين المنتمين والمتحرقين لنصرة الحق وتمكين شرع الله واعزاز الأمة.

لكن تحقيق هذا المطلب تعترضه معوقات داخلية وأخرى خارجية، لاسيما والقوى الدولية مزروعة في دمشق ولم تغادرها منذ قرن قط،

فأين تكمن العصا السحرية في مواجهة غياب الإرادة أو ضعف الوعي الداخلي أو تهديد الضغوط الخارجية؟

إن العصا السحرية غير موجودة في واقع التغيير البشري مطلقا، ولكنها يمكن أن تتجسد عند تحقق صفة وفعل في مجتمعات التغيير الفاعلة والمتفاعلة،

فما هي الصفة المشروطة وما هو الفعل المطلوب؟

الصفة: الوعي الجمعي المتقدم عند عموم شرائح الشعب، والذي يثبت في كل يوم تقدم وعيه المسؤول،

وذلك من خلال تجاوب جماهيره مع عمل ودعوة مصلحيه القائمين على الأرض وفي جميع الميادين.

الفعل: تفعيل دور الجماهير في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنحى السياسي،

ولكن بالشكل الذي يبني ولا يهدم، يسدد ولا يحرف، يجمع ولا يفرق، الأمر الذي يوجب حضور دور ريادي للعلماء بقصد التوجيه،

لاسيما الثوريين الذي كان لهم دور ثوري أكسبهم شرعية ثورية لا جدال فيها.

وإن من غاب دوره من العلماء عن مشهد الدعوة في سورية اليوم دون عذر فهو كالمتولي يوم الزحف.

ولعل من المطمئن في الحالة السورية، هو حضور الوعي المتقدم على وجه الخصوص عند الثوار ومؤيديهم وأتباعهم ومريديهم،

والذين أصبحوا بعد زوال الطاغية على درجة واحدة من المسؤولية، وعلى درجة واحدة من التكليف الشرعي في مشروع بناء الدولة السورية وتعضيد مجتمعها،

ودعم قيادتها لتبقى قوية في مواجهة التحديات الخارجية، وفاعلة في حل الإشكالات الداخلية.

إن أخطر حال يمكن أن يتسبب بتراجع التجربة وضياع ثمراتها، هو أن يصيب الجسد السوري حالة من الارتخاء،

وتوهم نجاح التجربة من خلال نجاح الثورة الذي تحقق في التحرير الكبير لمدن سورية!

المشروع الغربي المتربص بسورية

إن المشروع الغربي والراعي الأمريكي لم يزل متربصا بسورية وشعبها، فهو من دعم قاتلي الشعب السوري منذ قرن،

وإذا مرر ووافق بالأمس على حلول الثوار في القصر الرئاسي نتيجة احتراب وموازنات دولية وإقليمية،

فإنه لن يقبل اليوم ولا الغد بأي حال من الأحوال أن تنتقل سورية إلى حالة جديدة تنطلق فيها من أصولها وتسترد هويتها الثقافية وإرادتها السياسية،

بل يريدها سورية الحديثة التي تنقض غزلها وتتبرأ من أصولها وتتنكر لهويتها الثقافية المرتكزة على الدين.

من نافلة القول أن حكام سورية الجدد -من أي صنف ولون كانوا- لن يتمكنوا من مواجهة التحديات التي ستفرضها أمريكا والغرب عليهم وعلى سورية الدولة والشعب،

إلا من خلال حالة التحام بين مكونات الشعب السوري ودولته الجديدة، الأمر الذي يوجب على حكامها الحاليين أن ينصتوا لشعبهم الكريم، وألا يبتعدوا عن همومه وأن يستجيبوا لمطالبه المحقة والمشروعة،

وأن يكونوا إلى صفه في كل لقاء ومعترك مع مشاريع الغرب وأزلامه المتربصين المعلنين بعيون الزائرين.

وبكلمة يمكن القول إن واجب إنجاح التجربة الإسلامية في سورية يقضي بالعمل على توعية وتقويم وتجميع

وتفعيل المكونات والمؤسسات المجتمعية، بنفس الوقت الذي يقارع فيه حكام سورية المؤسسات والمراكز والقوى الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights