ممدوح إسماعيل يكتب: القادة والدعاة كيف يتصرفون في المحن
ِتعرض سيدنا يوسف لأزمات ومحن متوالية فكيف تصرف؟
بداية أولا: محنة الخيانة تخيل مشاعر يوسف واشقائه يحقدون عليه ويلقون به في البئر امتحان وأزمة صعبة ومحنة الخيانة من القريب محنة متكررة في الحياة
ثانيا: محنة الوحدة: بقائه وحيدا في البئر لا أنيس ولا حول له ولا قوة ولك أن تتخيل كيف تكون مشاعره في هذه السن الصغيرة تفقد ابويك وحنانهما إلى ظلمة بئر
ثالثا: محنة الغربة في نجاته من البئر ثم بيعه محنة وأزمة تعصف بالعقول بعد أن كان سيدا في بيت ابيه يتسبب حقد من حولك أن تتحول إلى عبد في بيت غرباء ورغم كل ذلك هو ثابت وهى محنة يتعرض لها كل من تغرب عن داره
رابعا: محنة الفتنة حياته في القصر وفتنة امرأة العزيز وهو الشاب الوحيد الغريب المغلقة عليه الأبواب ولكن يوسف عليه السلام لجأ بكل قوة إلى الله وقال (معاذ الله) فحفظه الله
خامسا: ثم يجد نفسه في السجن بسبب اعتصامه بالله من فتنة النساء وليس بسبب جرم ارتكبه وهكذا حال كل شريف في مصر
سادسا: محنة السجن دخل يوسف سجن مصر بعد أن كان له مقامه في قصر العزيز تنقلب أموره للمرة الثانية في حياته فيدخل السجن وظلمته ومحنة تقلب الأحوال يتعرض لها الكثيرون من الإشراف
وما أدراك ما السجن من آلاف السنين
لا غطاء يقيه من البرد ولا صديق قريب يعرفه يؤنسه
ولا يعرف ما هي مدة سجنه ولكن يوسف في تلك الأزمة العاصفة والمحنة الشديدة لا يتخلى عن إيمانه بالله ولا عن دوره في الحياة كعبد لله
فعندما اقترب منه من يسأله عن مساعدة (رؤيا) لم يتأخر لأنه يملك المساعدة وهي التفسير
ولكنه في اتون تلك المحنة العاصفة توجه لزملاء السجن يحكى لهم عن نفسه وفي ذات الوقت يشرح لهم الإيمان بالله قائلا
(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهم بِالْآخِرَةِ همْ كَافِرُونَ)
وهنا نتوقف يوسف عليه السلام تعرض لمحن عديدة كلها من غير سبب منه وكلها ابتلاء وظلم حتى كانت محنة السجن الأخيرة
بسبب تقواه فلم ييأس ولم يكتئب كما يحدث من بعض شبابنا اليوم إنما في خضم ذلك يفتخر بإيمانه ويدعو للتوحيد
فيقول (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ)
فهو لم ينسى رغم كل المحن وغربته وسجنه وابتعاده عن أهله أصله ومبادئ ودعوة ابائه للتوحيد ولم تزلزله المحن
وكثير من الناس محنة واحدة مما سبق تعصف بكيانهم
(اللهم ثبتنا وعافنا)
ولم تغير يوسف الأزمات الطاحنة المتوالية فهو في ظلمة السجن ينشر نور التوحيد فلم يقل لزملاء المحنة تعالوا نأكل مع بعض او نتحد في اصطفاف للخروج من السجن.
الدعوة داخل السجن
ورغم علمه أن دعوة التوحيد هي إعلان تمرد على الدولة التي يعيش فيها وإعلان حرب على فرعون.
وهي دعوة غريبة على زملاء السجن والمحنة الذين لا يعرفون ربا غير فرعون ولكنه لم يتردد وبكل لين وقوة قال
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ متَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سلْطَانٍ إِنِ الْحكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
بدأ يوسف بكلمات طيبة يا صاحبي السجن ولكنه استرسل يسفه ما هم عليه من شرك ويفضح فرعون
ويعلنها في وسطة المحنة أن الله الواحد الأحد هو المعبود وهو الخالق الرزاق وحده لا شريك له
ثم يواصل بكل وضوح وبدون مداهنة ومراعاة لظروف المحنة فيقول إن التشريع والحلال والحرام هو لله وحده وليس لفرعون
وهنا نتوقف لماذا لم يسكت يوسف حتى يخرج من السجن؟ وَلماذا تكلم وهو يعلم خطورة كلامه داخل السجن والمحنة؟
ولِماذا لم يخاف من فرعون أن يعلم دعوته فتطول مدة سجنه ومحنته وأزمته؟
ولمَاذا لم يقهره السجن والأزمات المتوالية فيسكت؟
لأن يوسف يعلم أن تقوى الله هي الحافظة والمنجية فقط
لذلك قام بدعوته لله فنجاه الله من الأزمة وكذلك كل قيادة وكل حال لكل عبد لن يخرج من أزمته ومحنته الا بتقوى
(إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)