من وحي الأيام: لماذا انحطت: «خير أمة».. وهل ترتفع كرة أخرى؟ (5-الأخيرة)
دراسة موضوعية في ضوء الكتاب والسنة، وآراء أقطاب الأمة
![](https://alomah.net/wp-content/uploads/2024/01/2024-01-16.jpeg)
محمد نعمان الدين الندوي
هل وكيف ومتى ترتفع الأمة مرة أخرى؟
نعم – وبالتأكيد – سترتفع الأمة مرة أخرى – إن شاء الله – إذا ما رجعت إلى أسباب عزها.
هنا يحلو لنا أن نذكر الحديث الذي دار بين الشيخ الشعراوي ومستشرق وجه إليه أسئلة حول القرآن الكريم والإسلام والمسلمين:
يقول الشيخ: لما كنت في سان فرانسيسكو، سألني أحد المستشرقين: هل كل ما في قرآنكم صحيح؟
فأجبت: بالتأكيد نعم.
فسألني: لماذا إذًا جعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً؟ رغم قوله تعالى: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء: ١٤١)
فأجبته: لأننا مسلمون.. ولسنا مؤمنين.
قال فما الفرق بين المؤمنين والمسلمين؟
رد الشيخ الشعراوي:
المسلمون اليوم يؤدون جميع شعائر الإسلام من صلاة وزكاة وحج وصوم رمضان… إلخ من العبادات.
ولكن هم في شقاء تام: شقاء علمي واقتصادي واجتماعي وعسكري إلخ، فلماذا هذا الشقاء؟
سألني: إذً لماذا هم في شقاء؟
أوضحه القرآن الكريم، لأن المسلمين لم يرتفعوا إلى مرحلة المؤمنين، فلنتدبر ما يلي:
لو كانوا مؤمنين حقًّا لنصرهم الله بدليل قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧].
لو كانوا مؤمنين لأصبحوا أكثر شأناً بين الأمم والشعوب بدليل قوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ۱۳۹]، ولكنهم بقوا في مرحلة المسلمين، ولم يرتقوا إلى مرحلة المؤمنين، قال تعالى: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}.
فمن هم المؤمنون؟
الجواب من القرآن الكريم هم: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١١٢].
نلاحظ أن الله تعالى ربط موضوع النصر والغلبة ورقي الحال بالمؤمنين وليس بالمسلمين!
فإذا عاد المسلمون مؤمنين عاد إليهم عزهم التليد.
آراء لكبار القادة للعودة إلى سابق المجد:
نستعرض فيما يلي آراء وأقوالاً لكبار العلماء والزعماء بخصوص عودة الأمة إلى شرفها السابق:
هناك مقولة معروفة تنسب إلى أكثر من إمام، تتداولها الألسنة وتتناقلها الكتب، وهي:
– «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها».
فالحقيقة هذه الجملة بيت القصيد وأصل الأصول في الباب، وكيف صلح أول هذه الأمة؟ الجواب يعرفه كل مسلم، إنما صلح بالاعتصام بالكتاب والسنة، فأمام الأمة خيار واحد لا ثاني له، وهو خيار التمسك بحبل الله المتين.
– كذلك هناك مقولة أخرى تبين سبب عز الأوائل وهي: «لم يدرك الأول الشرف إلا بالفعل، ولا يدركه الآخر إلا بما أدرك به الأول».
نعم! حاز السابقون المجد بالتضحيات الجسام والبطولات الرائعة التي حيرت العقول، فإذا ما شاء اللاحقون أن يحوزوا ما حازه الأولون حذوا حذوهم، ونهجوا مسلكهم، فنجحوا هم كما نجح من قبلهم.
فالتاريخ الإسلامي زاخر بأمثلة رائعة من الجهود الجبارة التي قام بها المسلمون لنشر الإسلام، وكنموذج لذلك نقدم المجاهد المسلم المعروف عقبة بن نافع، فلما وصل إلى بحر الظلمات (البحر الأطلنطي أو الأطلسي) قال كلمته الباقية العظيمة: «اللهم لولا هذا البحر لمضيت مجاهدًا في سبيلك، حتى أفتح الدنيا لنور الإسلام أو أهلك دينه».
إذا أنت لم تحم القديم بحادث
من المجد لم ينفعك ما كان من قبل
– المفكر المصري أحمد أمين يقول بخصوص عودة الأمة إلى مجدها السابق:
قد كتب الله على نفسه {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥]، وليس الصالحون من صلوا وصاموا ثم ناموا، إنما الصالحون من ضموا إلى عبادة ربهم رعاية حقوقهم وواجباتهم، وعرفوا كيف يسوسون الممالك، ويديرون أمورها على خير وجه وأقوم طريق، وتسلحوا بكل ما يقتضيه الزمان من سلاح مادي ومعنوي، أولئك هم الصالحون الذين يرثون الأرض، أما من عداهم فيرثون الذل والمسكنة في الدنيا وفي الآخرة {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: ٢٥ – ٢٦] (١).
– وهذا الداعية الإسلامي الكبير الدكتور يوسف القرضاوي يرشد الأمة إلى طريق العودة إلى العز السابق متحدثا عن أسباب مجدها الماضي:
«المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، استعن بالله ولا تعجز» «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل»، «ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده»، «وإن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة نخلة أو شتلة صغيرة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها».
إن هذه الروح هي التي صنعت الحضارة الإسلامية المتميزة، حضارة العلم والإيمان، وأقامت دولة العدل والإحسان، ومدت شعاع الإسلام في آفاق الأرض، فما انتشر الإسلام إلا بأخلاق المسلمين، وجل بلاد الإسلام لم يدخلها جيش فاتح بل مسلم صالح، على أن الجيش قد يفتح أرضًا، ولكنه لا يفتح قلبًا، إنما القلوب تفتح بالإقناع والقدوة.
إن الأمة مطالبة اليوم بأن تقدم شيئًا للبشرية كما قدمت بالأمس، ولن تفعل ذلك وهي كل على غيرها في العلم والعمل، تستورد غذاءها كما تستورد سلاحها، ولا يشفع لها التغني بأمجاد الماضي إذا لم تصل أسبابه بالحاضر، وإلا صدق فيها ما قاله الشاعر قديما:
ألهى بني تغلب عن جُل أمر همو
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها منذ كان أولهم
يا للرجال لشعر غير مسؤوم
إن القديم إذا ما ضاع آخـره
كصارم فلت الأيام مثلوم (٢)
وكما قيل: الافتخار بالآباء مع العجز منقصة، والشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية.
– مرة أخرى ننقل هنا قولاً آخر لأحمد أمين الذي يؤكد فيه على دور القوة للعودة إلى العز السابق:
” وشيء آخر أحب أن أقرره من الناحية العملية وهو أن تراخي الأفراد والأمم في تأييد الحق اعتمادًا على أنه بذاته سينتصر تصرف سيء باطل يشبه من كل الوجوه التوكل على الله من غير أخذ بالأسباب، فالحق محتاج إلى قوة وراءه تدفعه وتحميه، والحق غير المسلح إذا وقف أمام الباطل المسلح انهزم، وظل في انهزامه حتى ينازل الباطل في مثل عدته وسلاحه، ولذلك لم تثبت النصرانية الأولى وتنتصر إلا بعد أن تسلحت، ولم ينتصر الإسلام في بدء حياته، ويدخل فيه الناس أفواجاً إلا بعد أن تسلح، بل إننا نرى أن الحق – أحياناً – يحتاج إلى أن يعتمد في حربه على شيء من الباطل كالذي قال معاوية: «إنا لا نصل إلى الحق إلا بالخوض في كثير من الباطل» (٣).
وكما قيل – عن بيان أهمية القوة -: (من لم تقنعه قوة المنطق أقنعه منطق القوة، ومن لم يسمع صرير الأقلام أسمعه صليل السيف).
- العالم السوري الكبير مصطفى السباعي يحصر أسباب قوة الأمم وضعفها في ثلاثة أشياء، يقول:
«ثلاثة تقوي أضعف الأمم: العقيدة الصحيحة، والعلم النافع، والأخلاق القوية.
وثلاثة تضعف أقوى الأمم: تَبَذُّلُ المرأة وطغيان الحاكم، واختلاف الشعب» (٤).
- عملًا بالنصيحة الإسلامية الغالية: «الحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجدها فهو أحق بها»، نذكر هنا ما قاله نابليون الذي كان شابًا فقيرًا، لكنه جد واجتهد حتى أخذ التاج من لويس الرابع عشر، وفتح المشرق، وصار في التاريخ أسطورة، وهو القائل: الحرب تحتاج إلى ثلاثة: المال ثم المال ثم المال، والمجد يحتاج إلى ثلاثة: العمل، ثم العمل ثم العمل (٥).
- المفكر المصري أحمد أمين أثار سؤالًا حول ضعف الأمة رغم عقيدتها العظيمة التي من شأنها أن ترفع رأس معتنقها، فما الذي جعل المسلمين في أنحاء العالم في الذيل لا في الصدر، وفي المؤخرة لا في المقدمة، وكان مقتضى العقل أن تجعلهم هذه العقيدة في طليعة أهل العالم، وحاملي لوائهم وهداتهم السابقين إلى الخيرات، والآمرين لا المؤتمرين، والقائدين الأعزة لا المقتادين الأذلة، ثم أجاب أحمد أمين نفسه قائلاً:
سؤال صعب، والجواب الصحيح أن العقيدة الصحيحة تُقَوَّمُ بذاتها لا بمعتنقها، فقد ينحرف أهلها عنها، أو يحتفظون بشكلها لا بجوهرها، ولو آمنوا بها حق الإيمان لصح أن يكونوا مقياسًا كما كان معتنقوها الأولون، ولكن مع الأسف فقد المسلمون روح العقيدة وحرارتها وحياتها، وتمسكوا بظاهرها، والظاهر لا عبرة بها ولا قيمة لها.
«والفرق بين المؤمن والكافر اليوم أن المؤمن مؤمن نظريًا، كافر عمليًّا، والكافر كافر نظريًّا وعمليًّا، ولذلك سيبقى العالم مضطربًا حائرًا فاسدًا، حتى يجد روحه وقلبه، وقد تفوق العالم المسيحي على العالم الإسلامي اليوم، لأنه كان أعرف بوسائل الأعمال ووسائل الحياة، وأكثر استكشافًا لقوانين المادة، وقوانين القوة المادية لا لأنه أرقى دينًا وأعظم روحًا، فالعالم كله اليوم مخطئ إذا نحن نظرنا إليه نظرة روحية، وهو شقي بتقدمه المادي وتقدمه العقلي من غير أن تسندهما قوة الروح، وليس ينقص المسلمين إصلاح في عقيدتهم، ولا روحانية في دينهم ولكن ينقصهم أمران: الأول أن يكون الدين روحًا لا شكلًا، وقلبًا لا جوارح، وحرارة لا مظهرًا، ونبضًا لا جمودًا، وأن تكون «لا إله إلا الله» و«الحمد لله رب العالمين» معنى لا لفظًا، وصادرة من أعمال القلب لا من طرف اللسان، وأن يكون معنى «لا إله إلا الله» أن ليس عرض من أعراض الدنيا إلهًا، فالمال والجاه والسلطان ليست آلهة تعبد، ولا قوة يخضع لها، وإنما الخضوع للحق وحده، لأن الله هو الحق، ومعنى أن الله رب العالمين: أن ليس في العالم رب يطاع… تسمع أوامره ونواهيه إلا هو – جل شأنه – والثاني: ارتباط عملهم بعقيدتهم، وإيجاد العلاقة الوثيقة بين ما يعملون وما يعتقدون، فليس للعقيدة من قيمة إذا حفظت في خزانة لا تفتح، أو قدست وأهملت، أو لفت في ثياب من حرير ثم تركت، فكما أن لا قيمة للمال إلا ما انتفع به، ولا لأي عرض من أعراض الحياة إلا إذا استغل للمصلحة، فأهم من ذلك كله العقيدة: إذا لم يبن عليها العمل كانت نجمًا جميلًا في السماء، أو لوحة جميلة في المعرض، أو خيالًا بديعًا في أخيلة الشعراء، أو صورة فنية من صور الأدباء، إنما العقيدة المُصلحة هي العقيدة يتبعها العمل وتبعث النور في طريق الحياة، وتهدي إلى الصراط المستقيم» (٦).
- لكي تعود الأمة إلى مجدها السابق لابد لها من التسلح بالأخلاق، يقول الأديب المصري الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي:
«نحن في حالة نحتاج فيها إلى أن يعلم الناس عنا في كل مكان أننا أمة أخلاق وآداب، وأن في نفوس أفرادنا من الصفات والمزايا ما يرفعنا إلى مصاف الأمم العظيمة، ومقياس عظمة الأمم عند العالم إنما هو بصفاتها ومزاياها قبل أن يكون أي شيء غير ذلك، فإن فات آباءنا أن يورثونا خلق العظمة والإباء في عهدهم، فلنتخلق به نحن لنورثه أبناءنا من بعدنا» (٧).
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
نحن في حاجة إلى عودة ذلك الحكم الذهبي، الذي يقول فيه التاريخ لرجاله: «عففتم فعف ولاتكم، ولو سرقتم لسرقوا».
الحكم الذي يقول كبير أمرائه: «مثلي ومثلكم كمثل قوم وكلوا إلى واحد منهم أموالهم، فلا يحل له أن ينفق منها إلا برأيهم ومشورتهم»… وهو الحكم الذي يقول فيه رجل الدولة: «القوي عندكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (٨).
ذلك الحكم الذي كان يتمتع فيه كل إنسان بالحرية التي تعتبر روح الدين، يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه في بيت ينسب إليه:
وما الدين إلا أن تقام شرائع
وتؤمَّن سبل بيننا وهضاب
فلننظر كيف حصر هذا الصحابي الجليل الدين في إقامة الشرع والأمن.
هذا، ولا شك أن الحرية أعز شيء على الإنسان بعد حياته، وإن بفقدانها تفقد الآمال، وتبطل الأعمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع، وتختل القوانين، وقد كان فيناراعي الخرفان حرًّا لا يعرف للملك شنآنًا (العداوة) يخاطب أمير المؤمنين بـ: يا عمر ويا عثمان… فصرنا ربما نقتل الطفل في حجر أمه، ونلزمها السكوت فتسكت، لا تجسر أن نزعج سمعنا ببكائها عليه.
وكان الجندي الفرد يؤمن جيش العدو، فلا يخفر له عهد، فصرنا نمنع الجيش العظيم صلاة الجمعة والعيدين ونستهين دينه لا لحاجة غير الفخفخة الباطلة (٩).
لقد جربت الأمة الآن الأفكار والأيديولوجيات الأجنبية فما زادتها إلا هوانا وشقاء.
ومن لم يتقدم يتقادم، ومن لم يتجدد يتبدد، والبقاء للأصلح {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: ۱۷] والغلبة للأرقى والأقوى، والتفاعل الدائم بين المتجاورين، والأرض الله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
صحيح أن الأمة تواجه الفتن كقطع الليل تأتي مشتبهة كوجوه البقر، لا يدري من أي…؟
وصحيح مات الأبطال، ولكن لم يمت بموتهم الظفر والانتصار، ونحن على يقين أن الرقي والسعد سيعودان للأمة، وما ذلك على الله بعزيز، وهو على كل شيء قدير.
ونعتقد أن هذا الظلام سينحسر عن فجر منير وصبح سعيد.
اشتدي أزمة تنفرجي
قد آذن صبحك بالبلج
(وإذا اشتد الحبل انقطع، وإذا أظلم الليل انقشع، وإذا ضاق الأمر اتسع) وأن الانتصارات العظيمة، والأيام الغر المحجلة المكتوبة بمداد الذهب في صفحات تاريخنا المجيد ستعود بإذن الله،
وذلك يقتضي أن نعيد ترميم أنفسنا بالإيمان والعمل، وتهذيب عقولنا بالعلم والتفكر، وهذا جوهر رسالتنا الربانية الخالدة وطريق ذلك: المسجد والمكتبة والمصنع (١٠).
فحسبنا – كما قال الطنطاوي – تفكيرًا برؤوس غيرنا، حسبنا نظرًا بعيون عدونا، حسبنا تقليدًا كتقليد القرود، ولنعد إلى أنفسنا، إلى عربيتنا وإسلامنا، إلى طهرنا وعفافنا (١١).
فالآن قد آن الأوان أن تراجع الأمة حسابها، وتعود إلى رشدها وصوابها وسبيل ربها، ولا ملجأ لها ولا منجى من الله إلا إليه.
إذا الشعب يوما أراد الحيا
ة فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر
{إِنَّ اللَّهَ لَا: يُغَيِّرُ مَا يقوم. حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١].
ونترك اليأس، فلا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة، قال شكيب أرسلان: ” اليأس من جهة العقل انتحار، ولا ينتحر إلا الذي خالط عقله جنون، ومن جهة الدين كفر، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” ولنشمر عن ساق الجد، فالمجد ما يأتي هبة، ولكن يحصل بالمناهبة، ولولا المشقة لساد الناس كلهم.
والنجاح قطرات من الآهات والزفرات والعرق والجهد، (شمر عن ساعد المسعى، وأبشر بحسن الرجعي).
فلابد أن تغرس في صحراء العالم الإسلامي المجدبة أغراس الجد والعمل، والشجاعة والإقدام، والهمة والاستقلال:
تريدين لقيان المعالي رخيصة
ولا بد للشهد من إبر النحل
ولننظر كيف جاهد أسلافنا وكافحوا وناضلوا، فمن لا يجيد قراءة التاريخ لا يجيد قراءة وصنع المستقبل.
الهوامش
(١) فيض الخاطر ١٧٤/٩.
(٢) الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم، ص: ٤٩.
(٣) فيض الخاطر: ٨/ ١٦١
(٤) دروس من الحياة، ص: ١٦٧
(٥) سنابل وقنابل للدكتور عائض القرني، ص: ١٩، الطبعة الأولى
(٦) فيض الخاطر: ٩/ ١٧٤
(٧) الأعمال الكاملة لمصطفى المنفلوطي، ص: ۲۳۲، الدار النموذجية، بيروت، ١٤٣٦هـ / ٢٠١٥م.
(٨) دروس من الحياة لمصطفى السباعي، ص: ٣٤٧
(٩) الأعمال الكاملة للكواكبي، ص: ۲۹۱
(١٠) سنابل وقنابل للدكتور عائض القرني، ص: ٢٠، الطبعة الأولى ١٤٢٩هـ / ٢٠١٨م.
(١١) مع الناس لعلي الطنطاوي، ص: ١٧٥، مكتبة إحسان، لكناؤ، الهند.
(الأحد: ٣ من شعبان ١٤٤٦ھ – ٢ من فبراير ٢٠٢٥م).