“منبـتُ الطُـهـرِ”.. شعر: د. ناهـد الديـب (رحمها الله)
لم تكن الدكتورة ناهد إسماعيل الديب (رحمها الله) مجرد شاعرة لقصيدة تحكي مذبحة رابعة، بل (شاهدة عيان) عاشت فصول المأساة كاملة من داخل (مطبخ الأحداث ومغارة الأسرار) كطبيبة بمستشفى رابعة الميداني
———————————–
بدمِ الشهــيـدِ تعطّرتْ أجوائي
وعلى تُـرابِـكِ “رَبْــعُ ” بات لوائي
ورستْ على شطِّ الجراحِ سفينتي
فتواعدتْ والآهَ في أرجائي
وكؤوسُ آمالي الذبيحةِ أُهْرقتْ
فغدتْ مدادَ قصائدي ورثائي
ومضيتُ أرتشفُ الشجونَ وحـرَّها
وثـويـتُ ألعقُ من كؤوس دمائي
* * * *
مالي أَرى حُلمي يُمزقُـهُ الأسى
والحزنُ ينهشُ في رفات إبائي !
ما للحنينِ يموتُ في أكْمَـامِـه
قبل الربيعِ على ذُرا الأنـواءِ !
والشوقُ يرسفُ في سلاسلِ وحدتي
وينامُ حُلْمي في نذيرِ فنائي
قلبي اليتيمُ يَبيتُ يَصرخُ تائهًا
وعلى ربوع الجُرحِ أنَّ رجائي
والحسُّ مطعونٌ بزفرةِ نبضهِ
وتفُتُّ أصداءَ المنى أدوائي
****
وتكشّـفتْ خُمُرُ السرابِ وأقلعتْ
فرأيتُني في قبضةِ السفهاءِ
ورأيتُ وطني لُعبةً بحذائهمْ
من بعد فتوى “عُصبةِ الفقهاءِ” !
ورأيتُ مَيْداني تلطّخ بالـدِّما
وخناجرُ الشرطيِّ في الأحشاءِ
سرقوك يا وطني وباعوا عِـزَّتي
وغدوتُ فيكَ أسيرةً ببقائي
كيف الحياةُ ولستُ أملك مأربي ؟؟
والأمرُ رهنُ رغائبِ الزعماءِ
كيف الجوابُ على سؤالِ محمدٍ
عن أمةٍ في قبضةِ الأُمَنَـاءِ ؟؟
أنقولُ ماتتْ يا رسولُ ولم تَـعُـدْ
راياتُـها تعلو ذُرا العلياء ِ ؟؟
أنقولُ هانتْ يا رسولُ ولُطِّخَتْ
أعراضُها بمضاجعِ “النبلاءِ” ؟؟
والرايةُ الغراءُ من يدنا هوتْ
فبكى الحنيفُ لغربةِ الحنفاءِ !
ورثى لعِرْضِ عفيفةٍ من بعد ما
ظَلَّتْ تَهيبُ بأمـةٍ صماءِ !
ويزيدُ جُرحي يا حبيبُ بأنني
ما عدتُّ أُبصرُ غيرَ جندِ غُثاءِ !
فاصمُتْ بربك يا لسانُ وحطمي
يا ذي اليمين مذاهبَ الشعراءِ
ِ
وانطقْ رجوتُك يا رَصاصُ فلم يَعُدْ
يُجدي لديني غيرُ قَطْرِ دمائي
فلعلها تُمسي شفيعي حينما
أَلْقَى النَّبِيَّ ويا لَهَـوْل لقائي !!!