مقالات

ناصر صلاح يكتب: وقفات مع الآيات (11)

«ما يخطّه قلمي ليس تفسيرًا، فلستُ من أهلِه، وإنما هي وقفات أديبٍ عند بعض المعاني والكلمات».

(وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العليم) الأعراف 200

ذهب بعض أهل التفسير إلى خصوصية الحديث للحبيب (صلى اللهُ عليه وسلم) وأن الله تعالى يحذّره من وسوسة إبليس في نفسه ليرد الإساءة بالإساءة، وقال البعض: النزغ هو الغضب.

وذهب البعض الأخر إلى الحديث العام دون تخصيص، وأن الأمر لكافة المسلمين، وليس للرسول الكريم فقط، وقالوا بأن النزغ هو إفساد الأمر، ووضع الفرقة بين الناس، واستشهدوا بقوله تعالى في سورة يوسف: (.. مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي..)

لكني توقفتُ عند كلمة “نزغ” وهذا المعنى القوي أثره مع صغر حجمه،

“نزغ” في اللغة بمعنى لغز ونكز ووكز ونغز، وتذكّرتُ عندما كنا تلاميذا، ويسرحُ أحدنا أثناء الشرح، كان المدرس يقول لي:(أنغز اللي جنبك)، فأضربه في كتفه بسن القلم على فجأة منه  فيتألّم وينتبه، وكانت الأم عندما تغضب على ولدها تقول له: (روح جاتك نغزة في قلبك) أي تتوجع فى قلبك.

وكان جدي (رحمه الله) إذا أبطأ الحمار ونحن في طريقنا للغيط، يقول لي: (انغزه بالعصاية حتى يسرع)،

وعلى الفيس أيضاً حين تريد لفت انتباه صديق لموضوع أو تطلب مساعدته تنكزه من النكز.

إذاً إبليس ليحوّلك من حالة الطاعة والرضى ليوقعك في حالة ترضي هواه؛ ينزغك أو ينغزك، لكن نزغة إبليس عليه لعنة الله ليست للانتباه، وإنما للغفلة،

ينزغك ليأخذ بعقلك وقلبك  إلى طريق المعصية، وتأتى نغزاته حين يبعد المؤمن عن حصنه الحافظ له حين يكون في مهب الريح، سواء كانت الحالة غضب، أو حزن، أو يأس، أو فرح ينسيك الشكر لله… ألخ.

هنا لا بُدّ وأن تنقذ نفسك بالاستعاذة بالله،

ارفع يدك عن يد الشيطان قبل أن يقيّدك في هواه، لأنك لو وقعتَ في الأسر ستكون المغبة أخطر،

وجاء في صحيح البخاري، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فيها أبْصارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُها وهو مُؤْمِنٌ)

ولذا نتأمل باقي الآية الكريمة (إنه هو السميع العليم) لماذا السمع؟؟ لأن النغز في أصله وسوسة للنفس، ولأن النزغ داخلي قد ينتج عنه صراع الفجور والتقوى، ولذا أراد سبحانه أن يقول حتى حديث النفس ووسوسة إبليس لها غير المرئية يعلمها الله، بل يسمعها.

اللهم إنا نعوذ بك من نزغ الشياطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى