«نوط استحقاق».. قصة قصيرة تكتبها فاتن فاروق عبد المنعم
من مقره المليء بأحدث التقنيات والتي كلها تحت إمرته، أحالها إلى عجول تعبد من دون الله، يتابع منذ أن صنع العجل الأول، وأمهله الله، فله موعدا لن يخلفه، يستخدم أحدث التقنيات ليضطلع بالأمر الذي خلق من أجله، لكل مقام مقال، والمقام اليوم يختلف عن المقام في زمن نبي الله موسى عليه السلام.
يمنح من يريد نوط استحقاق، طبقا لشروطه، أو المواصفات التي يكتبها بيده، اتباعه كثر وسهل استدراجهم، لا يأبهون إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، يأمر عباده بطرح عجول جديدة، لم يعمل وحده وإنما له فريق عمل، أصبح سخيا في عطائه غير المجذوذ.
الأطروحات أمامه معروضة على شاشة كبيرة، من بينها امرأة أربعينية، نفد رحيقها لجفاف نبعها، وبدت ذابلة، هزيلة، بعيون غائرة كأنها غارت في جب عميق، تمضي إلى أفول حتمي، شبقة، دائمة البحث عن من يضاجعها، عافها الرجال بعد ذبول أعطافها، تسير شبه عارية ربما استدعت مكنون مراهق استبد به مكنونه، فلم تجد سوى خنزيرا، راودته عن نفسه فاستجاب لها وطرحها أرضا ليسقط بين فخذيها وهي له مستجيبة لتتخفف من أحمالها، فآثرها دون غيرها بعد أن لطخت نفسها ببرازه، فهو لا يشتهي سوى الجيف دوما.
الكتلة المعني بها السامري منذ نبي الله موسى في عينه الواحدة لا يستحقون إلا كل حقير.
يأمر بتحويلها مع جملة من مثيلاتها إلى أجساد فتيات في العشرين من العمر، ريانات، سمهاريات، فأومأ عباده المخلصين بأمارات الطاعة العمياء، وقام بتلاوة ميثاق يقضي بتصدرهن مختلف وسائل الإعلام.
طبول الحرب تقرع من بعيد لا يسمعها إلا الأنقياء، كأنها تتخير من يصله هذا النقر.
ساقطات يتصدرن الشاشات ووسائل التواصل
تصدرت من كن همل ساقطات مختلف الشاشات ووسائل التواصل على اختلافها وتنوعها، لتفغر الأفواه لهثى خلف جمالهن الآسر،
وتصبحن حلم النوم واليقظة لدى عباد العجل، أي عجل، البنات والنساء تتقن إلى تلك النماذج، تتمثلهن في الأزياء والسكنات والحركات والمفردات بل وبلغ الهوس ببعضهن أن تذهبن لأطباء التجميل لتتخير من تريد منهن أن تصبح بنفس ملامحها.
أما الرجال من عباد العجل أيضا صاروا يضعون النموذج الذي يبحث عن مثيله، زوجة أو صديقة، أو خدينة، فلم تعد تلك المسميات ولا ما ترمي إليه مهمة.
قارون يمتثل لأمر السامري
ولكن السامري يريد أن لا تغبن عن الأذهان، وعن جيوب قارون هذا الزمان، كل قارون، فالعجل الأول كان من الذهب ولابد لهؤلاء أن تفقن الذهب في البريق.
الصفيح الصدئ بحاجة إلى طلاء مستمر لإخفاء قبحه وهشاشته، ولا يستطيع فعل ذلك سوى كل قارون.
يشير السامري إلى قارون ليقيم لهؤلاء السالوميات نادي يبرزهن لمن أراد دفع ثمن الطلاء المستمر،
وعلى الفور امتثل قارون لأمر السامري وأقام لهن النادي يتصدر فوهته الضخمة صورهن وهن شبه عاريات، لتأثرن لب كل قارون والذي سيدفع ثمن الطلاء، لتبقى العجول ببريق ذهب العجل الأول.
السامري لا يدفع من جيبه الفاتورة، أي فاتورة، ولكن الأغبياء هم من يدفعون دوما التكلفة مهما كانت باهظة.
النهود مشهرة، كأنهن الكواعب الأتراب، والأرداف مشهرة أيضا، عليها ثياب شفيف يبرز استدارتها وامتلائها.
السالوميات تطورن من مهارتهن كي تتفوقن على سالومي الأولي، مهرجان منعقد طول العام لا ينفض، تتطلع إليهن العيون الذابلة من كيانات ببطون خمص تأوي في حوزتها مفردات الجوع، كل أنواع الجوع.
من مقره يتابع العجول التي صنعها، ليطمئن أن بمجرد خروجه من مكانه سيجد له أتباع كثر، يتابع من أجهزته الحديثة جدا، لم يبلغ عباد العجل هذا المرقى من الحداثة، حداثتهم دائما في مستوى أدنى منه، يحافظ دائما على مسافة ما بينه وبينهم، بها يبلغ أعلى درجات الانبهار لينصاعوا ويزعنوا عندما يعلن عن نفسه: «أنا ربكم الأعلى» فيخرون له سجدا وبكيا.
وأثناء تطوافه بأجهزته يرى ما يكدر أعطافه، قلة من الجموع الهادرة قابضة على دينها والذي يبدو له كجمرات من لهب، يتحملون في صبر وأناة يحسدهم عليها، لم ينتق الله جبلا فوقهم، وحدهم يسمعون القارعين على طبول الحرب، يتأهبون لها بكل ما استطاعوا من قوة كما أمرهم ربهم الحق والأحق بالعبادة والإذعان له دون غيره، فيصيح بصوته النحاسي ورانيا لهم بعينه الواحدة: «أقضوا عليهم»
فيقول له عباده: فعلنا كل ما من شأنه أن يسيء لهم ويزهق أرواحهم فرادى وجماعات.
يتميز غيظا ويقول:
لا نهاية لهم، لا أريد أن أرى فردا واحدا منهم، وجود فرد واحد فقط كفيل بأن يكون خطرا علينا، احصدوا أرواحهم.
يراهم وهم يلبسون الدروع والخوذات وينشدون الأناشيد الحماسية بمفردات من متنهم الذي لا ينضب معينه، يسلمون على بعضهم البعض قبل الخروج للمعركة، كأنها مراسم توديع فلربما لا يرون بعضهم مرة أخرى.
القارعون لطبول الحرب يقتربون ويسمعونهم جيدا ولا يسمعهم عباد العجل بعد أن ران على قلوبهم وأبصارهم، يمضون وهم يتلون آيات الذكر الحكيم ويرسوا على سحناتهم أمارات السلف الأول، كأنهم بعثوا من القبور إلى هذا الزمان، لا يبالون بمن يخذلهم ولا بممالك الموت المعدة لهم.