هكذا سيتعامل ترامب مع الحرب في غزة وتوسيع رقعة المواجهة مع إيران
حاولت دراسة لمركز أمد للدراسات السياسية استطلاع الموقف المحتمل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الحرب في غزة ، واحتمالية توسيع الحرب مع إيران في ولايته الرئاسية المقبلة، مستندة الي سياسته الخارجية في فترته الرئاسية الأولى كنموذج استرشادي، لرسم السيناريوهات المحتملة لتعامله مع الحرب من المشتعلة حاليا في المنطقة.
وحددت العوامل المؤثرة في اتخاذ الرئيس ترامب لقرارته ؛ بداية من السمات الشخصية له، وما يغلب عليه من نرجسية وتقلب وميل للاستبداد باتخاذ القرارات منفردًا، مرورًا برؤيته للعالم باعتباره سلسلة من الصفقات الرابحة والخاسرة، وتجليات هذه الرؤية في سياسته الخارجية وبنائه لعلاقاته وتحالفاته، وصولًا إلى تأثير دائرته المقربة من أعضاء فريقه الرئاسي والموالين له على دفعه لتبني قرارات بعينها.
و انحصرت السيناريوهات المتوقعة تجاه الحرب في غزة ما بين احتمالين، أن يدعم ترامب نتنياهو في المضي قدمًا في حربه حتى يستطيع إعادة احتلال شمال غزة ، واستيطانه مرة أخرى، أو أن يضغط ترامب من جهته لإنهاء الحرب وتسليم إدارة القطاع لمنظمة فلسطينية ، وتحت إشراف قوات عربية مشتركة .
أما الموقف المحتمل من إيران ، فإما أن يدعم ترامب هجمات إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية ، مع دعم لأعداء إيران في المنطقة ، أو اتباع سياسات الضغط القصوى عليها لإجبارها على التفاوض تحت شروط صارمة، أو اعتماد الضغط العسكري الأمريكي المباشر من خلال إما ضربات نوعية وخاطفة ، أو مواجهة مسلحة شاملة.
الدراسة خلصت كذلك إلي صعوبة التكهن بموقف ترامب المحتمل، بالنظر لطبيعته الشخصية وتصرفاته الغير متوقعة، وإمكانية أن تلوح صفقة أكثر ربحًا في أي وقت تجعله يعدل عن قرار لآخر، بالإضافة لعدم اكتمال تشكيل فريقه الرئاسي ومن ثم تبدو المنطقة مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية على موعد مع المجهول
على الرغم من أن ولاية ترامب الأولى “2017-2021” كانت هادئة نسبيًا على الصعيد العالمي والإقليمي مقارنة بولايته المقبلة، وإن كان بعض ما يجني العالم الآن بُذر بها، لكنها توفر تصورًا عن الرجل و كيف يرى العالم ويديره؟ فهناك عدة عوامل متفاوتة من حيث الأهمية والثقل تؤثر في اتخاذ الرئيس الأمريكي ترامب لقرارته. أولها السمات الشخصية.
حيث يتسم دونالد ترامب بالنرجسية الشديدة و التقلب المزاجي الحاد والغير متوقع، واعتماده نمط القيادة الاستبدادية المنفردة، واتخاذه للعديد من القرارات السريعة دون تأني أو حتى استشارة فريقه الرئاسي، فعلى سبيل المثال فاجأ قراره اغتيال قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، في 2020، مسؤولي وزارة الدفاع والمشاركين في العملية أنفسهم.
بالإضافة لذلك؛ هناك رؤيته للعالم؛ يستعرض دونالد ترامب بنفسه هذه الرؤية حيث يرى العالم من منظور الاقتصادي أو رجل الأعمال، لذا فهو يتعامل بمنطق الربح والخسارة الماديين، يبحث عن الصفقات الكبرى والمربحة دائمًا، ويفضل الأرباح الملموسة كالمال والأملاك والنفوذ ولا تعنيه بالضرورة التأثيرات غير المادية أو الاعتبارات الإنسانية للصفقات، كما يؤمن بضرورة استغلال الفرص طوال الوقت وأن أفضل الفرص عادة ما تأتي في الأوقات الصعبة وغير المتوقعة،
وهناك أيضًا فريقه الرئاسي؛ يعتمد ترامب في تشكيل فريقه الرئاسي وتعيين أعضائه على الولاء الشخصي له أكثر من الكفاءة، وفي الأيام الماضية قال إنه يريد مكافأة أولئك الذين وقفوا إلى جانبه خلال العامين الأخيرين من حملته الرئاسية، وعلى الرغم من ميله للتدخل في كل شئون الدولة، وانفراده باتخاذ أغلب القرارات، لكن تبقى الدائرة المقربة منه ومستشاريه في فريقه الرئاسي يمتلكون تأثيرًا ونفوذًا، في بيان المكاسب الممكنة من بعض القرارات والصفقات مما يدفعه للمضي قدمًا والموافقة عليها،
لذا فمن سيقود سياسة الشرق الأوسط في ولايته القادمة سيكون عاملًا مؤثرًا في موقفه من حرب غزة و الملف الإيراني، ولكن في المجموعة المحيطة بالرئيس المنتخب هناك مؤيدون بارزون لإسرائيل، مثل السفير السابق في إسرائيل ديفيد فريدمان، والذي يؤمن بحق إسرائيل الملهم من الله في الاستيلاء على الضفة الغربية، بالإضافة لنائبه الحالي “جيه دي فانس” المعروف بمواقفه المتشددة تجاه طهران .
ومثلت الولاية الرئاسية الأولى لترامب 2017- 2021 مأزقا ومنعطفًا خطيرًا للقضية الفلسطينية والمنطقة العربية، بداية من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر2017 ، ثم نقل العاصمة من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018، وانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة 2018 لرفضها انحياز المجلس ضد إسرائيل، و
وكذلك تم إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف دعم منظمة الأونروا في العام نفسه، وتمرير لتجاوزات المستوطنين وتسهيل استلائهم على أراضي الضفة ، حتى كان إعلان ترامب عن صفقة القرن في يناير 2020، والذي تبعها سلسلة اتفاقات إبراهيم وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية٠
و على مدار عام جاءت تصريحات ترامب عن حرب غزة غامضة، ففي بداية الحرب أعرب أكثر من مرة عن دعمه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأنه “سيدافع عن صديقنا وحليفنا في دولة إسرائيل كما لم يفعل أحد من قبل”، كما اتهم المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين بمعاداة السامية، و تعهد ترامب بترحيل الطلاب المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين من الولايات المتحدة إذا انتخب رئيسا، لكن من جهة أخرى طلب ترامب من نتنياهو أثناء اجتماعهما في يوليو الماضي إنهاء عمليته أو إنجاز مهمته في غزة قبل عودته للبيت الأبيض إذا أعيد انتخابه.
لذا ففي ظل التصريحات تتعدد السيناريوهات المحتملة للحرب في غزة:السيناريو الأول: أن يقنع نتنياهو ترامب باستمرار الحرب و الحصول على مزيد من الدعم العسكري الأمريكي، حتى يستطيع نتنياهو إعادة احتلال قطاع غزة، وربما استيطانه مرة أخرى، وقد تحدث جايد كوشنر- صهر ترامب- قبل ذلك عن الأهمية الاقتصادية لغزة كواجهة ساحلية، كما تتحدث جماعة الاستيطان اليهودية المتطرفة عن مخططات لمشاريع استيطانية جاهزة للتنفيذ في القطاع.
السيناريو الثاني وفقا للدراسة : أن ينهي نتنياهو الحرب بالفعل وربما قبل تنصيب ترامب، لكن وفق الشروط الإسرائيلية، وسيلزم هذا تقديم مزيد من الدعم المسلح لنتنياهو، لتسريع وتيرة التقتيل والتجويع والحصار، مما يعجل من وتيرة تحقيق أهدافه، وينتقل لليوم التالي للحرب وتسليم إدارة القطاع إما لمنظمات فلسطينية وليست للسلطة الفلسطينية أو حركة حماس، أو إلى إدارة عربية مشتركة، تدعمها قوات عربية.
ومع الدعم الواضح من ترامب لنتنياهو، لكنه يدرك صعوبة حصوله على كل ما يريد، خصوصًا وأن سياسة ترامب “أمريكا أولًا” تميل للحد من التدخل الأمريكي العسكري، ووقف ضغط المساعدات العسكرية المقدمة على الخزانة الأمريكية، بالإضافة أن استمرار الحرب قد يُعيق بالمضي قدمًا في صفقة القرن والتطبيع الإسرائيلي السعودي المرتقب والذي عرقله السابع من أكتوبر.
وإلى جانب سيناريوهات الحرب، المتوقع أن يستمر تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة ، فمن جهة لا تلقى مثل هذه المواضيع اهتمامًا لدى الإدارة الأمريكية الجديدة، ومن جهة أخرى سيزداد وضع الأونروا سوءًا لأن المتوقع أن يوقف ترامب تمويل منظمة الأونروا مرة أخرى كما فعل في ولايته الأولى.
لكن يبقى موقف ترامب من غزة كأحد جبهات الحرب مرتبط ولو جزئيًا بمسار الأحداث في غيرها من الجبهات الأخرى، تحديدًا مع إيران و أذرعتها العسكرية في المنطقة.
وعرجت ورقة مركز أمد كذلك للحرب مع إيران حيث اتسمت العلاقات الإيرانية الأمريكية بالتوتر المتصاعد طوال الفترة الرئاسية الأولى لترامب، خصوصًا بعد سياسة الضغط القصوى الذي اتبعها تجاه طهران، بداية من الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، وفرض عقوبات اقتصادية خانقة أضرت بالاقتصاد الإيراني بشكل كبير، وصولًا لتصنيف وزارة الخارجية الأمريكية للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية 2019، واغتيال قاسم سليماني 2020 بالعراق.
و جاء هذا للضغط على طهران للحد من مشروعها النووي، ودفعها للتفاوض على شروط ترامب، دفع هذا بطهران بالمقابل لتخصيب كميات أكبر من اليورانيوم ، وتحريك أذرعتها في المنطقة لمهاجمة بعض القواعد الأمريكية، بالإضافة لتهديدها بغلق مضيق هرمز وضرب شاحنات النفط السعودية والإمارتية.
وبالنظر لطبيعة الأحداث التي تشهدها المنطقة منذ أكثر من عام، وفي ظل خروج تقارير استخباراتية بمحاولة إيرانية لاغتيال الرئيس ترامب، ورد إيراني مرتقب على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، تميل العلاقات مع إيران في الفترة الرئاسية الجديدة لترامب لمزيد من التعقيد، لكن تبقى كافة السيناريوهات مطروحة و محتملة بالنظر لنمط تفكير ترامب غير القابل للتنبؤ، وتغير القيادة الإيرانية:
السيناريو الأول: شن إسرائيل لهجمات موسعة على إيران، وتوسيع الهجوم على أذرعتها العسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حتى قبل تولي ترامب نفسه للرئاسة، فإذا ما جاء ترامب يعمل على دعم أعداء إيران من دول الخليج في المنطقة عبر سياسة المقايضات، ضمانات أمريكية أمنية لدول الخليج وموقف صارم تجاه طهران، مقابل صفقات الأسلحة و صادرات نفط، بالإضافة للمضي قدمًا في تعزيز اتفاقات إبراهيم ما بين إسرائيل والسعودية وغيرها من الدول العربية.
السيناريو الثاني: أن يتابع ترامب سياسة الضغط القصوى على طهران من بداية تولية الرئاسة عبر فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، والعمل على قطع صادراتها النفطية، لإجبارها على التفاوض، وهذا في المقابل قد يدفع بطهران لتعزيز علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، والمضي بخطوات حثيثة في مشروعها النووي.
السيناريو الثالث: استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية بشكل محدود للضغط على إيران لقبول التفاوض تحت شروط مجحفة وصارمة، فيما يخص برنامجها النووي، ودعمها للأذرع المسلحة في المنطقة، وحركات المقاومة في فلسطين.
السيناريو الرابع: أن يبادر ترامب للمواجهة المباشرة مع طهران، وضرب منشآتها النووية، وبنيتها الحيوية، ومن ثم تهاجم طهران المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو ما يجر المنطقة بأكملها لحرب إقليمية أكثر اتساعًا وتأثيرًا عالميًا مما هي عليه الآن.
.