تقاريرسلايدر

هل ستثمر دماؤنا الزكية في معركة طوفان الأقصى ما تستحقه؟

من نافلة القول أن فلسطين والأقصى المبارك لن تتحرر من داخلها، كما لم تتحرر عبر التاريخ كله إلا من خارجها .

إن هذا الفهم الصحيح يفضي إلى سلوكين رئيسيين بالنسبة لنا كفلسطينيين :

1/ ضبط سقف المعركة بالحد الذي يحقق التصدي للعدو الإسرائيلي الغاصب ومنعه من التوسع ومصادرة الأقصى والثبات على الثغور .

2/ تحريض المؤمنين من الشعوب العربية والإسلامية لتقوم بواجبها العيني تجاه أقصى المسلمين، ونصرة للمظلومين وعونا للمجاهدين .

إن حجم الدماء النازفة اليوم على أرض غزة هاشم لم ينزف بهذا القدر ليثبت للعالم بأن الشعب الفلسطيني شعب مجاهد وصامد، لاسيما وهذا هو حاله ووصفه منذ عقود، وهو شبيه بحال عموم الأمة التي أبلت بلاء عظيما في ثورات الربيع العربي، ودكت حصون الظالمين وتحدت الغرب، الأمر الذي اضطر العدو الأصيل للتدخل بعد أن فشل الوكيل.

إن حجم الدماء النازفة وحجم التدمير الواقع لا يوازي هدف ومطلب تعرية النظام الدولي، والذي تعرى مرات عديدة في القرن الأخير وعلى سبيل الذكر لا الحصر في معارك بغداد حينما قتل الأمريكيين نساء وأطفال العراق في ملجأ العامرية، وحين صهروا بقنابلهم النوعية النووية قطاعات الجيش العراقي.

وقد جاءت معركة طوفان الأقصى المشرفة لتثبت للمرة المائة أن الغرب في أعلى مستوياته السياسية -كما نطق بذلك بايدن وكل رؤساء الحكومات الغربية- ينزع للقتل الشرس ومحق البشر بأعنف الوسائل دون توقف أمام الأطفال والنساء والمدنيين، حتى بات سفاح الشام بشار الأسد والقاتل السيسي كيوت مقارنة بعنف الحكومات والقيادات السياسية الغربية النافذة في الحكم.

ومن البديهي أن معركة طوفان الأقصى المشرفة لن تفضي لوحدها لتحرير الأقصى المبارك وإزالة الكيان الإسرائيلي الغاصب الذي يشكل رأس حربة للمشروع الغربي الصليبي.

إن إنضاج وتحقيق الشروط الموضوعية في محيط فلسطين شرط أساس لتحقيق الوعد بإزالة الاحتلال وتحرير أقصى المسلمين، الأمر الذي يوجب علينا كفلسطينيين التفاعل مع قضايا شعوب الأمة لاسيما في محيط فلسطين.

وحتى تكون ثمرات دمائنا الزكية التي تهرق على أرض فلسطين بمستوى الأنهار النازفة والتدمير الحاصل والتضحيات الجليلة، كان لابد من توسيع النظر ليشمل ما هو أوسع من النظر في داخل فلسطين بل ليستوعب الشروط الموضوعية الواجب تحقيقها ليتحرر الأقصى ويزول الاحتلال بإذن الله ويتحقق الوعد.

لاشك بأننا كفلسطينيين يقع علينا الواجب الأول تجاه أقصى المسلمين، ولكننا أيضا ندرك بأننا لن نحرره بمفردنا حتى لو قمنا بمعارك طوفان الأقصى الأول والثاني والثالث والعاشر، حتى يصحو ويقف المارد الإسلامي بعد أن تصحح أوضاع العرب والمسلمين.

لذلك فإن من الواجب علينا أن نستثمر أنهار الدماء والتضحيات الجليلة في فلسطين، لتوازي كمية الدماء الزكية النازفة اليوم الثمرات المرجوة، وذلك من خلال تحقيق أمرين رئيسيين إلى جانب التصدي للاحتلال وإنقاذ الأقصى من التغول اليهودي، وتحريض المؤمنين وتعرية المنظومة الدولية:

أولا: تعميق الفجوة القائمة بين الشعوب العربية وأنظمة الحكم القائمة والمتموضعة برعاية الغرب على سدة الحكم، والاستفادة من معركة طوفان الأقصى المشرفة لإطلاق موجة ثورات الربيع العربي الثانية والتي تستكمل طريقها في هدم تلك الأنظمة العميلة والطاغوتية المستبدة، وتحقيق مطالب الأمة في العزة والكرامة واسترداد الهوية، بما يؤول تلقائيا لاسترداد دورها الطبيعي -كما في كل التاريخ- في تحرير أقصى المسلمين ومواجهة الحملات الصهيوصليبية التي تدور رحاها على أرضنا المباركة في فلسطين، وكذلك في عموم الديار الشامية ومصر والعراق، الأمر الذي يوجب تغيير الخطاب العربي والإسلامي الذي يعلي من شأن الدولة الوطنية التي باتت شريكا في الجريمة ومعضلة أمام أي حل.

ثانيا: فك العلاقة الآثمة والقائمة بين الحركات الثورية في فلسطين وبين ملالي إيران أعداء الأمة والدين، وهو شرط من شروط الاستقامة والسوية، فالله سبحانه وتعالى أعز وأكرم من أن يلجئ عباده المجاهدين للحلف مع أعدائه وقتلة الموحدين حتى يحرر أقصاه ومعراج نبيه من خلال لاعني نبيه وأم المؤمنين وحارقي كتابه ومساجد المسلمين، وهذا لعمري سوء ظن وسوء أدب تجاه الله العظيم، وهو طعن في سوية الفهم واستقامة الدين، كما أن فك الارتباط بين المسألة الفلسطينية وملالي إيران وأحزابها وميليشياتها سبب مباشر لجسر الهوة بين الشعوب العربية التي قتل الملالي الإيرانيين من أبنائها ومجاهديها وعلمائها ونسائها مائة ضعف ما قتله اليهود المجرمين في كل تاريخهم البغيض.

لقد بات من الواجب إعادة النظر في مرتكزات الأعمال الإسلامية ومشاريع التغيير وذلك من خلال مراجعتها ونقد ما بات قاصرا فيها، وطرح مرتكزات جديدة تناسب واقع التحديات الواقعة على الأمة ودينها اليوم من خلال فهم المشاريع المعادية المعاصرة، ولعل من أهم مرتكزات الحركات الإسلامية القاصرة في القرن الأخير هو ركيزة المفهوم القطري في الأعمال الإسلامية ومشاريع التغيير، والتي بنيت عليها سلوكيات ومقولات كمقولة نحن لا نتدخل في شؤون الآخرين فموضوعنا محدود في فلسطين أو العراق أو مصر أو الشام وغيرها!

إن الفشل القائم في الإطار العربي والإسلامي الشعبي والحركي في إنقاذ فلسطين والتعامل معها بمستوى الفاعلية الواجبة، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي يشير إلى شيخوخة حركات التغيير الإسلامي سواء على مستوى الأطر أو القيادات أو المقولات والخطاب الكلاسيكي، سواء في الحركات الإخوانية أو السلفية اللتين فشلتا في كسر المعادلة السياسية القائمة، وانحصر دورهما بالدعاء وجمع المعونات ومطالبة النظام العربي الرسمي المتواطئ بفتح الطريق لغزة والقدس والضفة!

ولعل منعرج معركة طوفان الأقصى المشرفة يكون سببا لتجاوز القيادات والأطر الحالية -رغم جهودها الطيبة والمقدرة- بحيث تبرز قيادات وأطر جديدة ركيزتها العلماء الربانيين والعاملين، ولكن لا تثقل كاهلها الارتباطات بالأنظمة القائمة، ولا يكون سقفها أقل أو موازيا لسقف الأنظمة الرسمية، ولا تتسبب عصبيتها الحزبية في محدودية رؤيتها وفهمها ووعيها وتفاعلاتها.

لاشك بأن الدماء الزكية النازفة على أرض غزة الأبية هي سبب لبعث كل خير بإذن الله، ولاشك بأنها ستزهر كورد الياسمين في ربوع الأرض المباركة وعموم بلاد العرب والمسلمين، الأمر الذي يوجب علينا التعامل معها بكرامة وغيرة عالية تستوجب سعيا حثيثا لتحقيق ثمرات كبيرة في مستوى الدماء الجليلة.

اللهم انصر عبادك المجاهدين واكسر يا رب شوكة الكافرين المعتدين وحرر أقصانا ومسرى نبيك الأمين صلى الله عليه وسلم.

مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 29/10/2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى