بحوث ودراسات

وجدتُ ضالَّتي في رحاب الجامعة الفاروقية كراتشي

بقلم: حبيب مختار بن د. غلام رسول*

ربما يُنجز الإنسانُ مهام الأمور في مدة قليلة ويتمكن من حصولها في فترة محدودة ويقال لها مغادرة العمل في الوقت المحدد، لكن لا يتيسر له هذا إلا بجهده وإخلاصه وكثرة تركيزه على العمل، لذلك يقوم أصحاب المدارس والجامعات في شهر شعبان المعظم بتنظيم دورات شتى ليفيدوا الطلاب والمعلمين فائدة تامة في أقل فرصة لكي يتمكنوا من ملكة لغوية وعلمية، ومن هذه الدورات المفيدة دورة اللغة العربية حيث لا يخفى على أحد مكانة اللغة العربية وأھميتها؛ لأن هذه اللغة لغةُ كتاب الله القرآن، بها أنزل وحفظ، ويجب على كل من يريد تعلُّمَ العلوم الشرعية أن يتعلم هذه اللغة أولا؛ لأنها أساس كل علم، وهي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين فاللغة العربية خير اللغات والإقبال على تفهمها من العبادات.

 وقد نظمت رئاسة الجامعة الفاروقية كراتشي (وأصحاب الجامعة الفاروقية هم من الأولين السابقين في خدمة اللغة العربية في ربوع باكستان) دورةً عربية تدريبية للمعلمين؛ لتصقيل مواهبهم وتنمية مهاراتهم في تعلّم اللّغة العربيّة وتعليمها حيث خصصوا لها جماعة من الأساتذة المهرة العباقرة في العلوم لا سيما في اللغة العربية التي هي أفضل لغات العالم وأفصحها، ومن ثمّ قال عنها سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “تعلَّموا اللغة العربية فإنها من دينكم”.

 وقد وفقنا الله للمشاركة في هذه الدورة الميمونة، فاستفدنا من هذه الفرصة العظيمة الذهبية فوائد جمة؛ بأن وفَّر لنا أصحاب الجامعة بيئةً عربيةً خالصة وجوا علميا راقيا في مكان هادئ ومدرسة محيطة بالأشجار والحدائق والأزهار التي تبتهج بها القلوب وتسر بها الأذهان وتنشط بها الأبدان، وقد اهتم الأساتذة بتربيتنا وتعليمنا اللغة العربية بمهاراتها الأربع: السماع والتكلم والقراءة والكتابة، وإليكم ذكر الأساتذة الذين بذلوا معنا كل الجهد في مجال تعليم اللغة العربية نطقا وكتابة.

 1- 2- فضيلة الأستاذ الشيخ محمود التونسي وبدر الدين الكافي: استفدنا من محاضرات فضيلة الشيخ محمود التونسي وفضيلة الشيخ بدر الدين التونسي – حفظهما الله- استفادة تامة، حيث ألقيا علينا المحاضرات حول كفاءات اللغة العربية وعن طريقة تعليمها وتدريسها، وقواعد إنشائها وأهمية التكلم بها، كما قال الشيخ محمود التونسي: «قواعد اللغة العربية روح هذه اللغة والتكلم بها جسمها، ولا يُتصور الروح بدون الجسم».

 3- فضيلة الشيخ عبد اللطيف المعتصم، وكانت لفضيلة الأستاذ الشيخ -حفظه الله ورعاه- حصة كبيرة وبراعة عظيمة في هذه اللغة، كأن العربية صارت لغة أمه، فأخذنا منه ما أخذنا واستفدنا منه ما استفدنا، ووجدناه شفيقا في تربيتنا ومخلصا في تعليمنا وحريصا على وصولنا لأقصى مراتب الازدهار في هذه اللغة، وقد أفسح لنا مجالات المناقشة والحوار في اللغة العربية ولطف بنا بنصائحه وطرائفه الأدبية وغرس في قلوبنا حب اللغة العربية، وكثيرا ما كان يقول:”عليكم أن تتعلموا هذه اللغة كما هو حقها أيها الشباب، واهتموا بها كل الاهتمام وألزموا على أنفسكم التكلم بها، وابذلوا كل الجهد في التمهر فيها”.وقد صرف جهوده الجبّارة مع المشاركين في هذه الدورة حتى صاروا متكلمين باللغة العربية بطلاقة وسلاسة، تقبل الله منه جميع مساعيه بقبول حسن.

 4- فضيلة الأستاذ محمد أنس عادل خان -حفظه الله ورعاه- استفدنا منه في الحوار العربي، وهو رئيس الجامعة الفاروقية كراتشي (المقر الثاني) وكان رجلا حلوا المنطق وجميل الطلعة، حيث أفاد المشاركين بكلماته الجميلة وتعبيراته الفصيحة وأسلوبه الرائع.

 5- فضيلة الشيخ عثمان أكبر – حفظه الله ورعاه-، وكان رجلا وسيما ظاهر الوضاءة، كأن وجهه روضة ولسانه ريحانة، وكان يعلمنا أصول المقالات والإنشاء بكل مهارة وحذاقة، وبذل معنا جميع مساعيه في كتابة المقالات، وكان يعطينا الواجب المنزلي كل يوم، ثم يدققه بكل دقة، حتى انطلقت أقلامنا، وتمكننا من الكتابة حتى صارت مقالات أكثر أصدقائنا صالحة للنشر في مجلة الفاروق.

 6- فضيلة الشيخ حبيب حسين -حفظه الله ورعاه-، ووجدناه رجلا شجاعا دافعا عن الحق ودامغا للباطل، واستفدنا منه المصطلحات العربية المعاصرة وتشوقنا إلى مطالعة المجلات العربية وأطلعنا على كثير من الأشياء المهمة المفيدة من خلال محاضراته القيمة.

 7- فضيلة الشيخ عبد القدير خان -حفظه الله ورعاه-، وأخذنا عنه علم الإملاء والترقيم والترجمة والتعريب، وجدناه شابا في مقتبل العمر يفتن القلوب بسحر أحاديثه، متمكن من التدريس، وكان من مزايا تدريسه أنه يسهِّل المسألة الصعبة المستحيلة، ويقدمها إلى الحاضرين بأسلوب سهل جدا، كأنه لا صعوبة فيها.

 8- فضيلة الشيخ وسيم حسن -حفظه الله ورعاه-، وقد أسمعنا فضيلتُه الحوارات العربية والمحاضرات الأدبية عبرَ جهاز العرض؛ لتتحسَّن أصواتنا ولهجاتنا العربية، و هو في الحقيقة كزهرة تعجب كل من يراها ويتقدم ليشمها ويتمتع بها.

  عناية الجامعة بدعوة العلماء العباقرة في تعليم اللغة العربية نطقا وكتابة ونشرا:

 قد دعت رئاسة الجامعة كبارا من العلماء المهرة في علوم العربية ليلقوا محاضراتهم القيمة على المشاركين في الدورة، فأجابوا الدعوة وقدموا إلى الجامعة وألقوا محاضرات قيمة مفيدة في موضوعات مختلفة من اللغة العربية.

 وكان من هؤلاء المحاضرين فضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور ولي خان المظفر -حفظه الله ورعاه-، ذلك الداعي المفكر الأديب الذي سقى شجرة اللغة العربية في باكستان ببالغ جهده وبذل جميع مساعيه السعيدة في سبيل نشرها من عنفوان شبابه، حتى صار من الداعين لتمكين اللغة العربية في جميع العالم الإسلامي.

 ومنهم فضيلة الشيخ العلامة الدكتور محمد إدريس سومرو (شيخ الحديث بجامعه أنوار العلوم، كنديارو، السند) ومنهم فضيلة الشيخ الدكتور غلام أكبر (مدير جامعة العلوم الشرعية،حب شوكي، بلوشستان) واستفدنا من محاضراتهم فائدة تامة.

 هذا، وقد جدنا هذه الدورة نافعة من كل جانب ومفيدة من كل ناحية، لقد وجدنا فيها ما فقدنا، وذاكرنا فيها ما نسينا، وأخذنا بسببها ما تركنا وبعبارة أخرى: لقد وجدنا فيها ضالَّتنا.

 نعم هذه حقيقه، لقد كنا في غفلة عن اللغة العربية وعلومها، وكنا قد تركنا قبل ذلك الجد والكد الذي تكتسب به المعالي، ولكن لما من الله علينا ووفقنا للمشاركة في هذه الدورة المتعة الممتعة، علمنا بأهمية اللغة العربية، واستغللنا أيامنا أوقاتنا لتعلمها، وركزنا جهودنا على التكلم بها، وكان بعض أصدقائنا يجلسون إلى الساعة الثانية من الليل ويكتبون المقالات، وقد كنت دائما في الحيرة وتفكرت في نفسي مراراً: أنا الذي لم أكن قادرا بالأمس على كتابة سطر باللغة العربية، لكن اليوم يسيل قلمي ولا يحب الوقوف! وأنا الذي كنت أواجه صعوبات كثيرة ومشكلات عديدة في التكلم بالأمس لكن الآن ينطلق لساني بكل سلاسة وطلاقة…، وقد كتبت أثناء هذه الدورة صفحات عديدة من ذكريات ومقالات عديدة في اللغة العربية، وهذه الأسطر التي أرسمها واكتبها الآن أيضا من بركات هذه الدورة المباركة.

 ولم نكن نحصل على هذه الفوائد العظيمة في هذه الدورة لولا شفقة أستاذتنا وجهودهم التي بذلوها معنا، وعاملونا معاملة الآباء المشفقين مع أبنائهم، ووفروا لنا بيئة صالحة لتعلم اللغة العربية بمهاراتها الأربع: السماع والتكلم والقراءة والكتابة.

 وفي نهاية الدورة شاركنا في الامتحان النهائي واجتزنا جميع مراحله، واحتفلنا في اليوم الأخير بالحفل النهائي الميمون في «قاعة السليم» بالجامعة، حيث وزّعت شهادات المشاركة في الدورة بين الإخوة المشاركين الذين اجتازوا جميع مراحل الدورة بالتفوق والنجاح، ثم توجهنا إلى بيوتنا ونحن نشعر بأحاسيس مزيجة بالحزن والسعادة في آن واحد، أما الحزن فلمفارقة أساتذتنا وزملائنا الذين قضينا معهم أجمل الأيام، وأما السعادة فلأخذ حظ وافر من اللغة العربية وعلومها.

 وقد خرجنا من هذه الدورة ونحن عازمون عزما مؤكدا لا يشوبه الشك ولا يعتريه الضعف على أننا سنهتم بتعلم هذه اللغة الشريفة وتعليمها ونشرها وتعميمها إلى كل البلاد، لكي نستطيع أن نبلغ إلى الإنسانية رسالة الإسلام الخالدة الخالصة التي جاءت إلينا باللغة العربية الفصحى.

 وأخيرا، أشكر الله تعالى وأشكر جميع الأساتذة الكرام (وخاصة فضيلة الأستاذ محمد انس عادل خان حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه) على أنهم أتاحوا لنا هذه الفرصة العظيمة، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، آمين يا رب العالمين.

* الأستاذ بالجامعة الإسلامية النعمان بن ثابت، والمشارك في الدورة العربية التدريبية، بالجامعة

مجلَّة (الفـاروق) العـربية الغـراء

العدد 281، ذو القعدة 1445هـ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى