وقفة في وجه ضلالات «أسامة الأزهري» وافتراءاته على الإمام البنا

د. إسماعيل علي
لا يكفّ «أسامة الأزهري» وزير السيسي ومستشاره للشؤون الدينية عن إلصاق التهم الآثمة والافتراءات الباطلة بجميع خصوم سيدِه «السيسي» والعلمانيين،
وفي مقدمتهم العلماءُ الربانيون والدعاةُ الصادقون،
مثل الأستاذ «حسن البنا»، والأستاذ «سيد قطب»، والشيخ «عبد الحميد كشك»، وغيرِهم.
ومِن حينٍ لآخَر يجترّ «أسامة الأزهريّ» افتراءاته على الإمام الشهيد «حسن البنا» وخاصة فيما يتعلق بموضوع الحُكم والسياسة،
ومن افتراءاته الظالمة -على سبيل المثال- قوله:
«ويكفي على سبيل المثال أن نعلم أن الخطأ الأكبر الذي فتح باب التكفير عند حسن البنا هو ترحيل مبحث الإمامة والسياسة العامة من دائرة الفروع إلى أصول الدين،
ما ولّد فكر التكفير وأدخلنا في دائرة الإرهاب» -كما نشرت ذلك صحيفة الوطن على موقعها الإلكتروني بتاريخ الثلاثاء 9 أغسطس 2022-،
ولا زال يكرر هذا الضلال والافتراء في كافة وسائل الإعلام -مرئيّةً ومقروءة-.
والواقع أن مثل هذا الكلامِ ليس جديدًا ولا غريبًا على أحد صبيان علي جمعة، الذي سوّغ هو وشيخُه إراقةَ الدماءِ المعصومة،
وزَيّن لعسكر الانقلابِ البغيَ، وقتلَ وإحراقَ الأبرياءِ في رابعة وغيرِها، وسخَّرا ما تعلماه لخدمة الطغيان والاستبداد.
وإن هذا الكلامَ ما هو إلا رسالة ترهيب لكل مَن يتناول شأن الحكم في الإسلام، ويطالب بتطبيق شريعة الله، وأسلمةِ الدولة؛
ترهيب له بأنّ الحديث في هذا الأمر إنما هو فتحٌ لباب التكفير والفتنة في المجتمع!!
ويكون المطلوب إهمال شأن الحكم والسياسة، والتهوين من شأنه -شرعًا-، بل قطع كل صلة له -أي الحكم- بالإسلام، وجعله مقصورًا على العلمانيين وأمثالِهم.
أما الرد على كلام «الأزهري» فمن خلال النقاط الآتية:
أولا: ماذا يقصد الأستاذ «البنا» بجعل الحكم من أصول الدين؟
لقد كان يشاع ويرَوَّج عن الإسلام في زمان الأستاذ «البنا» -كما في زماننا أيضا- أنه دين روحيٌّ فقط،
لا علاقة له بكافة شؤون الحياة، وخاصة شأنَ الحكم والسياسة،
وكان الرجل -كأيِّ عالمٍ داعيةٍ صادقٍ- معنيًّا ببيان حقيقة الإسلام، التي جاء بها رسول الله ﷺ،
فبيّن أنه دين شامل لكل شؤون الحياة، وبخاصة الحكم والسياسة، وأن الأمة يجب أن تسعى لإقامة شرع الله،
وإيجاد نظامٍ سياسيّ على رأسه حاكمٌ يسوس الأمة بشرع الله، ويحفظ مصالح الناس المعاشية والمعاديّة.
ومن هنا أكّد الإمام «البنا» على أن قضية الحكم والإمامة من أصول الدين، يعني من أركانه وأسسه، وتشريعاته المحكمَة،
كما يُقال: الجهاد من أركان الدين، والأخلاق من أركان الدين، وهكذا.. فما الضير والإشكال في هذا الفهم، وما وجه إنكاره؟!!
ثانيا: هل تفرد «البنا» بين علماء العصر بما ذهب إليه؟
ثم إن الأستاذ «البنا» لم يكن بِدْعًا فيما ذهب إليه بشأن قضية الحكم والإمامة؛
فقد قال به غيرُه من أهل العلم الثقات في عصرنا، ممن لا يختلف على إمامتهم العلمية أحد.
ومن هؤلاء الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور (المتوفى 1393هـ)، حيث قال في كتابه (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ط 2):
«فإقامة حكومة عامة وخاصة للمسلمين أصلٌ من أصول التشريع الإسلامي، ثبت ذلك بدلائل كثيرة من الكتاب والسنة،
بلغت مبلغ التواتر المعنوي، مما دعا الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ إلى الإسراع بالتجمع والتفاوض لإقامة خَلَف عن الرسول في رعاية الأمة الإسلامية،
فأجمع المهاجرون والأنصار يوم السقيفة على إقامة أبي بكر الصديق خليفة عن رسول الله للمسلمين.
ولم يختلف المسلمون بعد ذلك في وجوب إقامة خليفة إلا شذوذًا لا يُعبأ بهم من بعض الخوارج وبعض المعتزلة نقضوا الإجماع،
فلم تلتفت لهم الأبصار ولم تصْغ لهم الأسماع.
ولمكانة الخلافة في أصول الشريعة ألحقها علماء أصول الدين بمسائله، فكان من أبوابه الإمامة».
ثم قال ـ تحت عنوان: (صفة الحكومة الإسلامية ونزعتها) ـ:
«قد حصل العلم من مجموع المباحث المتقدمة بأن إقامة الحكومة للأمة الإسلامية أمر في مرتبة الضروري؛
لأنه لا يستقيم حال الأمة بدون حكومة».
وأمّا العلماء القدامى فقد أكّدت بحوثهم وعباراتهم على هذا الأمر، ولا يتسع المقام لذكرها،
ويكفي أن أشير إلى ما أكّد عليه الإمام القرطبيّ (ت 671هـ) في تفسيره:
من إجماع أهل العلم على وجوب نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به الأحكام.
ثم قال: «فدل على وجوبها [يعني الإمامةَ والخلافةَ] وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين».
بل إن الأزهر الشريف قام عقب إعلان إلغاء الخلافة العثمانية بعقد مؤتمر، دافع فيه عن الخلافة، وبيّن الأحكام الشرعية الخاصة بها.
وفي ذات الأثناء وفي قلب أوربا كتب العملاق عبد الرزاق السنهوري كتابَه الفذّ «فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية»،
دافع فيه عن الخلافة، وقام يؤصّلها، ويفنّد شبهات علي عبد الرازق، ويسقط دعواه أنّ الإسلام نظام دينيّ روحانيّ بحت.
فهل كل هذا الاهتمام بقضية الحكم والإمامة من جانب الأزهر والعلماء إلا لخطورتها،
وأهمية مكانتها في التشريع الإسلامي، وأنّ هذه المكانة من الأمور المستقرة لدى أهل العلم؟!
ثالثا: حول نشأة فكر التكفير والإرهاب:
ثم يغالط «الأزهري» ويكذب حين يقرر أن اهتمام «البنا» بقضية الإمامة وجعلها من أصول الدين قد «ولّد فكر التكفير وأدخلنا في دائرة الإرهاب»!!
إن الباحث المنصف لَيعلم عِلم اليقين أن فكر «حسن البنا» وغيرِه من العلماء والدعاة المعتدلين كان ولا يزال سدًّا منيعا أمام فكر التكفير، ووقوع الإرهاب.
وما ظهر فكر التكفير ووقع الإرهاب في العصر الحديث إلا بسبب سياسات وبطش الحكومات العلمانية الظالمة،
التي غيَّبت العلماء الصادقين والمصلحين الراشدين، واضطهدت كل صاحب فكرٍ مستنير، وبطشت بكل معارض،
وعذبت الشباب المسلم المتدين عذابا قلّ نظيرُه في التاريخ، لا لذنب سوى أنه اختار طريق التمسك بالإسلام والدعوة إليه.
إن كل من شمّ رائحة العلم والتجرد يعلم أن التكفير في العصر الحديث إنما تولد من غياهب السجون؛
مِن شَرَرِ كرابيجِ حمزة البسيوني وشمس بدران، وانقضاض قطعان الكلاب المتوحشة على أهل الزنازين،
وسلخانات التعذيب، والصعق الكهربائي الذي يمارس على مدار الساعة، ضد أبرياء شرفاء نبلاء وطنيين كرام،
والذي لا زال مستمرًّا حتى الآن في سجون السيسي، ونظرائه من حكام الجور والبغي.
إن “أسامة الأزهريّ” لَيعلَم علم اليقين أن فكر الإمام «البنا» لا علاقة له بالتكفير من قريب أو بعيد،
وإنه -لا شك- قد قرأ الأصل العشرين من أصول وضوابط فهم الإسلام التي كتبها الإمام «البنا»، وسار عليها الإخوان، وهو:
«ولا نكَفّر مسلمًا أَقرّ بالشهادتين، وعَمِل بمقتضاهما، وأدّى الفرائض -برأيٍ أو بمعصية-، إلا إن أَقر بكلمة الكفر،
أو أنكر معلومًا مِن الدين بالضرورة، أو كذّب صريح القرآن،
أو فَسَّره على وجه لا تحتمله أساليبُ اللغةِ العربية بحال، أو عمِل عمَلا لا يحتمل تأويلًا غيرَ الكفر».
ومهما ظل الأفاكون والمزورون يكذبون ويفترون فلن يطمسوا نور الحق.
ما يضرُّ البحرَ أمسى زاخرًا ** أنْ رمى فيه غلامٌ بحجرْ
وسيرحل المنافقون ويبقى نفاقُهم شاهدًا على انحطاط أخلاقهم، ومستمطرًا لدعوات المظلومين عليهم.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.