يسري الخطيب يكتب: مِصرُ في «لسان العرب» وتاريخ ابن كثير والسيوطي

لمّا دخل الخليفةُ العباسي (المأمون) مصر، سنة 832م، قال: قـبَّـحَ اللهُ فرعون إذ قال: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي…)
فماذا لو رأى العراق جنة الدنيا؟
فقال له إمام مصر، العلّامة سعيد بن عفير (أبو عثمان المصري): لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فإن الله تعالى قال: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)،
فما ظنك بشيءٍ دمّـره الله هذه بقيّته؟!
فقال المأمون: ما قـصّـرتَ يا سعيد.
قال سعيد: يا أمير المؤمنين، لقد بلغنا أنه لم تكن (أرض) أعظم من مصر، وجميع أهل الأرض يحتاجون إليها، وكانت الأنهار بقناطرٍ وجسورٍ بتقدير، حتى إن الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم، يحبسونه متى أرادوا، ويرسلونه متى أرادوا، وكانت البساتين بحافتَيْ النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد، لا تنقطع، ولقد كانت المرأة تخرج أحيانا حاسرة، ولا تحتاج خمارًا على رأسها لكثرة الشجر الذي يسترها عن العيون.
ولقد كانت المرأة تضع المكتل (الوعاء) على رأسها فيمتليء مما يسقط فيه من الفاكهة دون أن تمد يدها لجمعه!
فكان فرعون سببا أن تتحول مصر من جنةٍ لا مثيل لها على وجه الأرض، إلى صحراءٍ قاحلة إلا قليلا منها.
(المصدر: كتاب: حُسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للسيوطي)
وكذلك يفعل الفراعينُ والجبابرةُ في مصر على مَرّ العصور، فيحل سخط الله على الأرض والناس بسببهم.
– أجمعَ المؤرخون القُدامى، أن اسم “مِصر” أُخِذَ من أحد أحفاد النبي نوح عليه السلام. (مصرايم بن حام بن نوح) الذي سكنَ مصر بعد الطوفان.
– (حام) له 4 أولاد:
1- كُـوش
2 – فُوط
3- كنعان
4- مصرايم
1- كُوش: سكنَ بلاد السودان، وكانت السودان في العصور السابقة تُعرف بـ اسم: (بلاد كُوش) وإليه يُنسَب أهل السودان والأفارقة.
2- فُوط: بعض قبائل شمال أفريقيا والمغرب العربي.
3- كنعان: أرض فلسطين (أول أرض سكنها البشر).. وما زالت في الكتب القديمة تُسمّى: (أرض كنعان) وجذور القبائل القديمة في سيناء والأردن، وأجزاء من لبنان وسوريا، تعود لـ كنعان بن حام..
4- مصرايم: كان يسكن في منطقة مصر العليا (الصعيد)
لذا فإن المصريين وأرض كنعان (فلسطين ولبنان والأجزاء الغربية من الأردن وسورية) والبربر (تونس – الجزائر – المغرب) من أصل (حامي) أي جدهم الأكبر هو حام بن نوح،
أما العرب في الجزيرة العربية فجدهم الأكبر هو (سام بن نوح)، لذلك فهم من أصل سامي…
“عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ولدَ نوحٌ سامًا وفي ولده بياض وأدمة، وحامًا وفي ولده سواد وبياض، ويافثا وفي ولده الشقرة والحُمرة”
– أما “مصرايم” الذي سُمّيت مصر باسمه، فكان له 4 أبناء:
1- قِفط (جِفط)
2- أشمن
3- أتريب
4- صا.
وترجع تسمية مدينتَيْ: قفط وأشمون إلى ابنَيْ مصرايم: قِفط وأشمن.. وأيضا منطقة أتريب، بمدينة بنها، وتلك المدن هي الأقدم في مصر، مع منف (أرض غير مسكونة بالبشر) ولكن (الفيوم) هي أقدم بلد في مصر وقارة أفريقيا كلها، سكنها البشر، ثم (الحبشة = أثيوبيا)
– روى الإمام أحمد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (سام أبو العرب (سكان الجزيرة العربية) وحام أبو الحبش (أهل أفريقيا) ويافث أبو الروم (أوروبا وبعض بلدان آسيا)… ).
– وذكر القلقشندي في كتاب: (نهاية الأَرَب في معرفة أنساب العرب) أنه وقع الاتفاق بين النسّابين والمؤرخين أن جميع الأمم الموجودة بعد نوح عليه السلام دون من كان معه في السفينة، وعليه يحمل قوله تعالى:
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ..} (3: الإسراء)، وأنهم أُهلِكوا عن آخرهم ولم يُعقّبوا، ثم اتفقوا على أن جميع النسل من أولاد نوح: (سام – حام – يافث)..
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} (الصافات-77).
“يافث” أكبرهم
“سام” أوسطهم
“حام” أصغرهم
فكلُ أمةٍ من الأمم ترجع إلى واحد من أبناء نوح الثلاثة.
اسم مصر:
– مَصَرَ: الشاةَ والناقَةَ يَمْصُرُها مَصْرًا، وتَمَصَّرها: حَلَبها.
الأَصمعي: الناقةُ التي يُتَمَصَّرُ لبنها، أَي يُحْلَب قليلاً قليلاً، لأَن لبنها بَطِيءُ الخروج.
والتَّمَصُّر القليل من كل شيء؛ قال ابن سيّده: هذا تعبير أَهل اللغة والصحيح التَّمَصُّر القِلَّةُ.
ومَصَّر عليه العَطاءَ تَمْصِيرًا: قَلَّله وفَرَّقَه قليلًا قليلًا.
ومَصَّرَ الرجلُ عَطِيَّتَه: قَطَّعَها قليلًا قليلًا، مشتق من ذلك.
– والمِصْرُ: الحاجِزُ والحَدُّ بين الشيئين؛ قال أُميّة يذكر حِكْمة الخالق تبارك وتعالى:
وجَعَلَ الشمسَ مِصْرًا لا خَفاءَ به / بين النهارِ وبين الليلِ قد فَصَلا.
وقيل: المصر، الحَدُّ في الأَرض خاصة.
الجوهري: مِصْر هي المدينة المعروفة، تُذكّر وتؤنّث؛ عن ابن السراج.
والمِصْر واحد الأَمْصار.
– قال سيبويه في قوله تعالى: اهْبِطُوا مِصْرًا؛ قال: بلغنا أَنه يريد مِصْرَ بعينها. التهذيب في قوله: اهبطوا مصرًا، قال أَبو إِسحق: الأَكثر في القراءَة إِثبات الأَلف، قال: وفيه وجهان جائزان، يراد بها مصرٌ من الأَمصار لأَنهم كانوا في تيه، قال: وجائز أَن يكون أَراد مِصْرَ بعينها فجعَلَ مِصْرًا اسمًا للبلد فَصَرفَ لأَنه مذكر، ومن قرأَ مصر بغير أَلف أَراد مصر بعينها كما قال: ادخلوا مصر إِن شاء الله، ولم يصرف لأَنه اسم المدينة، فهو مذكر سُميَ به مؤنث.
– والمِصْرُ: الطِّينُ الأَحْمَرُ.
وثوب مُمَصَّرٌ: مصبوغ بالطين الأَحمر، أَو بحُمْرة خفيفة. ومنه الحديث: أَتى عليٌّ طَلْحَةَ، وعليه ثَوْبانِ مُمَصَّران.
– المِصْرُ: الوعاء.
– عندما نقصد مِصْر (البلد)، فيجب أن ننطقها بكسر الميم وليس بفتحها، لأن (أمصار) جمع لكلمة (مِصْر) بمعنى الجهة أو القُطر.
– قُل: مِصر، ولا تقل: Egypt
– اللغات الهندية والتركية والعبرية لا تقول على مصر “إيجيبت” وإنما تقول “مصر” كما ذكرها اللهُ في كتابه الكريم..
– كلمة Egypt معناها في اللاتينية القديمة “الغَجَر” = الهمَج.. وهي صفة قبيحة للشعوب، وأطلقها المحتلون القدامى لمصر، بسبب مقاومة المصريين لهم وإبادتهم..
والمدهش أن تجد المصري يقول: Egypt متفاخرا، مُتشدّقا، ولا يقول: (مِصر) الاسم الذي ذكره الله في التوراة والإنجيل والقرآن..
وتصرّ الدولة على التعامل الرسمي بهذا الاسم مع دول العالم…
– أما فلسفة بعض المؤرخين والأثريين، بأن كلمة Egypy (هاك – اك – بتاح) = أرض الإله بتاح، ونطقها اليونانيون والرومان (هيكو بتاح) ولأنه يصعب عليهم نطق هذا الاسم، فنطقت عندهم إيجيبتوس Aigyptus.. وبعد ذلك انتقل هذا الاسم إلى قبائل الجرمن الذين عطّشوا الجيم فأصبحت Egypt الحالية، كما نعرفها باللغة الإنجليزية.. كل هذه مجرد اجتهادات من المؤرخين، اختلفوا هم أنفسهم عليها.. فبعضهم قال إنها (كيمبيت) وتعني الأرض السوداء، والبعض قال (ثيميرا أو ثامير) وتعني الأرض السمراء الخصبة.. وهكذا..
– لكن معظمهم، كان هدفه الأول التخلص من كلمة (مِصر) التي ذكرها الله في جميع الكتب السماوية.
– اللهُ عَزّ وجَلّ يقول: مِصر
وأنتم تقولون: Egypt
ألا تستحون؟!
استقيموا يرحمكم الله.