مقالات

يسري الخطيب يكتب: نكبة البرامكة

1- (نكبة البرامكة.. مُصطلح يشير إلى ما وقع للبرامكة على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد من قتل وتشريد، ومصادرة أموال، وقد كانوا وزراء الدولة وأصحاب الأمر والسلطان)

2- البرامكة أسرة يعود أصلُها إلى مدينة “بلخ” بأفغانستان، كانوا في الأصل مَجوسًا ثم دخلوا الإسلام، وهُم ينتسبون إلى جدّهم الأكبر (برمَك) الذي كَانَ سادنًا في أحد معابد المجوس، ويُسمّى معبد النوبهار، وهوَ أحد أشهر المعابد في مدينة بلخ.

3- لم يخلو عصر “هارون الرشيد” من الصراعات، وكان أشدّها صراع الدولة العباسية مع الطالبيين والعلويين، ولم يسمح الخليفة بالعصيان أو بروز زعامات تنافس العباسيين، ولذا كانت نكبة البرامكة الذين استفحل خطرهم، وأصبحوا دويلة داخل الدولة، بل كانوا يديرون الخلافة كلها، فهم الوزراء، وقادة الجيش، وحكام الولايات، والمسؤولون عن سك العُملة، والبريد، وكان أبناء البرامكة يتقلّدون أهم الولايات في الدولة شرقا وغربا، فضلا عن المالية والبريد والحجابة وغيرها، فأصبح الرشيد بينهم مُحاصرا

4- بعض المؤرخين يؤكدون أن سبب الخلاف الذي وقع بين الرشيد والبرامكة كان شكوكه في ميلهم إلى الطالبيين وآل البيت، الذين ثاروا على الخلافة العباسية في بلاد فارس، وتنامَى إلى أسماع الخليفة هارون الرشيد أن موسى بن يحيى البرمكي يدعّمهم، خاصة أن للبرامكة جيشاً قوياً تعداده قرابة 50 ألفاً، فضلاً عن الأموال الهائلة التي يمتلكونها..

لكن هذا الكلام غير منطقي، فالبرامكة كانوا يديرون الخلافة كلها، وفي يدهم كل شيء، فلماذا يؤيدون أعداء العباسيين، فالطبيعي أن يكون هدفهم كرسي الخلافة نفسه، لا مساعدة وتأييد من هُم أقل منهم مكانة، مثل الطالبيين والعلويين.

5- طالب كبار علماء الإسلام هارون الرشيد بتحجيم نفوذ البرامكة، لأنهم طغوا في البلاد، وبدأوا يضعون الفُرسَ المجوس في مناصب الدولة الكبرى، ويتجرَّؤون على الخليفة العاجز، ووجد هارون نفسه بلا حيلة، فالدولة كلها في أيديهم، فقرر التخلص منهم، ولم تكن المهمة سهلة، فقد تغلغل البرامكة في كل أمور الدولة، وسيطروا على الجيش والمالية، ولهم مئات الآلاف، بل ملايين الأنصار والأعوان، في كل ولايات الخلافة.

6- اتّبع الرشيد سياسة المهادنة والكتمان، واستخدم عنصر المفاجأة؛ حتى يلحق بهم الضربة القاضية، وساعده علماء الأمة في ذلك الوقت الذين كانوا يخشون من النفوذ المجوسي في بلاد المسلمين.

7- في ليلة السبت (أول صفر 187 هـ = 29 من يناير 803م)، أمر رجاله بالقبض على البرامكة جميعًا، وأعلن ألا أمان لمن آواهم، وأخذ أموالهم وصادر دورهم وضياعهم.

وقُتِلَ جعفر بن يحيى البرمكي، وزير هارون الرشيد، في تلك الليلة..

وانتهت أسطورة البرامكة وزالت دولتهم، وتبددت سطوة تلك الأسرة التي انتهت إليها مقاليد الحُكم وأمور الخلافة لفترة طويلة من الزمان، تلك النهاية المأساوية التي اصطُلح على تسميتها في التاريخ بـ«نكبة البرامكة».

8- ذكرَ ابن الجوزي أن الرشيد سُئِلَ عن سبب قتله البرامكة فقال: (لو أعلم أن قميصى يعلم ذلك لأحرقته)

ولذا سيظل السبب الرئيس لنكبة البرامكة مجهولا، وكل ما يقال مجرد تخمينات وافتراضات للمؤرخين العرب.

9- تقول المصادر التاريخية:

(كان لتلك النكبة أكبر الأثر في إثارة شجون القومية الفارسية، فعمدت إلى تشويه صورة الرشيد ووصفه بأبشع الصفات، وتصويره في صورة الحاكم الماجن المستهتر الذي لا هَمّ له إلا شرب الخمر، ومجالسة الجواري، والإغراق في مجالس اللهو والمجون؛ حتى طغت تلك الصورة الظالمة على ما عُرف عنه من شدة تقواه وحرصه على الجهاد والحج عامًا بعد عام، وأنه كان يحج ماشيًا ويصلي في كل يوم مائة ركعة)

10- جاء في كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر:

أن ابن يحيى البرمكي قال لأبيه، وهما في السجن الذي مات فيه، وقد كان صاحب مالٍ وجاهٍ وشرف: أبتاه بعد العز والمُلك صرنا في القيد والحبس! فقال يحيى: يا بُني لعلها دعوة مظلومٍ سرَت بليلٍ، غفلنا عنها، واللهُ عَزّ وجلّ لم يغفل عنها.

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights