قال ابن كثير رحمه الله :
قَوْلُهُ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ) إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا دِينَ عِنْدَهُ يَقْبَلُهُ مِنْ أَحَدٍ سِوَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الرُّسُلِ فِيمَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ، حَتَّى خُتِمُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي سَدَّ جَمِيعَ الطُّرُقِ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ بَعْدَ بِعْثَتِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدِين عَلَى غَيْرِ شَرِيعَتِهِ، فَلَيْسَ بِمُتَقَبَّلٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخْبِرًا بِانْحِصَارِ الدِّينِ الْمُتَقَبَّلِ عِنْدَهُ فِي الْإِسْلَامِ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ).
——————————————-
إلى الدِّينِ الحنيفِ لنا انتسابُ = وليس لنا بما انحرفوا رِغابُ
وكلُّ شرائعِ الإفسادِ ضلَّتْ = وتاهَ دعاتُها فيها وغابوا
أرادوها لأمتنا حجابا = ولن يُرضَى لأمَّتِنا احتِجابُ
ففي الإسلامِ للأمم ابتهاجٌ = وفي الأوثانِ كفرٌ وارتيابُ
مآثرُ ديننا أمنٌ وعدلٌ = لأهلِ الأرضِ مسَّهُمُ التَّبابُ
وأخرجَنا من الظلماتِ ربِّي = وأُهْدِينا من المولى الكتابُ
وأكرمَنا الكريمُ بمُصْطَفَانا = فطابَ بهديه الأسمى الخطابُ
فللهادي أحاديثٌ حِسانٌ = وليس لفضلها العالي غيابُ
ففي الإسلامِ للقيمِ امتيازٌ = وللعلياءِ في ركنَيْهِ بابُ
وقد خاب الذين نأوا ولجُّوا = بديجورِ المذاهبِ يوم عابوا
وقد خسئَ الذين عن المثاني = لهم إدبارُ حُمقٍ ما أصابوا
ومَن حكموا بلا دينٍ تراهم = إلى الذُّلِّ المقيتِ لهم إيابُ
فَمِنْ مكرٍ إلى ظلمٍ وبغيٍ = به للشعبِ قهرٌ وانكبابُ
فأين العزَّةُ المُثلى لقومٍ = بدين اللهِ للعزِّ اكتسابُ
فمَن حكم العبادَ وليس يدري = مكانةَ دينِهم ذلُّوا وهابُوا
ومَن آتى هوى نفسٍ ضلالا = فقد ألقَاه في ذلٍّ تبابُ
وعاشَ وقومُه كرهوهُ تبًّا = عليه القومُ في الدنيا غِضابُ
ولن يُرضَى أخو الإفسادِ يوما = وفوق الرأسِ للمَسِّ اعتصابُ
فللخلفاءِ في حقبٍ تقّضَّتْ = مع الأعداءِ في اللقيا عُجابُ!
ألا فَلْيَقرأ التاريخَ يعْلَمْ = عدوَّهمُ الذي منهم يهابُ
هو الإسلام علمهم إباءً = وعزًّا سُيِّرَتْ فيه الرِّكابُ
إلى ساحِ الجهادِ فليس يخشى = أميرُ المؤمنين ولا يهابُ
وأُمَّتُه حباها اللهُ فضلا = فكم لندائِها خضعتْ رقابُ
وبالخيرِ الجزيلِ يفيضُ جودا = عليهم لم يكدِّرْهُ ارتيابُ
وتشتاقُ البطولةَ إن غزتْها = جيوشُ الكفرِ أغراها الغلابُ
هو التاريخُ يذكرُها بفخر = ففي أردانها طابَ الرِّغابُ
فلم تظلم بني الدنيا وعاشت = يسوسُ فخارَها الأسمى الكتابُ
ولم تدركْ مكانتها شعوبٌ = ولم توقفْ تقدُّمَها الصِّعابُ
فسل أعداءَها في كلِّ ساحٍ = وقد آبُوا بخسرانٍ وخابُوا
فكيف اليوم هانت واستكانت = وجاسَ مرابعَ الأقصى كلابُ
وذلَّت للأسافل والأعادي = وصار لها عن الجُلَّى انقضابُ
وعاث بقدسها الأنجاسُ فانظرْ = لمأساةٍ وق نعبَ الغرابُ
فكم طفل بكى ألما وخوفا = وآخرُ بالدماءِ له الخضابُ
وبنت غاب عنها والداها = وأُمٌّ تشتكي ولها انتحابُ
وهُدِّمت البيوتُ على ذويها = و واحزني قد اقتيدَ الشبابُ
وغزَّةُ والعدوُّ وقد رماها = فدورُ الناسِ ويحهُمُ خرابُ
وللشهداءِ لايُحْصَوْن نهرٌ = من الدَّمِ فارَ واشتدَّ العذابُ
وشعبٌ ذاقَ من ألمٍ تلظَّى = كأنَّ نصيبَهم هذا العقابُ !
فلسطين الحبيبةُ ما نسينا = وليس لدى كتائبِنا ارتيابُ
وأمتنا الكريمة ليس تنسى =وأنتِ المجدُ يُحفظُ واللبابُ
ستفديك الكتائبُ والسَّرايا = وتأتي المسجدَ الأقصى العِرابُ(*)
فما ماتت شهامتُنا ولكنْ = يهبُّ القومُ إن جاءَ الشَّبابُ
فهذي أمة الإسلام ترنو = إلى الفرسانِ يحدوهم وِثابُ
سيأتي قائدٌ فذٌّ شجاعٌ = يخاف اللهَ والتَّقوى ثيابُ
سيأتي لايهابُ أذى الأعادي = وللقيمِ الحِسَانِ له مَثابُ
ومنهجُ حكمه دينٌ قويمٌ = وغيرُ الدِّينِ إفكٌ واضطرابُ
ويرفعُ رايةَ الإسلامِ فيها = يرفُّ النصرُ ذاك هو الجوابُ
وفوق رؤوسِ فرسانٍ كرامٍ = سيُعْلَمُ في تَثَنِّيها الصَّوابُ
فتحريرٌ لأكنافِ المغاني = بغيرِ الدينِ وهمٌ لا غِلابُ
وإنَّ البشريات لنا توالتْ = بيوم الفتحِ يسبقُه انقلابُ
وهذي أمة الإسلامِ هبَّتْ = وتحت رمادها ثارَ التهابُ
تعيدُ مكانة وتقيم صرحا = فللصهواتِ قد طابَ الإيابُ
ستملأ وجه دنيانا سلاما = وخيرا ليس ينساهُ السِّغابُ
وتنشر دينَها أمنا وسلما = ونورا ليس تنكرُه الهضابُ
وأمتنا الكريمةُ قد أجابت = نداءَ القدسِ والدَّاعي يُجابُ
وكم بذلت تخففُ من مصابٍ = عن الثكلى وقد عَظُمَ المصابُ
وفتيتُها الأفاضلُ ما تراخوا = فهم في كل موقعةٍ صِلابُ
فهم يأبون هذا الضيمَ يؤذي =فلسطين الحبيبةَ لم يحابوا
وقد رفضوا قذارةَ ثرثراتٍ = فجندُ القدسِ عندَهُمُ الجوابُ
فيابشرى لأمتنا نراها = وفي نفحاتها العجبُ العُجابُ
فسوف يعودُ وجهُك في البرايا = ضحوكا ليس يغشاه اكتئابُ
ويندحرُ الطغاةُ مع الأعادي = ويأتيهم من الباري عقابُ
فأنتِ لنا النشيدُ إذا هتفنا = وأنت الأصلُ إنْ صيغَ الخطابٌ
فلا تأسَيْ فلسطين المثاني = وإن عضَّتْ على الجرحِ الكلابُ
فليس يدوم طغيانٌ وظلمٌ = ولن يبقى لنهش الجرح نابُ
على الديَّان ويكِ قد اتكلنا = ولن يجتاحَ أمتَنا السَّرابُ
مثالبُهم ستطويها الليالي = فليس لظالمٍ للخيرِ بابُ
أهانوا أمَّةً شهدَ الأعادي = لها بالمجدِ أكرمها الكتابُ
ففي القرآن للأُمم ارتقاءٌ = وللسفهاءِ ذلٌّ وانقضابُ
تحرَّوا ما يُضَرُّ بها عبادٌ = ولا تُرجَى لخسَّته الرِّغابُ
ألا فاستيقظتْ أممٌ تعاني = من الويلاتِ إذْ فُقِدّ الصَّوابُ
هو الإسلامُ دينُ اللهِ أحيا = ضمائرَهم وقد جلَّ الخطابُ
أحاديثُ النُّبُوَّةِ بشَّرتْهم = بفتحٍ لن يؤخِّرَه اضطرابُ
مشيئةُ ربِّنا الأعلى ستطوي = مخازيهم فليس لها مَثَابُ
ودنياهم لربِّ العرشِ مُلكٌ = وليس لهم إذا أمضى غلابُ
ألا فلْيَسْألُوا الأسلافَ عاشوا = كما عاشَ المذمَّمُ ثم خابُوا
ويبقى المُلكُ للديَّانِ ربِّي = ولن يبقى لطاغيةٍ نصابُ
———————————-
*العِرابُ: كرام الخيل، كناية عن الفاتحين جند الإسلام بمشيئة الله .