مضر أبو الهيجاء
قبل عشرين عاما جلست بشكل خاص مع كبير القوم وقلت له بكل صراحة ووضوح، إن حركة المقاومة الإسلامية حماس هي صاعق الأمة المسلمة وطليعتها في مواجهة الصهاينة،
فإما أن ننجح -كأمة وضعت جهودها وأموالها وكل ما تملك بين أيادي قيادة حماس- في المحافظة عليها وتعزيزها والبناء عليها ومعها في مشروع تحرير فلسطين وإقامة الدين واسترداد الأقصى،
وإما أن تختطفها وتشلع أكبادنا إيران الغازية والمعتدية والمخالفة!
كانت -ولا تزال- ردود قيادات الحركة -تقبل الله الشهداء وحفظ الأحياء- غير قويمة فاسدة شرعا وعليلة عقلا وهزيلة واقعا، حتى نجح ولي الفقيه باختطاف رصيد الأمة في فلسطين،
ثم كان سببا في تحطيمها وهلاك شعب غزة وإضعاف عموم فلسطين، واستبعاد تحرير الأقصى، بل والتراجع لعقود للوراء!
القيادات الإسلامية والعلماء مسئولون
وإذا كانت القيادات الحمساوية تتحمل ربع المسؤولية، فإن ثلاثة أرباع المسؤولية عن هذا الزيغ والانحراف والخروج عن الصراط تتحمله عموم القيادات الإسلامية وخصوص العلماء، الذين اتصف دورهم بالضعف والضعف الشديد.
فهل ستتكرر تجربة حركة حماس في مكون وإطار الجولاني وتجربة أحمد الشرع في أهم معاقل المسلمين بدمشق؟
لست مضطرا للإشارة الى شخص الجولاني أحمد الشرع، فقيادات حماس تفوقه مائة مرة في التجربة السياسية وإرادة التغيير والجهاد، وها هي قد انتهت الى حضن ايران فهلكت وأهلكت فلسطين وأهلها معها.
دور العلماء والقيادات
إن ما يستحق الحديث على أرض الشام الواعدة اليوم، هو العلماء والقيادات المنتمون، ومن العيب في حقهم بعد كل تلك الضربات الموجعة -لاسيما في مصر- أن يبقى دورهم مصفقين مهللين مروجين مستبشرين ومبشرين دون عقل ناضج ومسؤول، ولا دور ناصح ومزاحم لأولي الأمر في صلب الحكم والأمر!
نعم إن ما تحقق على أرض الشام من فتح وزوال لفرعونها أمر جلل وعظيم، ولكنه مشهد لم يتحقق نتيجة قوة وإرادة وسعي المجاهدين فحسب،
بل بسبب التقاء الإرادة الدولية المغرضة، بالإرادة الثورية الممدوحة المشروعة والصادقة.
إن أحمد الشرع اليوم يقف في موقف حماس الأمس، وكما ابتلعت إيران مشروعنا في فلسطين
واستوعبت وهضمت حركة حماس تدريجيا الى حد التفكيك والذوبان،
فإن الغرب سيبتلع أحمد الشرع ويحول دون إقامة الشرع، ويهضمه تدريجيا حتى يجعله بلا لون ولا طعم ولا رائحة،
فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية -لا قدر الله-.
دور العلماء الرساليين والشجعان
ولن ينجي الشرع وتجربتنا العظيمة في أرض الشام بسورية بعد هلاكها في أرض الشام بفلسطين إلا دور العلماء الرساليين والشجعان الذين يدركون واجب الوقت،
ولا يتراجعون عن وراثة دور النبوة لأجل منافع شخصية أو انتماءات عصبية أو حسابات سياسية ليس لها مردود على الدين ولا على شعوب الأمة.
فإذا كان دور العلماء إزاء تجربة حماس ضعيفا قاصرا مختلا، فلا ينبغي أن يكون كذلك تجاه تجربة الثوار وحكام سورية الجدد.
إن ما يملكه الغرب من أدوات، إضافة للواقع الموضوعي السياسي والعسكري المحيط بسورية،
والوقائع اليومية المتسارعة التي يوجهها ويديرها الأمريكان بدبلوماسية،
قادر على احتواء أحمد الشرع كما احتوى ياسر عرفات كفرد،
وعندما يزعجه فإنه يتعامل معه كما تعامل مع صدام وابن لادن والظواهري ومن قبلهم أبو عمار،
لاسيما أن أحمد الشرع -وفي ظل الموازين الحالية وشبق الرئاسة- قد يذهب الى ما ذهب إليه ياسر عرفات منفردا في أوسلو!
لقد نجح ياسر عرفات في تفريغ منظمة التحرير الفلسطينية من قيمتها الفاعلة،
وصاغ مستقبل فلسطين وأحدث فيها منعرجا أخرجها عن الصراط، وذلك بصفته الفردية ودوره المركزي -دون فاعلية لبطانته المنتقاة بمكر-،
وهو ما لا نريده أن يتكرر في سورية، ويتم تفريغ الإطار الثوري من قيمته وفاعليته الحقيقية – وهو من أهداف الغرب-!
دور العلماء والقادة في أرض الشام
وبكلمة يمكن القول أن دور العلماء والقادة في أرض الشام يجب أن يتصف بالقوة والفاعلية،
ويكف عن التصفيق والجري للأمام دون نظر وبناء لبنات سياسية في منظومة الحكم حقيقية.
إن الصراع القائم اليوم بيننا وبين الغرب على من يكسب ويدير سورية، وخطوته الأولى أحمد الشرع
الذي يجب أن يحيط به العلماء والقادة ويزاحمونه في أي قرار يصوغ لبنة من لبنات الحكم، والتي ستحدد وترسم سورية.
وإذا كنا قد خسرنا حركة حماس، بعد أن تركها العلماء ترتع بخفة وجهل في طهران، فلا يجوز لنا أن نخسر الحكم في دمشق وسورية،
فالحوت الأمريكي قادر على خداع أحمد الشرع حتى يدخله في بطن الحوت ويصبح القرار الحقيقي بيد الفك المفترس،
وحينها لن تنزف الدماء فحسب بل ستتكسر العظام وتتهشم المفاصل في المعركة المؤجلة والحقيقية.
دعوتي لعلماء الشام وقادتها المنتمين والأبرار، دعكم من الدروشة، وتخلصوا من الضعف، وكونوا على قدر الأمانة في حمل المسؤولية،
وانصروا أخاكم وابنكم أحمد الشرع ظالما كان أم مظلوما، وتلك وصية رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.