بحوث ودراسات

أحمد سعد حمد الله يكتب: القتل بالمحمول.. والتدخل الإلهي!

بعد الحادث المروع الذي شهده لبنان مؤخرا، بمقتل نحو 40 شخصا، وإصابة آلاف آخرين، عبر تفجير عدد من أجهزة الاتصال المحمولة، معظمها من جهاز النداء الآلي «بيجر»؛ كان طبيعيا أن يٌصاب الناس بالذعر والهلع من خطر تكنولوجيا الاتصالات على حياتهم، خصوصا التليفونات المحمولة التي يصفها البعض بالقنبلة الموقوتة الجاهزة للانفجار في أي لحظة!

فانطلاقا من قاعدة «كل دليل يغني على ليلاه» تساءل الناس عما إذا كان الذي جرى للبنانيين، يمكن أن يلحق بهم مستقبلا، بأن يتم قتلهم أو تفجيرهم عن بٌعد من خلال تليفوناتهم المحمولة؟!

ابتداء فالذين طرحوا هذا التساؤل، معهم كل الحق في مخاوفهم هذه، سيما إذا ما علمنا أن التحديثات الأخيرة التي وضعتها شركات الاتصالات على التليفونات المحمولة، جعلت من السهولة بمكان، استخدام تلك الأجهزة في مراقبة حامليها كظلالهم، ومن ثم رصد تحركاتهم، وتحديد مواقعهم، بل وقراءة خواطرهم، وصولا إلى استهدافهم بالتفجير أو القتل، فلا شك أن تلك الخصائص المرعبة التي أتاحها هذا الجهاز العجيب لتجار الحروب، هي التي دفعت الجيوش النظامية وغير النظامية، لحظر استخدام تلك التليفونات بمواقعها العسكرية أو بين ضباطها ومجنديها، وهي أيضا التي جعلت قيادات حزب الله اللبناني يتجهون لاستخدام أجهزة النداء الآلي «بيجر» كوسيلة تواصل داخل المعسكرات بدلا من التليفونات المحمولة، باعتبار أن أجهزة الـ«بيجر» آمنة، لعدم احتوائها على تقنية «GPS» المحددة للمواقع، وهي التقنية الموجودة بالتليفونات المحمولة، وإذا كانت الضربة التي تلقاها حزب الله، جاءته عبر أجهزة الـ«بيجر» وليس التليفونات المحمولة، فهذا لا يمنع من كون أجهزة الـ«بيجر» أكثر أمانا من التليفونات المحمولة، فقد تبين أن الضربة جاءت نتيجة خيانة، وليس عن طريق تحديد مواقع أصحابها عبر الأقمار الصناعية وتفجير بطاريات أجهزة الـ«بيجر» كما ردد البعض..

معجزة التليفون المحمول

لكن وبعيدا عن إمكانية تحقق تلك المخاوف من عدمها، فإن ما يجب أ التأكيد عليه هنا، هو أن البشرية اليوم بصدد ثورة اتصالات فظيعة، ثورة يمكن وصفها بمعجزة العصر، خاصة إذا ما نظرنا إلى الخصائص التي يتمتع بها ذلك الجهاز المسحور، الذي هو التليفون المحمول، وما أصبح يقدمه من خدمات كانت تفوق التصور أو التوقع قبل وجوده، فمن خلال هذا الجهاز الصغير الذي وصل به التطوير لأن يكون في حجم عقلة الأصبع، أصبح في مقدور أي شخص يمتلكه، أن يدير غالبية شئونه الحياتية، فبعيدا عن مهمته الأساسية وهي التواصل بين الناس صوتا وصورة، فإن صاحبه يستطيع، إدارة كبرى المشروعات، وعقد أهم الصفقات، وتسويق مليارات المنتجات، وإجراء كافة المعاملات البنكية، واعتماد كل الأوراق الحكومية، وشراء الاحتياجات المنزلية، وحجز تذاكر السفر، وشراء العقارات، وتأجير السكن، وتحويل الأموال، وكتابة المقالات، وتأليف الكتب، وقراءتها، وتحصيل العلم، والاهتداء في الطرق، وقراءة الصحف، وسماع الإذاعة، ومشاهدة التلفاز، فضلا عن استخدامه ككاميرا تصوير فوتوغرافي وفيديو، وخدمات أخرى لا حصر لها، أصبح يقدمها هذا الاختراع المذهل..

لذلك ليس هناك أية مبالغة عندما أصفه بمعجزة هذا الزمان، بل يجوز القول بإنه آية من آيات الله، أراد الله لها الظهور في هذا الزمان، لحكمة لا يعلمها إلا هو، وظني الشخصي أن ما وصل إليه العلم من تطوير لخصائص وإمكانات هذا الجهاز الذي يشبه المجرة على اتساعها، هو نتيجة وليس مقدمة، حيث المقدمة كانت قبل أكثر من مائتي سنة، عندما تم وضع أول بذرة لعلم الاتصالات باختراع التلغراف، ذلك الاختراع الذي مثل في عصره ثورة علمية، أحدثت نقلة هائلة في مجال التواصل بين الناس، فبعد أن كان الناس يضربون أكباد الأبل من أجل إرسال رسائلهم خارج البلاد، جاء هذا الاختراع ليطوي لهم الزمن، ويختصر لهم المسافات، ويوفر عليهم مشقات السفر، فأصبحت الرسالة التي كانت تحتاج الأيام والشهور لإيصالها، لا تستغرق سوى بضعة دقائق أو أقل، وبعد التلغراف توالت الاختراعات في مجال الاتصالات والوسائل الإعلامية، حيث ظهر التليفون الأرضي، ثم الفاكس، ثم الكمبيوتر، وصولا إلى التليفون المحمول، ولازالت الدراسات والأبحاث والتجارب مستمرة إلى الآن، بغية الوصول لما هو أحدث وأكثر تطورا!

موعد فناء المحمول

وإذا كانت تكنولوجيا الاتصالات قد وصلت بالإنسان لدرجة أنها الغت خصوصيته، عبر هذا التليفون المحمول الذي لا يغادر يده، باطلاعها على معظم تفاصيل حياته، ومراقبة تحركاته، وقراءة أفكاره، والتأثير في الكثير من تصرفاته، فإن المشكلة ليست هنا، إنما مكمن المشكلة أو قل الكارثة، هي أن تصبح تلك الآلة الصغيرة، وسيلة لتهديد أمن الناس، والتحكم في مصائرهم، عن طريق التفجير والقتل عن بُعد كما حدث في لبنان، ونحن لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا، حيث أنه من الصعب علينا التكهن بما يمكن أن يضيفه المخترعون من خصائص جديدة فوق الخصائص التي يمتلكها التليفون المحمول، لنعرف حدود فوائده وأخطاره، بيد أن ما يجب الإقرار به والتأكيد عليه هنا، هو أن هذا التليفون بإمكانياته المعجزة، يمثل آية إلهية كما ذكرنا سلفا، وآيات الله التي هي من هذا النوع كما هو معروف، لها يوم ظهور، ويوم نهاية، واقرأ في ذلك إن شئت قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} والآية التي نحن بصددها الآن، أراد الله لها أن تظهر في هذا الزمان، وقد كان قادرا على إظهارها في أزمان سابقة، خصوصا وأن الأدوات المستخدمة في تصنيعها، سواء كانت مادية ملموسة مثل المعادن، أو غير ملموسة مثل الهواء والإنترنت، ليست طارئة على دنيانا، إنما هي موجودة منذ خلق الله الأرض ومن عليها، ولأن ظهور أي آية من آيات الله يعد معجزة في حد ذاته، فإن نسخ الآية يكون معجزة أيضا، لأنها وبعد النسخ، يستحيل على الإنسان مهما أوتي من قدرة أو حصّل من علم، أن يُبقي عليها أو يوجدها مرة أخرى، وهناك الكثير من العلوم التي برع فيها السابقون ومثلت معجزات في أزمانهم، ثم نٌسخت، فعجز اللاحقون عن تكرارها أو تقليدها، من ذلك مثلا الأثار الفرعونية التي تركها القدماء المصريون منذ آلاف السنين، ومثلت معجزات لا تزال شاهدة على نفسها إلى اليوم، مثل بناء الأهرامات، والتحنيط، وعلم الفلك، وعلوم أخرى كثيرة ذهبت مع من أوجدوها، فيما عجز الناس بعدهم عن كشف أسرارها، أو معرفة علومها، وكذلك الحال مع علوم الطب التي برع فيها أهل فلسطين قبل وأثناء ظهور المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وهي علوم تم نسخها ولم يعد لها أثر، وعلوم أخرى كثيرة، مثلت معجزات في زمانها، لكنها نٌسخت دون أن يقدر الإنسان على استعادتها مرة أخرى..

ولذلك فمن غير المستبعد أن يجري على معجزة الاتصالات مع ما جرى على غيرها من معجزات بالنسخ والإخفاء، فما المانع أن نستيقظ يوما على حادثة كبرى كحرب عالمية ثالثة مثلا، تُستخدم فيها الأسلحة النووية، ثم يصحو الناس بعدها وقد وجدوا أنفسهم في عالم جديد، ليس فيه تليفون محمول، أو إنترنت، ما الذي يمنع من ذلك، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن ما وصلت إليه تكنولوجيا الاتصالات من تطور وابتكار، يجعلها تبدو وقد بلغت مرحلة الاكتمال التي ليس بعدها مراحل أخرى، بما يشير لقرب زوالها، وفي هذا يقول الشاعر:

إذا تم شيء بدا نقصه *** فترقب زوالا إذا قيل تم

أحمد سعد حمد الله
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *