مقالات

أحمد سعد فتال يكتب: إنكم تضعونها في غير موضعها (2)

يشيع بين الناس فهم خاطئ لقوله جل جلاله في سورة الرعد: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ فيقولون: إن هذا النص القرآني يدل على أن تغيير حال الأمة من الضعف للقوة، يكفي فيه أن يغيّر كل فرد وكل أسرة من حالها، فتلتزم بالطاعات وتترك المحرمات، دون العمل لتغيير الأنظمة والتدخل بالشأن العام.

وإنك إذا نظرت نظرة سريعة في شرح الآية من التفاسير المشهورة، كتفسير الطبري والقرطبي وابن كثير، أو حتى لو بحثت أكثر في مختلف التفاسير، لن تجد قولاً يدل على هذا الفهم المنتشر، والذي يحصر التغيير بالإصلاح الذاتي للأفراد، فمثلاً، يقول الإمام الطبري عند عرضه هذه الآية: «يقول تعالى ذكره: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ﴾، من عافية ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم ﴿حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ من ذلك بظلم بعضهم بعضاً، واعتداء بعضهم على بعض، فَتَحِلَّ بهم حينئذ عقوبته وتغييره». ويقول الشيخ السعدي: «﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ﴾ من النعمة والإحسان ورغد العيش ﴿حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها».

فأين الإصلاح الفردي للأفراد وترك الحكام وفسقهم في هذه الشروحات؟ نعم إن الآية تدلّ على أن تبدّل الحال مرتبط بالقوم، بالناس، بالمجتمع؛ لكن من المقصود بهؤلاء؟ وبشكل أدق: ما الذي يجعل المجتمع يتغيّر وينحرف وينزلق إلى المعصية؟ من الذي إذا تغيّر حاله تغيّر حال القوم؟

إن ما نعلمه من واقع مجتمعاتنا، وواقع الأمة عبر التاريـخ، يقول إن الذي يشكّل المجتمع، ويجعل له مفاهيمه الخاصة وطريقته في العيش هو الحكم والسلطان -الدولة- سمّه ما شئت، فقد تغيّر حال المدينة المنورة بعد أن حُكمت بالإسلام، فغلبت فيها مفاهيم الإيمان والتقوى، مع أنها أهلها لم يكونوا -لا كلهم ولا معظمهم- قد دخلوا الإسلام.

وفي فترة الحكم الإسلامي -بعد الخلفاء الراشدين- كان يأتي حاكم صالح بعد حاكم فاسد، أو يأتي حاكم أفضل ممّن قَبْله فيحكم الناس ذاتهم، ويرفع من حالهم، وهذا ما قال ابن كثير في البداية والنهاية: “كانت همة الوليد (الخليفة الوليد بن عبد الملك) في البناء، وكان الناس كذلك يلقى الرجلُ الرجلَ فيقول: ماذا بنيت؟ ماذا عمّرت؟ وكانت همة أخيه سليمان في النساء، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول: كم تزوجت؟ ماذا عندك من السراري؟ وكانت همة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن، وفي الصلاة والعبادة، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول: كم وردك؟ كم تقرأ كل يوم؟ ماذا صليت البارحة؟ والناس يقولون: الناس على دين مَلِيكهم، إن كان خمَّاراً كثُر الخمر، وإن كان لوطياً فكذلك، وإن كان شحيحاً حريصاً كان الناس كذلك، وإن كان جواداً كريما شجاعاً كان الناس كذلك، وإن كان طماعاً ظلوماً غشوماً فكذلك، وإن كان ذا دين وتقوى وبر وإحسان كان الناس كذلك”.

وقد أكد الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى، فقال أبو بكر الصديق لما سألته امرأة: «مَا بقاؤنا على هَذَا الْأَمر الصَّالح الَّذِي جَاءَ الله بِهِ بعد الْجَاهِلِيَّة؟ قال لها: بقاؤكم عَلَيْهِ مَا استقامت بِهِ أئمتكم. قَالَت: وَمَا الْأَئِمَّة؟ قَالَ: أما كَانَ لقَوْمك رؤوسٌ وأشرافٌ يأمرونهم فيطيعونهم؟ قَالَت: بلَى، قَالَ: فهم أُولَئِكَ على النَّاس». رواه البخاري.  وكذلك، قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». أي يمنع بالسلطان من اقتراف المحارم أكثر مما يمنع بالقرآن. أخرجه ابن شبّة في تاريخ المدينة.

وقد جرى على ألسنة العرب في كتب الأدب ما يحكي واقع الناس بقولهم: «الناس على دين ملوكهم»، «الناس أتباع من غلب»، «إذا تغير السلطان تغير الزمان».

نصل من هذا إلى أن التغيير مرتبط بتغيير الحكام والقادة، وليس بالتزام جميع ولا أغلب أفراد المجتمع، ويكون بذلك معنى الآية: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾، أن ينهض فئة من المسلمين الصالحين المخلصين، فيغيّروا السلطان؛ لأنه وحده مَن يملك بالقوانين والتعليم والإعلام أن يغيّر المجتمع، ويصبغه الصبغة الخاصة، سواء صبغة الإيمان أو الكفر.

أما ما ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم: «كيفما تكونوا يُولَّـى عليكم»، فهذا حديث ضعيف لا يجوز الاستدلال به ونسبته للرسول الكريم، ثم إن معناه فاسد لا يصح، وهذا ما أكدته أقوال الصحابة وتاريخ المسلمين، إذ تولى حكام فاسدون وبعدهم صالحون، والعكس، والشعب هو هو لم يتغير.

منتدى قضايا الثورة

أحمد سعد فتال

ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى