من رحمة الله تعالى بعباده، حتى الأشقياء منهم، أنه يقدّم لهم العبر، حتى يتذكر المقصّر ويعتدل المنحرف ويتوب الظالم. من ذلك حادثة تحطم الطائرة الرئاسية الإيرانية، الأحد 19/5/2024، التي أودت بحياة رئيس النظام الإيراني، إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، والوفد المرافق لهما.
وإن هذه الواقعة يمكن أن نستخلص منها درسين مهمّين، الأول هو “الانتقام الإلهي” من الظلمة، فالله تعالى يعاقب بعض الطغاة والمستكبرين في الدنيا قبل الآخرة، ويأتيهم من حيث لم يحتسبوا، بعد أن يظنّوا أن أدواتهم وأجهزتهم ووسائل أمانهم مانعتُهم من الله، فـ”إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ”، كما روى البخاري ومسلم عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والله سبحانه وتعالى يعاقب الظالم بمثل ما صنع، إذ يُروى عن المجرم إبراهيم رئيسي أنه كان يحكم على الأسرى العراقيين إبان الحرب الإيرانية العراقية بالموت رمياً من الطائرة، فكان موته على هذا الشكل، بأن سقط من الطائرة وتحطمت به وبأقرانه، وربما بقي ساعات طويلة يتعذّب في الفلاة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: ﴿فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبࣰا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ﴾.
وإن عقاب الله للظالمين فيه تذكرة للظالمين من أمثالهم، الذين لا يزالون على كراسي الحكم يقتلون وينهبون ويعربدون دون حسيب أو رقيب، أن روحك بيد خالقك الذي تظلم عباده، وأن ساعة الأجل لا يعلمها إلا هو، وأن هذه الدنيا لا تستحق أن تبيع آخرتك من أجلها، فمهما طغيت وبغيت واستبحت المحرمات فإن مآلك إلى الله، وإلى محكمة الآخرة التي لا يغيب عنها مثقال ذرة، وربما يعاجلك الله بعقوبة دنيوية بأن تموت ميتة بشعة، قبل أن تحاسَب في الآخرة على ظلمك وعدوانك.. فعل يعتبر الطغاة؟
أما الدرس الآخر فهو “السيناريو المفاجئ”، إذ يوقِع اللهُ أحداثاً في وقت لا يتخيل البشر أن تحدث فيه، فمن كان منا يظن أن الرئيس الإيراني ووزير خارجيته سيُقتلون بهذه الطريقة، وفي هذا الوقت تحديداً، أثناء عودتهم من زيارة رسمية طبيعية؟ خاصة أنهم لا يخوضون حرباً مع أحد؟ لقد حصل هذا الأمر دون إرهاصات ومقدّمات، ولم يكن يتوقعه عدو ولا صديق.
وإن الله جل في علاه يهلك المجرمين بطريقة غير متوقعة، ويقدّر النصر لعباه المتقين بطريقة غير متخيّلة أيضاً، وهذا ما جرى مع الرسول الكريم، فحين ضيّقت عليه قريش وخرج يستنصر قبائل العرب، قصد العديد من القبائل يدعوها إلى الله، ولم يذهب إلى المدينة بسبب الحرب التي كانت فيها (حرب بُعاث)، إذ لم يكن يضع في حسبانه أن تكون أرضاً للإسلام، لكن الله عز وجل قدّر أن تكون المدينة دولة الإسلام الأولى ومنطلقاً للفتوحات، فهيّأ له عدداً من قبيلتي الأوس والخزرج، جاؤوا من تلقاء نفوسهم إليه، فأسلموا ثم نشروا الإسلام بين قومهم بمساعدة الصحابي الجليل مصعب بن عمير.
لهذا يجب أن يتفاءل المؤمنون دائماً بنصر الله، ولا ييأسوا من روح الله ﴿إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾، فمهما ضاقت السبل واستطال الأعداء وبلغت القلوب الحناجر، ولم يُرَ ضوء الفرج في الأفق، فإن الله رحيم بعباده، يدبّر لهم، ويمكر بأعدائهم، ويهيئ لهم نصراً عزيزاً مؤزراً.
وما على المسلمين أن يفعلوه دائماً هو التمسك بأحكام الله، والتوكل عليه وطلب العون منه، وعدم التفريط بشرائع الله تحت عناوين “فقه الاستضعاف” و”جلب المصلحة ودرء المفسدة”، و”التكتيك السياسي”، فمَن صَدَق الله ينصره، ومن تحايل عليه يخذله ويكله إلى نفسه: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ وَیُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾.
منتدى قضايا الثورة