11 سنة مرت على فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، ذلك الاعتصام الذي كنت أحد الشهود عليه، وكان قد بدأه الإخوان المسلمون في الأسبوع الأخير من شهر يونيو 2013، دعما للرئيس الراحل محمد مرسي (أول رئيس مصري مدني منتخب) في مواجهة معارضيه، المدعومين من الدولة العميقة، والمجلس العسكري الذي كان يخطط للانقلاب عليه والإطاحة به..
فكل هذه السنوات مرت على الاعتصام، ولولا أنه تم فضه بالقوة، لربما استمر إلى يومنا هذا على نفس حاله، دون تطور أو تغيير، والسبب في ذلك هو أن قيادات الإخوان لم تكن لديهم خطة لما بعد الاعتصام، مثلما لم يظهر لهم هدف من الدعوة إليه، ولو أن الجماعة كان لديها الهدف من الاعتصام، والخطة لما بعده، لما أصر قياداتها على البقاء بالميدان قرابة الستين يوما، دون تصعيد لموقفهم أو تطوير لخطتهم، ولما أمروا أتباعهم بالبقاء في اعتصامهم إلى اللحظة الأخيرة، انتظارا لأمل لن يأتي، وانتصار لن يتحقق، فكانت النتيجة أن تم فض الميدان بالقوة، وقتل غالبية من كانوا فيه!!
والحقيقة أنه لا أحد يعلم إلى الآن ما الذي كان يدور في رؤوس قيادات الإخوان المسلمين فترة الاعتصام، وما الذي كانوا يراهنون في كل هذه الأيام، دون أن يكسبوا أرضا، أو يصنعوا مكسبا، فالمعلوم بالضرورة أن أي اعتصام سياسي في أي مكان بالعالم، عندما يعجز عن تحقيق أهدافه (كلها أو بعضها) خلال بضعة أيام، فهو بلا شك اعتصام محكوم عليه بالفشل، ومن ثم وجب على أصحابه تطوير أفكارهم، وتغيير تكتيكهم، والبحث عن وسائل ضغط أخرى أشد وطأة وأقوم قيلا، يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المرجوة، أما التصميم على مجرد البقاء بالشارع، دون خطة أنية أو مستقبلية، فالنجاح هنا يكون كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، فضلا عن أنه يثبت أن أصحاب فكرة الدعوة للاعتصام، افتقدوا للرؤية السياسية بإقدامهم على تلك الخطوة، ثم بالتصميم عليها والاستمرار فيها شهران متصلان، بلا تحقيق أي إنجاز، ولا سيما في ظل مؤشرات الفشل التي كانت تحيط بالفكرة برمتها، وكانت تنبئ بعدم جدواها، بل وتنذر بنهاية مأساوية لأصحابها، ولمن شاركوا فيها، حيث سبق عملية الفض وقوع أكثر من مجزرة بشرية ارتكبتها الأجهزة الأمنية بالجيش والشرطة بحق المعتصمين، بعد أيام قليلة من بدء الاعتصام، وفي أعقاب الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي (3 يوليو 2013) وكل هذه المجازر تمت بالمناطق المتاخمة لميدان رابعة العدوية، وجميعها أسفر عن سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين، والبداية كانت بمجزرة الحرس الجمهوري (8 يوليو 2013) والتي شهدت سقوط نحو ستين شهيدا، وأكثر من أربعمائة مصاب، تلتها مجزرة المنصة بطريق النصر (27 يوليو 2013) والتي شهدت سقوط نحو سبعين شهيدا، وإصابة أكثر من ألف شخص، وهاتان المجزرتان كانتا إيذانا بارتكاب مجازر عدة لاحقة تمت يوم الفض وبعده، هذا بخلاف الضحايا الذين كان يتم اصطيادهم يوميا أثناء المسيرات التي تخرج من ميدان رابعة عشية كل ليلة، لتجوب شوارع وأحياء مدينة نصر ومصر الجديدة، لترديد الهتافات والصدع بالمطالب، ثم تعود أخر الليل محملة بجثث القتلى..
فكل هذه وقائع وأحداث كانت تؤكد على استعداد الأجهزة الأمنية للبطش والقتل وسفك الدماء، والرغبة الدفينة في فض الاعتصام بالقوة وإخلاء الميدان تحت أي ظرف، وذلك لتأكيد شرعية جديدة هي شرعية الانقلاب، وإزالة شرعية سابقة هي شرعية الحكم المدني، وحكم الإخوان المسلمين!!
حالة مرضية مزمنة عند الإخوان!!
ولا شك أن ما حدث في ميدان رابعة العدوية يوم الفض 14 أغسطس 2013، طرح وقتها سؤالا مهما ومٌلحا، وهو: ما الذي دفع قيادات الإخوان للإصرار على موقفهم الخاطئ، بالاستمرار في الاعتصام إلى اللحظة الأخيرة، وانتظار ما كان كثيرون يتنبأونه، ويحذرون منه، وينصحون من أجل تفاديه، وهو فض الاعتصام بالقوة، وتعريض حياة الألاف من الأبرياء للخطر؟!
ظني وليس كل الظن إثم، أن الذي دفع الجماعة للاستمرار في الاعتصام للحظة الفض، هو ثقتهم الكبيرة في قيادات الجيش، وإحسان الظن بهم على طول الخط، وهي حالة مرضية مزمنة تحتاج للعلاج، خاصة وأنها تصل في أغلب الأحيان لحد الانخداع بهذه القيادات، والإيمان بهم، والتسليم لهم، والاستعداد الدائم للتوقيع لهم على بياض، وقد رأينا كيف أن الرئيس مرسي كان واثقا ومتشبثا بوزير دفاعه حتى اليوم الأخير السابق للانقلاب عليه، وهذه في الحقيقة حالة ليست جديدة على الإخوان، إنما تصحبهم منذ نعومة أظفارهم، وتحديدا منذ الخمسينات، واستمرت معهم في ثورة يناير، وصولا إلى يوم فض رابعة، وإن كنت أظنها مستمرة إلى الآن انتظارا لأن يعيد التاريخ نفسه وتقع الجماعة في نفس الفخ، ولا شك أن ثقة الإخوان في العسكر، هي التي جعلتهم يتوهمون بأن أخلاق ووطنية رجال الجيش المصري يستحيل معها فض اعتصامهم بالقوة، باعتبار أن خطوة كهذه ستسفر عن قتل وإصابة الألاف، حتى وإن لم يتم استخدام الأسلحة النارية في عملية الفض، نظرا للأعداد الهائلة التي كانت موجودة بالميدان، ومن ثم فإن الإقدام عليها وتنفيذها، سيكون جريمة كبرى، ووصمة عار في حق القوات المسلحة المصرية، لن يغفرها لها الشعب، ولا يمحوها التاريخ، وهم – أي الإخوان – يرأبون بقيادات هذه المؤسسة الوطنية منها، ولعل هذا الاعتقاد، هو ما جعل كثيرين من أبناء الإخوان يرددون أكذوبتهم الكبرى خلال فترة الاعتصام، وهي أن رجال الجيش المصري لا يمكن أن يُقبلوا على ارتكاب جريمة شنعاء كتلك، وأن أخلاقهم ووطنيتهم، بل وتدينهم، بالإضافة إلى شرفهم العسكري، يمنعهم من أن يصوبوا السلاح لصدور إخوانهم من أبناء الوطن، وهي أكذوبة ظلت تطوف الميدان ليل نهار دون وجود ما يبررها أو يبرهن عليها، إلا أن الإخوان ظلوا يرددونها ويروجون لها دون توقف، حتى وهم يشاهدون أشلاء ضحاياهم تتطاير من حولهم وأمام أعينهم، أو وهم يشيعون يوميا جثامين العشرات التي ذٌبحت بدم بارد، أمام الحرس الجمهوري والمنصة، وخلال المسيرات!!
وبالرغم من تكشف الأمور، ووقوع المحظور، وانهيار الأكذوبة، وفض الاعتصام بالأسلحة النارية، إلا أن جماعة الإخوان، ظل يحدوها الأمل في نيل رضا العسكر، والجلوس معهم، أملا في تحقيق بعض مطالبهم، والتي كان على رأسها إطلاق سراح الرئيس محمد مرسي الذي تم احتجازه وتحديد إقامته يوم الانقلاب عليه، وهذا الأمل هو الذي دفع إثنين من كبار قيادات الإخوان بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي للجماعة) هما الدكتور محمد علي بشر وزير التنمية المحلية في حكومة هشام قنديل، والدكتور عمرو دراج وزير التخطيط بنفس الحكومة، على القيام بمهمة كانت مستحيلة، وهي الذهاب إلى الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بقيادات الجيش وعلى رأسهم قائد الانقلاب وزير الدفاع وقتها المشير عبد الفتاح السيسي، لطلب وساطته عند العسكر، وترتيب لقاء يجمع بين قيادات التنظيم ومسؤولي المجلس العسكري، أو حتى مع السيسي فقط، وذلك لبحث المطالب، أو على الأقل إيجاد مخرج من الأزمة بطريقة لائقة، تحفظ لجماعة الإخوان كبرياءها، وللتنظيم بقاءه، أو وعلى أقل تقدير توقف الملاحقات الأمنية، وتحقن الدماء التي استمرت في النزيف لعدة أيام بعد الفض أثناء ملاحقة المظاهرات التي كانت تخرج بكثافة وقتها للتنديد بالمجازر اليومية التي ترتكبها الأجهزة الأمنية في حق الرافضين للانقلاب، وقد كشف هيكل عن تفاصيل هذا اللقاء في قناة (سي بي سي) المصرية أثناء حواره مع الإعلامية لميس الحديدي في التاسع عشر من سبتمبر 2013 بالحلقة السابعة عشرة من سلسلة حواراته مع القناة، وإن كان -هيكل- قد أنكر في الحوار طلب مسؤولي الإخوان وساطته، مستنكرا ما نشره موقع الحرية والعدالة وقتها عن تفاصيل اللقاء، إلا أن الكثير من المواقع غير التابعة للإخوان، بل المحسوبة على أجهزة سيادية تابعة للمؤسسة العسكرية، أجمعت على صحة المعلومة، وأكدت بأن الهدف من اللقاء، كان هو طلب وساطة هيكل للإخوان عند العسكر، لكن وبعيدا عن الأسباب التي دفعت هيكل لنفي طلب الوساطة، فإن ما كشف عنه وأكده هو أنه وجه نصيحة لجماعة الإخوان أبلغها لضيفيه، هي أن يوفق الإخوان أوضاعهم وفقا لما جرى في الثالث من يوليو، وألا يضعوا أية آمال في إمكانية التفاوض حولها، مؤكدا على أن القرارات والمواقف التي تم اتخاذها في الثالث من يوليو، وهي عزل مرسي وتعطيل دستور 2012 وما ترتب على ذلك من إجراءات، هي أمور يستحيل الرجوع فيها أو العدول عنها، أو حتى المناقشة حولها، وأبلغهما بأنه لا السيسي ولا أعضاء المجلس العسكري، سيقبلون بالحوار مع أحد من الإخوان مهما كان أسمه أو موقعه، ومن ثم وجب على الجماعة تحديد خططها المستقبلية، وفق تلك التطورات!!
الإخوان لم يتعلموا الدرس!
واحد من الأخطاء الكبرى التي ارتكبها الإخوان في ثورة يناير عامة، وفي اعتصام رابعة خاصة، هو أنهم تعاملوا مع الأحداث من منطلق سياسي سلمي متسامح، لا من منطلق ثوري متشدد، فبحكم أنني كنت واحدا ممن شهدوا اعتصام رابعة منذ يومه الأول إلى يوم الفض، فأني أستطيع القول بإن القوة البشرية التي كانت موجودة بالميدان، والوافدة عليه في الكثير من المناسبات، كانت كفيلة بتحقيق الانتصار المرجو والمنشود، بل وإرغام العسكر على الاستجابة لكل المطالب بما فيها الإفراج عن الرئيس، صحيح ما جرى في مذبحتي الحرس الجمهوري والمنصة، كان كفيلا ببث الرعب في الإخوان ومن حولهم، لكن أعداد المشاركين في الاعتصام كانت ضخمة ومخيفة أيضا، حيث كانت تصل في كثير من الأحيان لما يزيد عن الثلاثة ملايين شخص، جلهم من الشباب الفتي، المؤمن بقضيته، والمشحون بالرغبة الجامحة في فعل أي مهام ثورية تطلب منه، مهما كانت خطورتها أو صعوبتها، ومن ثم كانت كفيلة بتحقيق التوازن بين الطرفين، بل كنت أراها قادرة على تغيير خطة الجيش والشرطة من استخدام العنف إلى التفاهم السلمي، ذلك لو أحسن توظيف هذا الشباب واستٌغلت طاقة وحماس من كانوا في الاعتصام، وبشرط أن تفهم الجماعة ذلك وتقبل به وتوافق على إطلاق يد شبابها، لكن وللأسف أبت الجماعة، وتمسكت بمنهجها السلمي غير المنطقي أو المفهوم، وقد حسم المرشد العام للجماعة الأمر عندما أعلن من فوق منصة رابعة، أن سلمية الإخوان أقوى من الرصاص!! عندها وضح أن المشكلة ليست في المسؤولين عن إدارة الاعتصام كما كان يظن كثيرون، إنما هي في الفكر الإخواني ذاته، ذلك الفكر القائم على الحفظ لا الفهم، حيث أن الحافظ يقول إن المعارك السياسة يجب أن تُمارس بالسلمية، أما الفاهم فيقول إن المعركة المعنية لم تكن سياسية إنما كانت ثورية، ومن ثم كان الواجب خوضها بأدوات ثورية وليس مجرد شعارات، لا تحقن دما ولا تحفظ روحا، وهذا الفكر الذي هو موروث عن الآباء والأجداد، هو الذي جعل مسؤولي الجماعة يتسمرون عند السلمية لا يستطيعون الانفكاك عنها، ولا يفعلون غيرها، لدرجة أنهم كانوا يحذرون الشباب خلال فترة الاعتصام، من اللجوء لأي مظهر احتجاجي يبدو خشنا، حتى وإن كان الدافع له هو درء مفسدة وجلب منفعة، أو حتى كانت وسيلة التعبير هي إلقاء حجر ليس أكثر، ولذا لم تتجنب الجماعة الأثار المترتبة على هذا الفكر، وهي أثار دفع الإخوان ولا زالوا يدفعون ثمنها غاليا جدا، فأفراد التنظيم اليوم، هم بين شهيد، وصاحب عاهة، ومعتقل، ومختف قصريا، ومشرد، وهارب خارج البلاد، وكما أشرنا أنفا فإن هذا المنهج ليس بجديد على الجماعة، إنما يصحبها منذ زمن طويل، منذ خمسينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وقد كبدها هذا المنهج الكثير من الخسائر البشرية والمادية على مر العصور، خاصة وأن سلميتهم السياسية تبدو في أغلب الأحيان أقرب إلى الخنوع منها للسلام، وإلى التراخي منها إلى الشدة، وإلى الضعف منها إلى القوة، ولذلك فهي غالبا ما تٌطمع فيهم الخصوم وتٌجرئ عليهم الغلمان، ومن يراجع تاريخ الجماعة يجد كيف أن أبناءها دفعوا في الخمسينات ثمنا غاليا كالذي دفعوه في ثورة يناير، ولأسباب مشابهة، هي السلمية وحسن الظن بالعسكر، ففي تلك الفترة وبالتحديد يوم الثامن والعشرين من فبراير 1954 كان بإمكان الإخوان تحقيق نصر سياسي تاريخي يقوي من مكانتهم السياسية، ويوسع نفوذهم، ويخلصهم مبكرا من خصومهم، خصوصا جمال عبد الناصر الرئيس المصري الراحل الذي كان أول من نكل بهم، وقتل منهم، ومزقهم كل ممزق، ففي هذا اليوم خرج الإخوان في مظاهرات عارمة إلى ميدان عابدين، تأييدا للرئيس محمد نجيب (أول رئيس بعد انقلاب 1952) لدعمه في مساعيه بتأسيس حكم ديمقراطي للدولة المصرية، وتسليم السلطة لحاكم مدني، وعودة العسكر إلى ثكناتهم مرة أخرى، بعد أن أنجزوا مهمتهم بالإطاحة بحكم الملكية، تلك المطالب التي واجه نجيب بسببها الكثير من المؤامرات والمكائد من بعض الضباط الأحرار الطامعين في السلطة وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، وجاءت تلك المظاهرات لتؤكد فيها الجماهير وقوفها خلف نجيب، ودعمه لتنفيذها، إلا أن التعليمات صدرت وبشكل مفاجئ لهذه الجماهير بفض التظاهرة، والعودة إلى البيوت مرة أخرى، والذي تولى مهمة إبلاغ الجماهير بفض التظاهرة يومها هو المستشار الراحل عبد القادر عودة الذي كان يقف في شرفة قصر عابدين بجوار محمد نجيب، بدعوى أن الضباط الأحرار وعدوهم بالاستجابة لكل مطالبهم، وما يعدهم العسكر إلا غرورا، ولو أن الإخوان تحلوا يوما بالروح الثورية التي كانت سائدة في مصر تلك الفترة، لما انخدعوا للعسكر، ولكانوا نجحوا في تحقيق كل أهدافهم قبل ترك الميدان، ولو أنهم فهموا ذلك، لنجحوا في تحويل مسار الدولة المصرية، وربما الأمة العربية بأكملها، سامح الله الإخوان، وسامح سلميتهم، وسامح ثقتهم في العسكر!!
وعن هذه الواقعة يقول في مذكراته المؤرخ جمال حماد وهو أحد الضباط الأحرار، إن مظاهرات الإخوان في هذا اليوم كانت حاشدة بشكل غير مسبوق، وقد كان بإمكان المتظاهرين فرض كل مطالبهم على سلطة ثورة يوليو، مشيرا إلى أن عددا من الضباط الأحرار الكارهين لعبد الناصر، والمتذمرين من مؤامراته ضد محمد نجيب، كانوا مستعدين في ذلك اليوم للانضمام للمتظاهرين ومعاونتهم في تحقيق مطالبهم، لولا أنهم -أي المتظاهرين- تراجعوا وتركوا الميدان!!
ونفس الشيء قاله فريد عبد الخالق عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت، خلال شهادته على العصر مع الإعلامي أحمد منصور بقناة الجزيرة، حيث أكد عبد الخالق إن أعداد المتظاهرين في هذا اليوم كانت غفيرة، مشيرا إلى أن أحد أبرز من شاركوا في تلك التظاهرة وكانوا في طليعتها، هو إبراهيم كروم فتوة بولاق، وأشهر فتوات مصر في تلك الفترة، لكنه ترك الفتونة وانضم للإخوان لإعجابه بمؤسس الجماعة الإمام حسن البنا، وللمفارقة فإن كروم وهو الذي لم يسبق له العمل بالسياسة كاد يصاب بالجنون عندما رأى الإخوان يستجيبون لعبد القادر عودة بفض المظاهرة ومغادرة الميدان دون تنفيذ مطالبهم بشكل عملي، لا بالوعود الكاذبة، فقد رأى كروم أن الإخوان إذا عادوا إلى منازلهم سيدفعون ثمن عودتهم غاليا جدا، كما كان يرى ببصيرة الفتونة وليس السياسة، أن قيادات الجيش التي خرجت المظاهرات للهتاف ضدهم والمطالبة بعودتهم إلى الثكنات، لن يغفروا للمتظاهرين هذا الذنب، وسينكلون بالجميع ولن يرحموا أحدا، خصوصا القيادات، وقد كان، فما أن أطاح جمال عبد الناصر بمحمد نجيب واعتلى كرسي الحكم، حتى قرر القضاء على تنظيم الإخوان، وكانت البداية بإعدام ستة من أبنائه، على رأسهم عبد القادر عودة، الذي كان أمر المتظاهرين بفض التظاهرة والانصراف من الميدان، كما كان من بين المحكوم عليهم بالإعدام أيضا مرشد الجماعة نفسه المستشار حسن الهضيبي، لكن الحكم خٌفف لاحقا من الإعدام إلى المؤبد!!
تٌرى متى يبرأ الإخوان من دائهم؟!