أحمد هلال يكتب: بعدما توقفت الاحتفالات بنصر أكتوبر
وبينما تمر خمسين عاما على تلك الذكرى التي لم يعد الاحتفاء بها بنفس ما كان يتم ترتيبه من احتفالات في مصر سابقا.
ترتبط القضية الفلسطينية ارتباطا وثيقا بالأمة العربية والإسلامية وبخاصة مصر حيث أنها أحد دول الجوار المهمة لفلسطين وتشابكت الحالة الميدانية سياسيا وعسكريا بين مصر وفلسطين.
كانت الجيوش العربية في أول حرب لها في العام 1948؛ ولحقت بتلك الجيوش كتائب جماعة الإخوان المسلمين ثم كانت المؤامرة كبيرة ثم النكبة والنكسة ثم نصر أكتوبر المجيد!!
وفي السياق الزمني والتشابه بين حرب السادس من أكتوبر وحرب السابع من أكتوبر تشابكات وتزامنات؛
إذ تزامنت عملية طوفان الأقصى مع «عيد العرش» وفترة «سمحات توراه – بهجة التوراة» التي تشهد فيها الثكنات العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات حالة من الهدوء النسبي. بما يتماثل مع إستراتيجية حرب أكتوبر 1973 والتي تزامنت مع عيد الغفران.
– التغيير النمطي للعمليات العسكرية: تتمثل في اعتماد المقاومة حماس على إستراتيجية الهجوم والمباغتة الاستباقية والتحلل من ممارسات «رد الفعل»
وحسب المعلومات والخداع الاستراتيجي للعدو بينما كانت إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة صادمة لحماس، كانت حماس تأخذ زمام المبادرة ، واعتماد نظرية «الهجوم العملياتي المزدوج».
وهو ما يتفق مع التكتيك العملياتي لسياقات حرب «يوم الغفران»؛ والتي اعتمدت على عنصر المفاجأة على كل من الجبهتين المصرية والسورية.
الإعداد المسبق:
وذلك بالنظر إلى طبيعة العمليات النوعية لطوفان الأقصى والتي كشفت عن تخطيط مسبق لخريطة التحرك وذلك على مستويين الأول:
«المستوى الجوي» عبر إطلاق الصواريخ والقذائف بكثافة على مواقع الاستهداف،ولم تكن عملية إطلاق الصواريخ هي العنصر المهم في المعركة بل كانت غطاء لعمليات عسكرية ميدانية.
والثاني: «المستوى البري» عبر تنظيم عمليات اقتحام منظّمة للمستوطنات الإسرائيلية على الغلاف الحدودي، وذلك عبر الاستفادة من الخبرات التاريخية لتطور التكتيكات الهجومية للفصائل الفلسطينية منذ عملية «الثأر المقدس» عام 1996 وصولاً إلى عملية «طوفان الأقصى».
وهو ما يتسق مع النمط العملياتي لحرب أكتوبر 1973 والتي اعتمدت على تخطيط مُسبق وتدريب مكثف خلال الفترة الممتدة بحرب الاستنزاف من 8 مارس 1969 إلى 8 أغسطس 1970.
وحدة المقاومة:
وهي تلك النظرية التي تم اختبارها من جانب «حماس» عبر الدفع بالنفير العام لكافة فصائل «المقاومة» الفلسطينية للمشاركة بـ«طوفان الأقصى»، وهو ما يتطابق مع إستراتيجية حرب أكتوبر 1973، حيث تحرك كل من الجيشين المصري والسوري لاختراق الدفاعات الإسرائيلية على نحو غير متوقع، مع خفض ضخ البترول من المملكة العربية السعودية ؛بالتنسيق مع الملك فيصل.
ووجها إلى الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الإسرائيلية ضربة نفسية/ سيكولوجية أفقدتهم التوازن الاستراتيجي.
استعدت إسرائيل بجدار صلب يفصل غلاف غزة والمستوطنات وما يحدث في غزة ويمنع العمليات العسكرية ضد إسرائيل تماما كما شيدت خط بارليف حاجزا لا يمكن اختراقه من الجانب المصري على حد زعمهم!!
تقول وول ستريت جورنال في تقرير بثته يوم 10 أكتوبر الماضي:
«أمضت إسرائيل 3 سنوات في بناء حاجز أمني متطور وعالي التقنية بطول 40 ميلاً على طول قطاع غزة، مزود برادار وأجهزة استشعار مصممة لكشف التوغلات الخفية التي يقوم بها الفلسطينيون العازمون على تنفيذ هجمات سرية في إسرائيل».
تضيف: «يوم السبت، استخدمت حماس الجرافات ووسائل بدائية أخرى لاقتحام السياج الذي يبلغ ارتفاعه 20 قدمًا، وأدخلت الرجال عبر الفجوات في شاحنات صغيرة وعلى الأقدام
وكانت المواجهة ما بين سقف عالي من التكنولوجيا الأكثر دقة وتطور، والبدائية التي يستحيل كشفها عبر الإفراط التكنولوجي غير المسبوق!!».
هذه الحرب تعتبر كارثة أسوأ لإسرائيل من هجوم يوم «الغفران» المفاجئ من مصر وسوريا، لأنها تتضمن إذلالًا محضًا للجيش الإسرائيلي -على حد قول أحد المحللين الإسرائيليين الذي يضيف: «في عام 1973، تعرضنا لهجوم من قبل أكبر جيش عربي، مصر»، لكن هذه المرة: «تم غزو إسرائيل في 22 موقعًا خارج قطاع غزة، بما في ذلك مجتمعات تصل إلى 15 ميلاً داخل إسرائيل، من قبل قوة عسكرية تابعة لـ«ما يعادل [دوقية] لوكسمبورغ».
ومع ذلك، كما يتابع، «فإن هذه القوة الصغيرة لم تغز إسرائيل، وتغلبت على قوات الحدود الإسرائيلية فحسب؛ بل أعادت رهائن إسرائيليين إلى غزة عبر نفس الحدود – وهي الحدود التي أنفقت عليها إسرائيل ما يقرب من مليار دولار لإقامة جدار كان من المفترض أن يكون غير قابل للاختراق فعليًا، وهذه ضربة صادمة لقدرات الردع الإسرائيلية».«انهيار منظومة الردع الإسرائيلية».
يقارن مارتن إنديك -الدبلوماسي الأميركي المخضرم في حوار له مع مجلة فورين أفيرز بين حرب أكتوبر وبين طوفان الأقصى قائلا: «لقد كانت الغطرسة هي التي دفعت الإسرائيليين إلى الاعتقاد، في عام 1973، بأنهم لا يهزمون، وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، وأنهم لم يعودوا بحاجة إلى الاهتمام بالمخاوف المصرية والسورية لأنهما لم يكونا قويين للغاية».
وبينما كان ينهار خط بارليف تحت ضغط خراطيم المياه وتحطمت الأسطورة التي كانت تفتخر بها والتفوق الاستخباراتي والعسكري وتم فتح ثغرات دخل منها الجيش المصري وعبر قناة السويس، كانت الموتسيكلات عبر ثماني ثغرات في الجدار الفولاذي؛ والطائرات الشراعية عبر سماء غلاف غزة تخترق المستوطنات وتخترق.
الغطرسة نفسها التي تجلت مرة أخرى في السنوات الأخيرة، حتى عندما أخبر العديد من الناس الإسرائيليين أن الوضع مع الفلسطينيين غير قابل للاستمرار. ظنوا أن المشكلة كانت تحت السيطرة. ولكن الآن تم نسف كل افتراضاتهم، تمامًا كما حدث في عام 1973، وسيتعين عليهم أن يتصالحوا مع ذلك.
الخسائر التي تعرضت لها إسرائيل حسب تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي لم يسبق لها مثيل منذ 75 عاما كاملة.
خسائر مؤلمة يبكي لها أعضاء الكنيست الإسرائيلي، وما خفي أعظم وما يتم الإعلان عنه مؤلم.
لقد ظنت قيادة المحتل أن جيل النكبة سوف ينسي والجيل الجديد من شعب فلسطين سوف يتخلى عن ثوابته وقضيته!!
لكن
جيل النكبة يربي جيل النصر والتحرير وعلى الأيادي المتوضئة من شباب في عمر الزهور ما بين ال21 والرابع والعشرين من أعمارهم يحدث طوفان الأقصى وتغيير المفاهيم والقيم والأخلاق والمبادئ الجامعة
وينتصرون لقضيتهم ويتم طرحها على الساحة السياسية الدولية من جديد وتتصدر اهتمام كبير في العالم وأصبحت محل اهتمام المتابعين والمحللين!
وتؤثر تلك القضية في العالم وتحدث حالة من الفوران تنكشف حقائق كثيرة وتتمايز المواقف!!
ان ضمير العالم الحر بات منحازا للقضية الفلسطينية بكل تفاصيلها فعليا وانكشفت الرواية الإسرائيلية الكاذبة .
ومن الثبات رغم عمليات الإبادة الجماعية باتفاق إقليمي دولي وأممي؛ اندهش العالم وبدأت التساؤلات حول سبب ذلك الثبات
فقيل إنه القرآن الكريم!!
بحث الكثير عن نسخة من القرآن الكريم باللغة الإنجليزية حتى أخبرهم القرآن الكريم عن عظمة أهل غزة وثباتهم فتحول جلهم من النصرانية واليهودية إلى الإسلام!!
التباين في التراكمات السياسية عبر تاريخ القضية الفلسطينية أحدث تغييرات هائلة في المعركة وتبعاتها
جيل المؤسسين ل إسرائيل قد اندثر
وجيل النكبة لم ينسى وجيل العشرينات لم يتخلى عن قضيته؛
والفساد الداخلي للمجتمع الإسرائيلي المنهزم نفسيا ساعد على الانهيارات المتسارعة في القدرة والكفاءة والخبرة عسكريا واستخباراتيا ولم تكن مكونات الحكومة الإسرائيلية ذات خبرة عسكرية أو استخباراتية ومعلوماتية تسمح باستمرارية تفوقها.
لم تتضح بعد نهاية المشهد السياسي والعسكري لتلك الضربة الإستباقية!!
لا يزال طرفي الحرب في صراع يمتد لبعض الوقت ولن يحسم الأمر غير تطورات الميدان .
طوفان الأقصى كما أتوقعه بداية لـمعركة التحرير الكامل للأراضي المحتلة حسب منحنيات تاريخية ومحطات في الصراع العربي الإسرائيلي الذي يبشر بالخير وبداية النهاية لـ«الكيان الصهيوني المحتل». وعقدة العقد الثامن وشرق أوسط جديد
وللقصة بقية
أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري