صدر أخيراً في الإمارات العدد 309 لشهر يوليو 2025 من مجلة “تراث” التي تصدرها هيئة أبوظبي للتراث، وتعني بشؤون التراث وقضاياه إماراتيا وعربيا ودوليا.
وتصدّر العدد ملفاً بعنوان “أدب الرسائل في الإمارات قديما”، تضمن سبع مشاركات تنوّعت ما بين الدراسة والمقال، وكتبتها أقلام إماراتية وعربية.
وجاء اختيار المجلة لموضوع ملف هذا العدد، بهدف إبراز جانب ثري من الموروث اللغوي، في محاولة لإعادة إحيائه، وتفسير دلالاته لضمان نقله إلى الأجيال القادمة.
وفي افتتاحية العدد، أكدت رئيسة التحرير شمسة الظاهري، على أن الرسائل المكتوبة شكّلت شريان الحياة الأساسي للتواصل في مجتمع الإمارات قبل ظهور وسائل الاتصال الحديثة. وقالت “في زمن لم تكن فيه هواتف ولا إنترنت، اعتمد أجدادنا على الكلمة المكتوبة لنقل الأخبار وتبادل الشؤون اليومية، ما منح الرسائل مكانة اجتماعية وسياسية بارزة”.
وأشارت “الظاهري” إلى أن وسائل إرسال تلك الرسائل كانت بدائية لكنها فعّالة، حيث حملها المسافرون أو البحارة، بل وقطع مشاوير طويلة سيراً على الأقدام أو على ظهور الإبل. وأضافت: “رغم بطء الوصول، كان الإصرار على إيصال الكلمة يعكس تقديراً عميقاً لدورها في توثيق العلاقات الإنسانية والمجتمعية”.
وتابعت رئيسة التحرير أن طبيعة الرسائل تنوعت بين الرسمي والشخصي، موضحة أن “تبادلها الحكام مع شيوخ القبائل لإدارة الشؤون العامة، كما جرت مراسلات بين الأهالي والسلطات البريطانية خلال فترة الوجود الإنجليزي”. أما في الحياة اليومية، فأكدت الظاهري أن “الصيادين والتجار والبدو اعتمدوا عليها لإخبار الأهل بمواعيد العودة أو أحوال الصيد، بل وحملت أخبار الأفراح والأتراح”.
ولفتت إلى تميّز هذه الرسائل بأسلوب لغوي يجمع بين الفصاحة والبساطة، قائلة: “امتلأت بعبارات الدعاء والاحترام، انعكاساً للثقافة الشفهية التي تقدّر الكلمة”. واختتمت بالقول: “هذه الرسائل – وإن كتبت على أوراق بسيطة – حافظت على تماسك المجتمع رغم قسوة البيئة، وما تزال وثائق محفوظة تشهد على عراقة التواصل في تراثنا”.
خصائص أسلوبية وفنية
وقد افتتحت المجلة ملف العدد بمقال لخالد صالح ملكاوي حمل عنوان “الرسائل في تاريخ الإمارات.. حواضن لنبض الحياة”، وتناول الأمير كمال فرج “خصائص أسلوبية وفنية تعكس أدبيات المخاطبة منذ مئة عام: القيم الإماراتية في رسائل عصر زايد الكبير”،بينما استعرضت أماني إبراهيم ياسين “رسائل مبارك سيف الناخي (1925 – 1982م): مرآة لتحولات الثقافة في الإمارات”، وقدم عادل نيل تحليلًا لـ “المراسلات الشعرية في الأدب الإماراتي: معانٍ إنسانية وقيم مجتمعية”، ونقرأ لمروان محمد الفلاسي مقال بعنوان “الرسائل الأدبية الإماراتية القديمة: قراءة في الجذور والوظائف والتحولات”، وسلّط أحمد عبد القادر الرفاعي الضوء على “بلاغة رسائل حكام وشيوخ دولة الإمارات قديمًا: من فصاحة القول إلى رقي التواصل”،واختتمت لولوة المنصوري ملف العدد بمقال عن “البريد الصخري في الإمارات: رسائل الإنسان الأول مع الكون والخفاء”.
البدر في ذاكرة الإمارات
وفي موضوعات العدد: يواصل عبد الفتاح صبري سلسلة مقالاته حول “الباب” حيث حمل مقال هذا العدد من المجلة عنوان “طرق الباب والذات”، وكتب ضياء الدين الحفناوي عن “بكين: مركز التراث التاريخي والثقافي للصين”، ويأخذنا محمد عبد العزيز السقا في رحلة “بحثًا عن الطوارق الملثمين: رحلة ويليام جوزيف هاردينغ كينغ إلى الصحراء الكبرى نهاية القرن التاسع عشر”، واضاءت موزة عويص علي الدرعي على “صورة توثق حدثًا يوريخ 1977: الشيخ زايد يشهد حفل تخريج دفعة جديدة من الضباط”.
وقدم خالد عمر بن فقه قراءة في كتاب أحمد راشد ثاني “السرد الشفاهي في الإمارات… وعي بالممكنات التأويلية والإبداعية”، وأمام مروان محمد الفلاسي، فشارك في العدد بدراسة بعنوان “رحلات القيظ في صيف الإمارات: قراءة في المعنى والهوية”، وسلّطت وديمة حمودة الظاهري الضوء على “البدر في ذاكرة الإمارات: شجرة الحياة بين التراث والبيئة”، ونتعرف من مقال محمد محمد عيسى على “النهمة الإماراتية: صوت البحر وإيقاع الكفاح وذاكرة الوطن… أداة فنية وتعبئة وجدانية”، واستعرض صديق محمد جوهر “تاريخ صناعة الأقمشة والمنسوجات في البلاد الإسلامية”.
وفي موضوعات العدد أيضا: قدم علي تيامي “إطلالة على التراث الثقافي العربي الموريسكي وآثاره الأدبية”، وتنالوت مريم علي الزعابي “تجليات النخيل في ذاكرة الأهازيج الشعبية الإماراتية”، وناقش عبد الرزاق الدرباس “الصنعة الشعرية في مطالع القصائد ونهاياتها”، وحاور هشام أزكيض “الشاعرة شيخة المطيري: الثقافة الإماراتية حوار يومي في كل مكان”،بينما أثرى صفحات العدد الدكتور شهاب غانم بقصيدة بعنوان “موطن العز”، واستحضرت مريم النقبي تجربة”رجل الحكمة والقصيدة: عيسى بن قطامي في الذاكرة الإماراتية”،و واختتمت عائشة علي الغيص صفحات العدد بمقال عن “حكاية مثل: النوم سلطان”.
يُذكر أن مجلة “تراث” هي مجلة تراثية ثقافية منوعة، تصدر عن هيئة أبوظبي للتراث، وترأس تحريرها شمسة حمد العبد الظاهري، والإشراف العام لفاطمة مسعود المنصوري، وموزة عويص وعلي الدرعي. والتصميم والتنفيذ لغادة حجاج، وشؤون الكتاب لسهى فرج خير، والتصوير لمصطفى شعبان.
وتُعد المجلة منصة إعلامية تختص بإبراز جماليات التراث الإماراتي والعربي الإسلامي، في إطار سعيها لأن تكون نزهة بصرية وفكرية، تلتقط من حدائق التراث الغنّاء ما يليق بمصافحة عيون القراء.