الحقيقة لم أفزع كثيرا جراء الإعلان عن مؤسسة تكوين والتي أثار الإعلان عنها ضجة إعلامية كبيرة شاركت فيها العديد من الأقلام سلبا وإيجابا خاصة وأن الضجة جاءت على خلفية سؤال طرحه الروائي يوسف زيدان على الأكاديمي السوري فراس السواح حول أيهما أهم.. -السواح- أم طه حسين؟ وهو التساؤل الذي فجر من خلفه بركانا من الغضب من قبل الكثيرين الذين ينظرون لطه حسين باعتباره رائدا له الأسبقية في طرح الأفكار التنويرية والتجديدية ومن ثم فليس لأحد أن يجرؤ على أن يضع نفسه في رتبة أعلى منه أو حتى مساوية له.. وعليه فإن الهدف الرئيس وراء تأسيس مؤسسة تكوين لم يكن هو الباعث الأول للضجة حولها والتي وفق ظني لم تكن إلا وسيلة ماكرة ومفتعلة من قبل زيدان وفراس للفت النظر إليها فالهجوم والنقد خير دعايا للمؤسسة الجديدة وهو ما تحقق بالفعل يؤكد ذلك خروجهما معلنين أنهما كانا يتمازحان ليس إلا.. وأن الأهم هو مطالعة ما تطرحه المؤسسة من أفكار تم العمل عليها لأكثر من عام ونصف العام.
ويعضد هذه الوجهة أيضا أننا يمكن أن نتساءل.. في حال لو لم يطرح زيدان هذا السؤال العجيب والغريب على السواح بشأن طه حسين فهل كان تدشين المؤسسة سيصحبه كل هذا الزخم الرافض لها؟ وفق تصوري أنه لم يكن ليحدث فما تم طرحه حول بعض المسائل الدينية الشائكة خلال الجلسات التي عقدتها المؤسسة في الاحتفالية التي أقامتها في المتحف المصري الكبير والتي سبق أن طرحتها المؤسسة عبر مواقعها على الشبكة العنكبوتية فضلا عن أنها ليست ككيان مؤسسي صاحبة السبق أصلا في طرحها إذ تكرر أن طرحتها من قبل العديد من المؤسسات والمراكز البحثية الأخرى بل والعديد من الشخصيات الأكاديمية والبحثية والمهرطقة أيضا وبينهم الأعضاء الستة الذين يمثلون مجلس أمناء «تكوين».
ما سبق يدفعني إلى أن أقول وبأريحية شديدة إنه وحتى اللحظة لم تقدم مؤسسة «تكوين» ما يمكن أن يمثل جديدا بالنسبة لهذا الفكر الذي يصف نفسه بالتنويري فجل ما قدمته المؤسسة وفق ما تضمنه موقعها على الإنترنت وما نشر حولها هو إعادة وتكرار لنفس القضايا التي تبنتها العديد من المراكز البحثية التي انطلقت طيلة نحو عشرين عاما خاصة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حيث قررت الولايات المتحدة الأمريكية وبمساعدة بعض الأطراف الإقليمية وبالتوازي مع حربها العسكرية التي شنتها على كل من أفغانستان 2001 والعراق 2003 وعملا بتوصية من مؤسسة الأبحاث والتطوير الأمريكية «راند» أن تشن حربا فكرية وثقافية على ما قالت إنه تيارات العنف الإسلامية وهي الحرب التي انسحبت شيئا فشيئا على الإسلام كله.
وربما أجدني هنا مدفوعا للإشارة إلى بعض القضايا التي تم تناولها عبر المؤسسة ومنها مثلا «هل الخمر حلال؟» و«هل السيرة النبوية صحيحة؟» و«كيف جُمعت السنة النبوية؟» وهل وضع الإسلام فعلا حدا للردة؟ و«ما هي معجزات النبي محمد وهل يجب تصديقها كلها؟» و«الدوافع وراء مقتل الخلفاء الراشدين» وغيرها من القضايا كالحديث عن حجية السنة وأهمية الفكر الاعتزالي وغيرها الكثير من القضايا التي ما فتئ مؤسسو المركز وغيرهم يثيرونها بين الحين والآخر على مدار سنوات ليست بالقليلة.
غير أن ذلك لا يقلل من حماسي في أن أسجل بعضا من ملاحظاتي حول هذه المؤسسة:
أولا: أنه وكما أشرت لا المؤسسة ولا ما تطرح فريد من نوعه فبعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 وكذلك بعد سيطرة تنظيم داعش على مساحات شاسعة من كل من العراق وسوريا عام 2014 تم تدشين العديد من المراكز البحثية في بعض الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة فيما قالوا إنه بناء القدرات ومنع العنف ومكافحة الإرهاب والجريمة ومنها مثلا «المعهد الدولي للتسامح -مركز هداية لمكافحة التطرف- مركز صواب» وجميعها يتناول في أبحاثه ودراساته مسائل شائكة أثارت الكثير من الجدل.
ثانيا: بدا واضحا أن المؤسسة ليست إلا «سبوبة» يتحصل القائمون عليها وزمرتهم من خلالها على مبالغ مالية طائلة حيث الممول معروف بسخائه الشديد في الإنفاق على مثل هذه الموضوعات إذ لكل من هؤلاء تقريبا منبره الخاص الذي يعبر من خلاله عن أفكاره لكن المؤسسة تحشيد لهذه الجهود وهي المسألة التي أشار إليها عدد من الكتاب والباحثين المشاركين في حملة انتقاد المؤسسة ومن بينهم من لا يختلف كثيرا في بعض اطروحاته عن اطروحات المؤسسة بل وكان ضيفا لمرة أو لمرات على إبراهيم عيسى الذي يحلو له ومنذ زمن طويل إثارة هذه القضايا عبر برامجه التلفزيوينة.
ثالثا: لا أستبعد أن منطلق النقد لدى البعض وأؤكد هنا لدى البعض وليس الجميع هو ربما الغيرة كونهم لم يتم دعوتهم ليكونوا ضمن فريق «السبوبة» وقد ظن بعضهم أنه قدم سابقا ما يؤهله لهذا غير أن الصدمة أن الأمر تم حصره في هؤلاء الستة فقط.
رابعا: أن كل ما أثارته المؤسسة وتعتزم إثارته مما يمكن أن يراه البعض شبهات قد تم الرد عليه مرارا الأمر الذي سيسهل ويوسع من دائرة حرب المواجهة على عكس ما يتصور البعض لتنتهي كل الجهود -وفق تصوري- بلا فائدة تذكر.
خامسا: أن ثمة حاجز نفسي بين الجماهير وبين هؤلاء الستة ومن معهم فهم معلومون لدى الجماهير في البلاد العربية ببضاعتهم المشبوهة وسلوك بعضهم الشائن والمخالف فيما أن المؤسسة لم تعمل مثلا على تطيعم الفريق بوجه أو اثنين من المقبولين لدى الجماهير ومن يمكن أن تنظر إليهم بأنهم أصحاب نوايا حسنة.
سادسا: أننا لا نعدم الفائدة في إطلاق مثل هذه المؤسسات التي تدفع الكثيرين من الدعاة والمتحمسين من المتدينين إلى البحث والتأصيل والرد على الشبهات ومن ثم سعة الاطلاع وترسيخ الإيمان.
سابعا: أن المؤسسة ستكون شاهدا جديدا على نفاق هذه الجوقة ومن ثم فضحهم وكشف ألاعيبهم فهؤلاء وغيرهم ظلوا وحتى سنوات قريبة يصيحون ليلا ونهار بأنهم يتعرضون لإرهاب فكري من قبل التنظيمات والحركات الإسلامية بل ومن علماء الأزهر الشريف حيث يتهمهم البعض بالعلمانية فيما يفسقهم آخرون وهو ما جعلهم يعانون من التهميش والإقصاء بعيدا عن وسائل الإعلام فيما يحتل الإسلاميون المنصات الإعلامية من قنوات واذاعات وصحف وغير ذلك فيما هم في الركن البعيد لا يسمعهم أحد.
وبعيدا عن مناقشة مدى صحة هذه الدعوى التي يدرك كل من عايش هذه المرحلة بأنها غير صحيحة وزائفة فإنه قد جاء اليوم الذي أصبح فيه المهمشون نجوما متألقة في سماء الإعلام يملأون الشاشات ويؤسسون المراكز والمؤسسات الثقافية والبحثية غير أنهم مارسوا وبشكل بشع كل أشكال التهميش والإقصاء وألقوا بكل أصناف التهم على مخالفيهم فأصبحوا خونة وعملاء ومرتزقة وإرهابيين مروجين أن الجميع بل استثناء يجوز له أن يتحدث في الدين وقضاياه إلا الذين تخصصوا في علومه فهم وهم فقط غير المؤهلين للحديث عنه.