كشفت تقارير إعلامية دولية عن استعداد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتنفيذ خطة واسعة لتسريح ما يصل إلى 75% من موظفي مكتب الاستخبارات والتحليل التابع لوزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS). ووفقاً لما نشرته شبكة CBS News فإن الخطة تستهدف تقليص عدد الموظفين من حوالي 1000 موظف إلى 275 فقط، في خطوة وُصفت بأنها قد تترك ثغرات كبيرة في المنظومة الأمنية الداخلية للولايات المتحدة، خاصة في ظل تصاعد التهديدات الدولية والمحلية.
مصادر داخل وزارة الأمن الداخلي أوضحت أن هذه الخطوة تأتي ضمن “إعادة هيكلة إدارية” تهدف إلى التركيز على ما وصفته بـ”المهام الأساسية” للمكتب، مع التخلص من ما اعتبرته وظائف غير محورية أو ازدواجية في الاختصاصات. وبحسب ذات المصادر، فإن عدداً من الموظفين الذين ستُنهى خدمتهم سيتم نقلهم إلى وكالات أخرى تابعة للوزارة مثل وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية (FEMA) ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية (CISA).
تحذيرات قوية صدرت من منظمات إنفاذ القانون الكبرى في الولايات المتحدة، مثل رابطة قادة الشرطة في المدن الكبرى، ورابطة مراكز الاندماج الأمني، أكدت فيها أن مكتب الاستخبارات والتحليل يمثل شريانًا حيويًا لنقل المعلومات الاستخبارية من الحكومة الفيدرالية إلى الجهات المحلية، وأن أي تخفيض في قوته الوظيفية سيؤدي إلى تقويض فعالية التعاون الأمني على المستوى المحلي. ووصفت هذه المنظمات الخطة بأنها تهديد مباشر للجهوزية الأمنية.
ولم تقتصر الانتقادات على الجهات الأمنية فقط، بل امتدت إلى الكونغرس الأميركي، حيث أبدى عدد من الأعضاء البارزين استياءهم من عدم التشاور المسبق معهم بشأن هذه الخطة. النائب الديمقراطي بيني تومسون، رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، أكد أن خطوة بهذا الحجم يجب ألا تُتخذ بشكل انفرادي من السلطة التنفيذية دون رقابة تشريعية، فيما طالب السيناتور الديمقراطي جاري بيترز بوقف تنفيذ الخطة لحين إجراء مراجعة شاملة لتأثيرها على الأمن الوطني.
من جانبها، أعربت عدة منظمات تمثل الجاليات اليهودية الأميركية عن مخاوفها من أن يؤدي تقليص طاقم مكتب الاستخبارات إلى انخفاض التنسيق الأمني بشأن التهديدات المتزايدة التي تستهدف مؤسساتهم، خاصة مع تزايد حوادث الكراهية والهجمات الموجهة خلال السنوات الأخيرة. وأكدت منظمات مثل “رابطة مكافحة التشهير” و”اللجنة اليهودية الأميركية” أن تعاونها مع هذا المكتب كان أساسياً في الوقاية المبكرة من التهديدات وتبادل المعلومات في الوقت المناسب.
وتأتي خطة التقليص وسط أجواء أمنية مشحونة، حيث تواجه الولايات المتحدة تهديدات متنوعة تتراوح بين احتمالات وقوع هجمات داخلية وعمليات تحريض إلكترونية مدعومة من الخارج. وتشير تقارير أمنية حديثة إلى تصاعد ملحوظ في النشاطات العدائية التي تستهدف البنية التحتية الرقمية، إلى جانب تحذيرات أمنية عشية المناسبات الوطنية الكبرى مثل عيد الاستقلال الأميركي.
وحذّر محللون أمنيون من أن تقليص أعداد موظفي الاستخبارات بهذا الشكل وفي هذه المرحلة قد يشجع دولاً معادية مثل روسيا والصين على استغلال حالة التفكك داخل الجهاز الأمني الأميركي لتجنيد موظفين سابقين يمتلكون معلومات حساسة وصلاحيات أمنية عالية، وذلك عبر شركات توظيف تعمل كواجهة لأجهزة استخباراتية أجنبية، في ظل غياب المتابعة والرقابة بعد مغادرة هؤلاء الموظفين لوظائفهم.
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر إعلامية مثل Axios وThe Week أن الخطة تأتي في إطار توجه أوسع داخل إدارة ترامب لإعادة هيكلة وكالات الاستخبارات والأمن السيبراني. وتشمل هذه الخطة أيضاً تسريح ما يقرب من 1200 موظف من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وتقليص ما يقرب من ثلث طاقم وكالة CISA، مما أثار موجة واسعة من القلق داخل أروقة الأمن القومي الأميركي.
وترى مؤسسات مراقبة مستقلة مثل JustSecurity أن توقيت هذه القرارات، المتزامن مع تصاعد التهديدات الإقليمية والدولية، يعكس ضعفاً في تقدير الأولويات الأمنية ويهدد بترك فجوات يصعب معالجتها على المدى القريب. خاصة أن مكتب الاستخبارات والتحليل هو الجهة الوحيدة التي يخولها القانون الأميركي مسؤولية تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات والبلديات.
وفي المقابل، تدافع وزارة الأمن الداخلي عن القرار باعتباره خطوة ضرورية لإعادة توزيع المهام وتوجيه الموارد إلى التهديدات الحقيقية، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية الأخرى ستواصل مهام التنسيق والمراقبة ضمن ما يُعرف بـ”بنية الأمن القومي متعددة الطبقات”. لكنها لم تقدم حتى الآن خطة واضحة لتعويض القدرات التي سيتم فقدها نتيجة التسريح الجماعي.
وبينما تزداد الانتقادات وتتوالى التحذيرات، يبقى مستقبل مكتب الاستخبارات والتحليل غامضًا، خصوصًا في ظل استمرار غياب خطة بديلة شاملة تعوض الفراغ الذي قد ينجم عن
تقليص طاقمه، في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى إلى أجهزة استخبارات داخلية فعالة وقادرة على التعامل مع التهديدات المعقدة والمتغيرة بسرعة.