د. عبد الآخر حماد
من سنن الله تعالى في كونه أنه يجعل بعد العسر يسراً، وبعد الضيق فرجاً؛ كما قال تعالى: (فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً) [الشرح: 5-6]. وفي الأثر: (أنَّ أبا عبيدةَ حُصِرَ فكتَبَ إليهِ عمرُ يقولُ: مهمَا ينْزِلُ بامرئٍ شِدَّةٌ يجعَلُ اللهُ لهُ بعدَها فرَجًا، وإنهُ لن يَغلبَ عُسْرٌ يُسْرَينِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}..) وإسناده حسن كما ذكر الحافظ في تغليق التعليق (4/ 372)، وقال شعيب الأرناؤوط في التعليق على سير أعلام النبلاء (1/ 15): «إسناده قوي، ورجاله ثقات».
وعلينا أن نعلم أنه كلما اشتد ظلام الليل كان في ذلك إيذانٌ بقرب انبلاج الفجر. قال تعالى: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا). [يوسف: 110]، وقال تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب). [البقرة: 214]. وفي المسند وسنن ابن ماجه من حديث أبي رَزين العُقيلي لقيط بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ضحِك ربُّنا من قُنوطِ عبادهِ وقُربِ غِيَرِهِ. قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! أوَيضحكُ الربُّ؟ قال: نعم. قلتُ: لن نعدِمَ من ربٍّ يضحَكُ خيرًا) وحسنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (3/139)، والألباني في صحيح ابن ماجه، وقال في الصحيحة (2810) حسن بجموع الطرق.
ورحم الله من قال:
اشتَدَّي أزمَةُ تَنفَرِجي *** قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ
وَظَلامُ اللَّيلِ لَهُ سُرُجٌ ***حَتّي يَغشَاهُ أبُو السُرُجِ
وَسَحَابُ الخَيرِ لَهَا مَطَرٌ *** فَإِذَا جَاءَ الإِبّانُ تَجي
ومن أسرار ذلك أن الكرب إذا اشتد وعظم وبلغ منتهاه، أيِس الإنسان من الأسباب المادية، فيتجه بكليته إلى الله عز وجل الذي لا كاشف للبلوى سواه، فيقع التعلق بالخالق وحده، وينقطع التعلق بالمخلوقين؛ فإن التوكل هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين، كما نقله الحافظ ابن رجب عن الإمام أحمد في لطائف المعارف (ص: 141).
فاللهم يا سامع النجوى، ويا كاشف البلوى، ويا ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَه ومالكَه: قد بلغ الضرُّ بأهلنا في غزة منتهاه، وحلَّ بهم من القتل والخوف والجوع ما لا يقدر على تحمله بشَر، فاللهم لا تُشمِت بهم الأعداء، ولا تجعلهم فتنةً للقوم الظالمين. اللهم إنهم قد انقطعت عنه أسباب الأرض، فجُد عليهم بأسباب السماء. أمدَّهم بمددٍ من عندك، وأيدهم بجند من جندك، وكن لهم جاراً من عدوك وعدوهم، عزَّ جارُك وجلَّ ثناؤك، ولا إله إلا أنت..
عبد الآخر حماد
1/ 11/ 1446هـ-29/ 4/ 2025م