تعيش العلاقات التجارية بين مصر والمغرب حالة من التوتر غير المسبوق في ظل تصاعد الخلافات حول تنفيذ بنود اتفاقية أغادير، خاصة فيما يتعلق بملف السيارات، مما أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل الاتفاقية التي كان يُعوّل عليها في تعزيز التكامل الاقتصادي العربي.
اتفاقية أغادير.. حلم السوق العربية المتوسطية
وقّعت اتفاقية أغادير في العاصمة المغربية الرباط في فبراير 2004، ودخلت حيّز التنفيذ في عام 2007. وتهدف الاتفاقية إلى إنشاء منطقة تجارة حرّة بين الدول الأربع: مصر، المغرب، تونس، والأردن، لتسهيل التبادل التجاري وإلغاء القيود الجمركية، على أن تلتزم الدول الأعضاء بقاعدة “المنشأ المحلي”، أي أن تكون السلع المُتبادلة ذات تصنيع محلي فعلي.
الاتفاقية وُضعت في إطار دعم جهود الدول المتوسطية للتكامل مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز الصادرات البينية، وتفعيل سلاسل القيمة الإقليمية.
السيارات تشعل الخلافات بين القاهرة والرباط
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت الخلافات بين مصر والمغرب على خلفية اتهامات متبادلة تتعلق بعدم الالتزام ببنود المنشأ للسلع المصدّرة. اتهمت الحكومة المغربية الجانب المصري بإعادة تصدير سلع أجنبية المنشأ (خصوصًا مكونات سيارات) عبر شهادات منشأ مصرية، مما يتعارض مع نصوص وروح الاتفاقية.
الجانب المغربي رد بتشديد الرقابة على البضائع المصرية، وخاصة السيارات، حيث تم احتجاز عشرات الحاويات في الجمارك المغربية لفترات تتجاوز الستة أشهر. ردًا على ذلك، قامت مصر بتعليق الفحص الفني لبعض البضائع المغربية، ما زاد من حدة الأزمة.
وفي أحد أبرز تداعيات الأزمة، علّقت السلطات المغربية دخول البضائع المصرية إلى موانئها، مما أدى إلى تكدس أكثر من 840 حاوية مصرية في الموانئ المغربية، في حين توقف جزئي في تدفق بعض الصادرات المغربية إلى السوق المصري.
الميزان التجاري.. أرقام تعكس اختلال التوازن
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الصادرات المصرية إلى المغرب حققت نموًا بنسبة 22.5% خلال أول 11 شهرًا من عام 2024، حيث بلغت قيمتها 896.5 مليون دولار، مدفوعة بزيادة صادرات مواد البناء، المنتجات الكيماوية، والغذائية.
في المقابل، ارتفعت الواردات المصرية من المغرب بنسبة 91%، إلا أن قيمتها الإجمالية لم تتجاوز 41.9 مليون دولار، وهو ما يُبرز اختلالًا كبيرًا في الميزان التجاري لصالح مصر.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن هذا الاختلال المتكرر دفع المغرب إلى إعادة تقييم سياساته التجارية مع الشركاء داخل اتفاقية أغادير، بما يحفظ مصالحها الصناعية، خاصة في القطاعات الناشئة مثل صناعة السيارات.
تحركات دبلوماسية لنزع فتيل الأزمة
لم تتأخر القاهرة في التحرك. فقد أوفدت الحكومة المصرية وفدًا رفيع المستوى إلى الرباط، ضم ممثلين من وزارات الصناعة والتجارة والاستثمار والمالية، في محاولة لاحتواء الأزمة وإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي.
وأسفرت الاجتماعات عن عدة تفاهمات إنشاء خط اتصال مباشر بين السلطات التجارية في البلدين لتسوية أي عراقيل أو شكاوى في حينها.
واتفاق مبدئي على تسهيل دخول الصادرات المغربية إلى السوق المصري، مع إعطاء أولوية للمنتجات ذات المنشأ المحلي، وعلى رأسها السيارات المُجمعة داخل المغرب. والإعداد لمنتدى اقتصادي مشترك بين رجال الأعمال في البلدين، لتعزيز الشراكات والاستثمارات المتبادلة.
مستقبل أغادير: بين الأمل والمراجعة
رغم هذه التوترات، لم تعلن أي من الدولتين نيتها الانسحاب من اتفاقية أغادير، ما يشير إلى رغبة مشتركة في الحفاظ على الإطار التكاملي العربي، ولو مع بعض التعديلات والإصلاحات.
ويرى محللون اقتصاديون أن الاتفاقية باتت بحاجة إلى مراجعة شاملة لبنود المنشأ، وآليات التحقق من السلع، إلى جانب ضرورة تعزيز الشفافية وتوحيد الإجراءات الجمركية وتقييم العوائق الفنية أمام حركة التجارة.
خلاصة المشهد:
تُجسّد الأزمة التجارية الأخيرة بين مصر والمغرب التحدي الأكبر لاتفاقية أغادير منذ نشأتها، وتُعيد طرح سؤال محوري: كيف يمكن تطوير اتفاقيات التجارة العربية لتواكب التحولات الصناعية والمنافسة الإقليمية والعالمية؟
إذا نجح الطرفان في تجاوز الأزمة، قد تخرج أغادير أقوى وأكثر مرونة، أما إذا استمرت التوترات، فقد تكون بداية لتفكك تدريجي للاتفاقية التي طالما بُنيت على أمل “تكامل عربي لا يعرف الحدود”.