في كتابه المثير للجدل “الأخطبوط الأحمر: قصة الصراع الكبير بين أجهزة المخابرات العالمية”، يقدم الصحفي والكاتب البريطاني توم باور عملاً استقصائيًا بالغ الأهمية، يغوص فيه في عالم الاستخبارات الدولية، ليكشف لنا كيف تُدار المعارك الحقيقية بين الدول ليس على جبهات القتال، بل في ممرات سرية وغرف مظلمة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت “المعلومة”.
يتناول الكتاب، الذي أصبح من أبرز مراجع الصحافة الاستقصائية، تاريخ ونشاطات أعظم أجهزة المخابرات في العالم، وعلى رأسها الـKGB السوفيتي، والـCIA الأمريكي، وMI6 البريطاني، والموساد الإسرائيلي، وغيرها. يكشف “الأخطبوط الأحمر” كيف لعبت هذه الأجهزة أدوارًا مركزية في صنع الانقلابات، واغتيال القادة، وتوجيه السياسات العالمية، بل حتى التلاعب بالإعلام والرأي العام.
بين الجدران الصامتة.. من يحكم العالم؟
يرى توم باور أن الصراع الاستخباراتي هو الوجه الحقيقي للسياسة الدولية، وأن من يفوز في سباق المعلومة هو من يرسم خريطة المستقبل.
في سردٍ مشوّق ومدعّم بالوثائق والمقابلات، يوضح الكاتب كيف كان للـKGB اليد الطولى في اختراق أجهزة الغرب، وكيف حاولت الـCIA الرد بعمليات مضادة في قلب موسكو، وأين اصطدمت المصالح، وكيف تحركت الأجهزة من خلف الستار لتحديد مصير رؤساء، وتقويض حكومات.
أهم محاور الكتاب:
نشأة وتطور أجهزة الاستخبارات بعد الحرب العالمية الثانية.
العمليات السرية بين واشنطن وموسكو خلال الحرب الباردة.
كيف تحولت الاستخبارات إلى قوة ناعمة تُستخدم في الفن والدين والإعلام.
صعود الاستخبارات الصينية ودورها الجديد في إعادة تشكيل قواعد اللعبة.
الشرق الأوسط كمنطقة اشتباك استخباراتي بين الشرق والغرب.
الشرق الأوسط.. ساحة جواسيس مفتوحة
يفرد الكتاب مساحة واسعة لبحث الدور الاستخباراتي في منطقة الشرق الأوسط، ويكشف عن صفقات سرية، وتحالفات معقدة، وعمليات تجنيد وتصفية لعبت فيها أجهزة الاستخبارات الغربية دورًا محوريًا في تغيير وجه السياسة الإقليمية، من إيران إلى سوريا، ومن مصر إلى فلسطين، وصولًا إلى غزو العراق.
ويؤكد باور أن “منطقة الشرق الأوسط كانت المختبر الأكبر لأجهزة المخابرات، حيث تختبر أسلحتها، وتوسّع نفوذها، بعيدًا عن أنظار الرأي العام”.
لماذا “الأخطبوط الأحمر”؟
اختار الكاتب هذا العنوان ليصف نفوذ جهاز المخابرات السوفيتي (الـKGB) الذي كان يمدّ أذرعه في كل مكان، مثل أخطبوط عملاق، لا يترك دولة أو مؤسسة إلا وله فيها عيون وآذان. لكن مع الوقت، يكشف الكتاب أن “الأخطبوط” لم يكن أحمر فقط، بل تنوّعت ألوانه بتعدّد الدول والأجهزة.
اقتباسات لافتة من الكتاب
“في عالم المخابرات، لا توجد صداقات، بل فقط مصالح متبدّلة تحت الطاولة.”
“كان الاتحاد السوفيتي يطمح لاختراق عقل الغرب، لا احتلال أرضه فقط.”
“حين يفشل السياسيون، يتحرك الجواسيس.”
ردود الفعل العالمية والعربية
لاقى الكتاب اهتمامًا عالميًا واسعًا، واعتُبر مرجعًا مهمًا لكل من أراد فهم طبيعة الصراع الخفي الذي يدور بعيدًا عن أنظار العامة. كما أثار الكتاب جدلاً في الأوساط السياسية الغربية، بسبب كشفه عن وثائق حساسة وعمليات ظلت طيّ الكتمان لعقود.
أما في العالم العربي، فقد تُرجم الكتاب إلى العربية أكثر من مرة، تحت عنوان “الأخطبوط الأحمر: قصة الصراع الكبير بين أجهزة المخابرات العالمية”، وأثار فضول القراء والمثقفين لما يحويه من تفاصيل دقيقة عن تورّط أجهزة الاستخبارات في أحداث عربية كبرى، كالثورات والانقلابات، وتبدّل الأنظمة، مما جعله مرجعًا لدى عدد من الباحثين والصحفيين العرب المهتمين بالأمن والسياسة.
عن المؤلف: توم باور
توم باور هو واحد من أبرز الصحفيين الاستقصائيين في بريطانيا، اشتهر بكتاباته الجريئة التي تكشف خبايا السياسة والاقتصاد والسلطة. من أبرز مؤلفاته:
Blair Inc. (شبكة توني بلير)
Revenge (حول أزمة الأمير هاري وميغان)
Broken Dreams (عن الفساد في الرياضة)
تتميّز أعماله بالدقة الصحفية والقدرة على الوصول إلى مصادر ومعلومات غير متاحة للعامة.
الجاسوسية مستمرة… لكن بثوب جديد
يبقى كتاب “الأخطبوط الأحمر” شاهدًا على عصر لا تزال ظلاله تحكم حاضرنا، حيث تتحوّل الحروب من الميدان إلى الشاشات، ومن المدافع إلى البيانات، ومن الانقلابات العسكرية إلى الانقلابات الرقمية.
إنه كتاب يُقرأ ليس فقط لفهم الماضي، بل لفهم الحاضر واستشراف ما ينتظر العالم في ساحة المعارك الخفية التي لا تنتهي.