قضينا وقتًا ممتعًا الباحث البنغالي محمد شعيب المتخصص في قضايا جنوب آسيا لمناقشة قضايا جنوب آسيا، خصوصًا بنغلاديش والهند. خلفيته الأكاديمية والمهنية المتميزة في السياسة، الاقتصاد، الأمن، والثقافة، بالإضافة إلى خبرته في الكتابة والبحث، تجعله صوتًا مهمًا لفهم هذه المنطقة. في هذا الحوار، نستعرض رؤيته حول العلاقات الهندية-البنغالية، أوضاع المسلمين، والتحديات السياسية والاجتماعية في المنطقة.
في البداية، ممكن تعرفنا على خلفيتك أو خبرتك في الشأن الهندي أو البنغالي؟
أنا محمد شعيب، باحث وكاتب متخصص في قضايا جنوب آسيا، خاصة بنغلاديش والهند، في مجالات السياسة، الاقتصاد، الأمن، والثورات. تلقيت تعليمي الشرعي في المدارس الدينية ببنغلاديش، حيث أكملت “دورة الحديث” المعادلة لدرجة الماجستير، وواصلت دراسات عليا (MPhil) في الأدب العربي، علم الحديث، والفقه الإسلامي، إلى جانب بكالوريوس وماجستير من جامعة آسيان.
منذ شبابي، أكتب بالعربية والإنجليزية في صحف مرموقة بالإمارات، قطر، الكويت، وصحيفة “The Daily Sun” في بنغلاديش. منذ 6 سنوات، أعمل في مركز أبحاث بالخليج، أحلل الشأن البنغالي والهندي، وأعد تقارير متخصصة. أسست ورأست تحرير “مجلة الحِراء” (2014-2019) و”ديلي ماي نيوز”، أول صحيفة إلكترونية عربية في بنغلاديش. أواصل الكتابة والبحث لتعزيز الوعي بقضايا الأمة الإسلامية في جنوب آسيا، مؤمنًا بقوة الكلمة والقلم.
كيف ترى العلاقة التاريخية بين الهند وبنغلاديش؟
جذور مشتركة وتاريخ معقد
تشترك الهند وبنغلاديش في علاقة معقدة، متجذرة في التاريخ والثقافة والجغرافيا. كانتا جزءًا من نفس الأرض قبل تقسيم 1947، وبعد حرب استقلال بنغلاديش 1971، دعمت الهند بنغلاديش بشكل حاسم، مما عزز التعاون في التجارة والأمن.
تقلبات التعاون والتوتر
لم تكن العلاقات دائمًا سلسة. تقلبت بين التعاون والتوتر بسبب اختلاف التوجهات السياسية، المخاوف من الهيمنة الهندية، وقضايا مثل تقاسم مياه الأنهار والتدخلات السياسية، مما أثار استياءً شعبيًا في بنغلاديش.
أزمة 2024: نقطة تحول
بعد تحولات يوليو 2024 وسقوط حكومة الشيخة حسينة، تصاعدت التوترات. اتهامات بالتدخل الهندي، تصريحات استفزازية، وهجمات دبلوماسية زادت من تعقيد العلاقة، مهددة الاستقرار الإقليمي.
تحديات الشراكة المتوازنة
دعم الهند لحكومة حسينة ومشاريع غير متكافئة، مثل تقاسم المياه والعجز التجاري، أثار انقسامًا داخليًا. الحكومة الانتقالية تسعى لسياسة خارجية متوازنة، لكن رفض الهند الاعتراف بها يعمق الأزمة.
مستقبل العلاقات
العلاقة تقترب من نقطة تحول حرجة. يتطلب الاستقرار إعادة تقييم الشراكة على أسس الاحترام المتبادل، بعيدًا عن الهيمنة، لضمان استقرار جنوب آسيا.
كيف يعيش المسلمون في بنغلاديش من الناحية الاجتماعية والدينية؟
المسلمون في بنغلاديش ينقسمون إلى فئتين:
الفئة الأولى: التعليم العام
المتعلمون في المؤسسات العامة يتمتعون بمكانة اجتماعية واقتصادية جيدة، حيث يفتح التعليم العام أبواب الوظائف والفرص المتنوعة.
الفئة الثانية: المدارس القومية
خريجو المدارس الدينية (القومية) يعانون من التمييز في الوظائف، التعليم العالي، والدعم الحكومي. يُعدّون حماة التراث الإسلامي، لكنهم يفتقرون للاعتراف الرسمي.
تحديات الخريجين
سنويًا، تخرّج المدارس القومية 30-32 ألف طالب بشهادة “دورة الحديث” (تعادل الماجستير)، لكن فرصهم تقتصر على المساجد والمدارس الدينية، مما يدفع الكثيرين للبطالة أو العمل في ظروف صعبة.
استغلال النخبة
بعض الخريجين يلجؤون إلى أصحاب النفوذ، مما قد يؤدي إلى استغلالهم. آخرون يؤسسون مدارس خاصة صغيرة، لكنها غالبًا لا تكفي احتياجاتهم.
دعوة للإصلاح
النخبة الدينية غالبًا لا تعير هذه المشكلة اهتمامًا كافيًا. هناك حاجة ملحة لحلول مستدامة تحفظ كرامة الخريجين وتمكّنهم من خدمة المجتمع.
هل توجد حرية دينية وتعبير كافية في بنغلاديش؟
سيطرة النخبة العلمانية
الحرية الدينية في بنغلاديش لا تُطبق بالشكل المتعارف عليه. النخبة الأكاديمية والعلمانية تهيمن على المؤسسات والإعلام، وتنظر للشخصيات الدينية بتحقير.
حركة شاهباغ 2013
حركة “شهداء شاهباغ”، بدعم من حكومة رابطة عوامي، استهدفت إقصاء التيار الديني، بدعم دوائر علمانية متأثرة بالفكر الهندي.
تضييق يومي
مثال: مالك مصنع في غازيپور فُرض عليه التراجع عن سياسة فرض الصلاة بعد هجوم إعلامي. الدعوة لتطبيق الإسلام تواجه ردود فعل عنيفة.
ازدواجية المعايير
الاعتداء على الرموز الإسلامية أو الحجاب يُبرر بـ”حرية التعبير”، بينما يُقمع الخطاب الديني المحافظ، مما يكشف ازدواجية في تطبيق الحرية.
دور الإعلام
وسائل الإعلام تتبنى خطابًا علمانيًا معاديًا للإسلام التقليدي، مما يعزز قمع الدين تحت ستار الحرية.
هل هناك تمييز منهجي ضد المسلمين في مجالات التعليم أو الوظائف؟
هناك تمييز منهجي ضد المسلمين في الهند، حيث تبلغ الفجوة التعليمية بين المسلمين والهندوس حوالي 15%، مما يعيق فرص التعليم الجيد.
حظر الحجاب
آلاف الفتيات المسلمات، خاصة في كارناتاكا، يُمنعن من التعليم بسبب الحجاب، مما حرم حوالي 100 ألف فتاة من حقوقهن.
تحريف المناهج
الكتب المدرسية تُسيء للمسلمين وتُهّمش تراثهم الإسلامي، مع محاولات لتغيير أسماء المدن ذات الطابع الإسلامي.
تهميش وظيفي
حتى مع التفوق الأكاديمي، يُستبعد المسلمون من الوظائف الجيدة، ويُدفعون لوظائف هامشية. تمثيلهم في الحياة التجارية لا يتجاوز 1%.
سياسات تقييدية
حظر الذبح الحلال، إغلاق محلات الجزارة، واستهداف رجال الأعمال المسلمين يعمق التهميش الاقتصادي والاجتماعي.
ما هو الوضع الحالي للمسلمين في الهند من الناحية الاجتماعية والسياسية؟
المسلمون في الهند يواجهون اضطهادًا اجتماعيًا من جماعات هندوسية متطرفة، يُتهمون بالولاء لباكستان، مع تصاعد التوتر بعد نزاعات مثل حادثة قرية بيهَل بكشمير.
استهداف المؤسسات
المساجد والمدارس الدينية تُهدم أو تُغلق بذرائع قانونية، مما يعزز التمييز والتهميش الاجتماعي.
ضعف التمثيل السياسي
المسلمون يعانون من انقسام سياسي وغياب تنظيم موحد، مما يجعلهم عاجزين عن الدفاع عن حقوقهم في مواجهة الإقصاء السياسي.
كيف تؤثر القوانين الهندية الأخيرة على المسلمين، مثل قانون الوقف المعدل وقانون الجنسية المعدل؟
سيطرة على الأوقاف
قانون الوقف المعدل يفرض سيطرة حكومية على المؤسسات الإسلامية، مع إدخال ممثلين هندوس في لجان الأوقاف، مما يُفرغها من طابعها الديني.
مصادرة الأوقاف
الأوقاف القديمة تُصادر بحجة غياب وثائق ملكية، بينما لا تُطبق هذه السياسات على المؤسسات الهندوسية، مما يكشف ازدواجية المعايير.
قانون الجنسية
قانون تعديل الجنسية (CAA) يستهدف المسلمين بمطالبة مستندات صعبة، مما يعرض الملايين لخطر فقدان الجنسية، خاصة في المناطق الريفية.
تهميش ممنهج
هذه القوانين تقلص دور المسلمين، تحرمهم من حقوقهم الدينية والمدنية، وتعزز التمييز المؤسسي ضدهم.
ما دور الإعلام الهندي في تشكيل صورة المسلمين لدى العامة؟
الإعلام الهندي يصور المسلمين كإرهابيين أو موالين لباكستان، مما يغذي الكراهية ضد المسلمين داخل الهند وخارجها.
اختراع منظمات وهمية
يخترع الإعلام أسماء منظمات بنغالية وهمية، ويروج لروايات كاذبة لتشويه صورة المسلمين في بنغلاديش.
أخبار مضللة
تقارير كاذبة عن انتفاضات أو انقلابات في بنغلاديش تنشر دون دلائل، مما يؤجج التوتر ويزرع الفتنة.
تحريض إقليمي
هذا النهج يهدف إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة، خاصة المسلمة، وتقسيم المجتمعات على أسس دينية وعرقية.
هل تشهد مناطق المسلمين في الهند تنمية متوازنة كباقي المناطق؟
بينما تتمتع الولايات الهندية بالاستقلالية الاقتصادية، تُحرم كشمير من فرص التنمية، مع ضعف البنية التحتية والاستثمارات.
سياسة تهميش
الحد من التبادل التجاري والسياحي في كشمير يُعد جزءًا من سياسة لإبقائها ضعيفة اقتصاديًا وخاضعة للحكومة المركزية.
تباين التنمية
هذا التهميش المدروس يحرم كشمير من الازدهار الذي تشهده ولايات أخرى، مما يعزز تبعيتها الاقتصادية.
ما التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه بنغلاديش حاليًا؟
بعد سقوط حكومة رابطة عوامي، تواجه بنغلاديش تدخلات هندية، مع محاولات دفع انتخابات مبكرة لصالح حزب بنغلاديش الوطني (BNP).
موقف الهند
الهند ترفض الاعتراف بالحكومة الانتقالية، وتتخذ إجراءات غير ودية، مثل دفع أعداد من الهنود عبر الحدود بدعوى أنهم بنغاليون.
تهديدات أمنية
تقارير تشير إلى نشاط أجهزة استخباراتية هندية ودعم جماعات مسلحة في شيتاغونغ لزعزعة استقرار الحكومة المؤقتة.
مفترق طرق
هذه التحديات تضع العلاقات البنغالية-الهندية على مفترق طرق، مع تساؤلات حول مستقبل الاستقرار السياسي.
كيف تتعامل الحكومة البنغالية مع الأقليات، مثل الروهينغا؟
الحكومة البنغالية تتحمل مسؤوليتها تجاه الأقليات، خاصة الهندوس والروهينغا. لكن الإعلام الهندي يروج دعاية كاذبة، مدعيًا قمع الهندوس، بينما الهند هي التي تُضطهد المسلمين.
ما دور بنغلاديش في دعم أو تجاهل قضايا المسلمين عالميًا؟
بنغلاديش تسعى لدور إيجابي، تعبر عن تضامنها مع المسلمين المظلومين، مثل فلسطين، في المؤتمرات الدولية والمنصات العالمية.
كيف تقارن بين أوضاع المسلمين في الهند وأوضاعهم في بنغلاديش؟
جميع المسلمين في الهند يواجهون الاضطهاد، سواء من الجماعات الدينية أو العامة، مع سياسات تمييزية شاملة.
تمييز محدد في بنغلاديش
في بنغلاديش، المواطنون العاديون يتمتعون بحرياتهم، لكن طلاب المدارس الدينية يواجهون تمييزًا في التوظيف والمشاركة المجتمعية.
شدة الوضع
الواقع في الهند أقسى، حيث يُعاني جميع المسلمين من الإقصاء، بينما في بنغلاديش التمييز يقتصر على الفئات الدينية المحافظة.
ما الذي يميز المجتمع المسلم في كل من الهند وبنغلاديش؟
مرجعية دينية مشتركة
المسلمون في الهند وبنغلاديش يتبعون منهج دار العلوم ديوبند، التي قادت النضال ضد الاستعمار وأسست المدارس القومية.
اختلاف سياسي
مسلمو بنغلاديش يتمتعون بحرية سياسية أكبر وتوجهات مناهضة للهند، بينما يعاني مسلمو الهند من قيود بسبب التوجه القومي الهندوسي.
هل هناك تواصل ثقافي أو ديني بين مسلمي الهند وبنغلاديش؟
هناك تطابق ثقافي شبه كامل بين المسلمين في البلدين، يشمل العادات، اللباس، والمناسبات، نتيجة التاريخ والجغرافيا المشتركة.
هل تؤثر السياسة الهندية على الداخل البنغالي بأي شكل؟
خطاب الكراهية
السياسة الهندية تصوّر المسلمين كإرهابيين، مستخدمة الإعلام والنخب لنشر هذا الخطاب، مما يؤثر سلبًا على بنغلاديش.
ردود فعل شعبية
هذا التصور يولد توترًا وعدم ثقة في بنغلاديش تجاه الهند، مما يعزز الانقسام بين الشعبين.
في رأيك، ما مستقبل المسلمين في الهند في ظل تصاعد التيارات القومية؟
بدون وحدة حقيقية بين المسلمين ومواقف قوية من دول الشرق الأوسط، سيكون مستقبل المسلمين في الهند قاتمًا بسبب تصاعد الجماعات الهندوسية المتطرفة.
الصمت الدولي يُشجع الجماعات المتطرفة على التصعيد، مما يهدد هوية المسلمين الدينية والثقافية.
ما الذي يمكن أن تفعله دول العالم الإسلامي لدعم مسلمي الهند؟
دول الخليج تملك نفوذًا بسبب ملايين العمال الهنود، ويمكنها استخدام الضغط السياسي والاقتصادي عبر منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي.
وسائل الإعلام العربية الكبرى، مثل الجزيرة، تتجاهل قضايا المسلمين، وتعتمد أحيانًا على تقارير هندوسية متطرفة.
الحاجة ملحة لخطاب إعلامي بديل ينقل صوت المسلمين، بدلًا من الصمت أو المساعدات الاقتصادية المحدودة.
ما التحديات التي على بنغلاديش مواجهتها في السنوات القادمة؟
تنامي نفوذ الجماعات الهندوسية المتطرفة في الهند يهدد المجتمع البنغالي المسلم، عبر تصدير أيديولوجيا الكراهية.
هذه الجماعات تشوه صورة المسلمين إعلاميًا، وتسعى لخلق فوضى فكرية واجتماعية في بنغلاديش.
التصدي يتطلب وعيًا شعبيًا، وحدة وطنية، تحالفات إقليمية، وتحصين الشباب بالفكر الوسطي.
هل ترى أن هناك أمل في تحسن أوضاع المسلمين في المنطقة عمومًا؟
التركيز المفرط على الدراسة الدينية دون دمجها مع العلوم الحديثة يحد من تأثير المسلمين في المجتمع.
نهج غير متكامل
المعرفة الدينية المعزولة تحول المسلمين إلى عبء، بدلًا من قوة دفع في الاقتصاد والسياسة.
أمل في التوازن
دمج الدين بالعلم الحديث سيُنتج جيلًا متماسكًا، يجمع بين الإيمان والإنتاج، لتحقيق مستقبل واعد.
دور المؤسسات
المؤسسات التعليمية والدعاة مدعوون لصياغة مشروع نهضوي يتفاعل مع متطلبات العصر.