بقلم: أحمد سعد فتال
لا تزال الدول العربية المتآمرة على الثورة السورية، والمطبّعة مع النظام المجرم، تكرّر التوصيات المتعلقة بتغيير سلوك النظام، ولا يزال الأخير مستمراً بمساره السياسي دونما أي تغيير؛ لإدراكه بأن الولايات المتحدة -التي أمرت الأنظمة العربية بالتطبيع معه- ليست جادّة بتعديل نهجه السياسي، وهي مستمرة بتأمين الغطاء السياسي له ليبقى في الحكم، ويواصل إجرامه في سوريا.
على ضوء هذه المقدمة، يمكن أن نفهم مخرجات اجتماع “مجلس التعاون الخليجي”على المستوى الوزاري في الدوحة، الأحد 9/6/2024، فقد جدد البيان الختامي للاجتماع “دعم جهود لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن الأزمة السورية، وضرورة تنفيذ الالتزامات الواردة في بياني عمان (1/5/2023) والقاهرة (15/8/2024)”.
وتُطالب الالتزامات نظام الأسد باتخاذ “خطوات للتدرج نحو حل الأزمة السورية وتبعاتها وفق منهجية خطوة مقابل خطوة، بما في ذلك تسهيل عودة اللاجئين والتعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات”.
وعبّر المجلس عن تطلعه إلى “استئناف أعمال اللجنة الدستورية السورية، المتوقفة منذ أكثر من عامين، وأكد دعم جهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص غير بيدرسن، للتوصل إلى حل سياسي في سوريا بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
في الحقيقة، إن الأنظمة العربية تدرك -منذ أن استأنفت علاقاتها مع عصابة الأسد- أن هذه العصابة لن تلتزم بمقررات الاجتماعات التي عُقدت خلال فترة إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية عام 2023، لكنها صدّرت تلك المخرجات بأمرٍ من أميركا للاستهلاك الإعلامي، أي حتى تقول إنها لم تطبّع مع النظام مجاناً، لكن مقابل شروط معينة، فالأنظمة العربية ليست مهتمة بتسوية بملف اللاجئين، على الأقل في الوقت الراهن، وحتى موضوع تهريب المخدرات التي يتخذها النظام مصدراً لتمويل خزانته، فيمكن للدول المستهدفة مثل الأردن والسعودية، أن تتعامل معه بتشديد الرقابة الحدودية وتعزيز آليات التفتيش.
أما عن اللجنة الدستورية السورية “المجمّدة”، والحل السياسي وفق القرار الأممي 2254 “المعطّل”، فهذه المسارات تصبّ في مصلحة النظام السوري إذا طُبّقت، إلا أنها لم تدخل حيّز التنفيذ لأن الأرضية الشعبية غير مستعدة بعدُ للقبول بالنظام، خاصة في إدلب، التي تشهد حراكاً شعبياً صاخباً لإزالة قائد هيئة تحرير الشام الذي كان يسعى لتهيئة الشارع الثوري، عبر القمع والتدجين والتضليل، للقبول بتنفيذ القرارات الدولية بشأن سوريا، والتي تتضمّن إبقاء عصابة الأسد، وجعْلها شريكاً أساسياً في السلطة.
من هذا المنطلق أقول: إن الحراك الشعبي في إدلب يمتلك فرصة تاريخية لإفشال المخططات الدولية المتعلقة بالثورة السورية، إذا تمكّن من إزالة قائد الهيئة “الجولاني”، ومن لفّ لفَّه، إذ إن هذا المجرم السفّاح مجرد أداة محلية لتنفيذ البرنامج الأميركي في سوريا، الذي يشمل إيقاف قتال النظام وحماية مناطق سيطرته، وكتم النفس الثوري، وإشغال الناس بالمُلهيات وسفاسف الأمور، حتى تخور العزائم وتبرد الهمة وتُنسى القضية وتُمهّد الأمور لإنهاء الثورة عملياً بالضربة القاضية.
لذلك، يجب على أهلنا في المحرر الثبات في الميدان، والتمسك بالمطالب التي خرج الحراك لأجلها، والانتباه إلى مكائد الولايات المتحدة ووكلائها في المنطقة، الذين يراقبون فعاليات الحراك وينتظرون إلى أي طرف ترجح الكفة، ولا يستبعد أن يتم التدخّل -أو السماح للمنضبعين بها- في لحظة ما لإيقاف الحراك عبر إزاحة الجولاني واستمرار نفس النهج القائم في إدلب، من تجميد الجبهات ومحاصرة الثورة بأسلوب ناعم وقبضة أمنية مخفّفة، وتيسير اقتصادي ومالي، ليشعر الناس بتحقيق أهدافهم فيعودوا إلى بيوتهم وتنتهي الأمور. كما يقول المثل الشعبي الشهير “كأنك يا بو زيد ما غزيت”.
لكنْ يستطيع الثوار أن يتجنّبوا هذا المآل الوخيم إذا تسلّحوا بالوعي، ورفضوا الحلول الترقيعية، وامتنعوا عن الوقوف في منتصف الطريق، وكانوا خُبراء بواقع الشخصيات داخل وخارج الحراك، ومدى استقلالها أو ارتباطها بالدول، فلا يقبلوا إلا الأشخاص المنتمين لعقيدة الأمة، الملتزمين بأهداف الثورة، الممتنعين عن التعامل مع الدول الإقليمية والغربية، المتحصّنين بالبصيرة السياسية والمشروع الدستوري الإسلامي. بذلك يصِح الطريق وتتحقق الغايات، ويرضى رب الأرض والسماوات.
منتدى قضايا الثورة