السفير معصوم مرزوق يكتب: الدبلوماسية وفوهة المدفع
الدبلوماسية هي الإطار العام الجامع لتوظيف أمكانيات مجتمع بشري من أجل تحقيق مصالحه في مواجهة الخارج.
وهذه الإمكانيات تتراوح بين قدرات عسكرية واقتصادية وثقافية وسياسية، وبين مهارات التوظيف التي لا تفلت فرصة لتحقيق مهمة في اتجاه مصلحة ما.
أي أن الدبلوماسية في الغالب ليست فعلا منشئا أو مستقلا، وإنما هي جهد دؤوب للكشف عن قدرات موجودة أو يمكن إيجادها أو تسويق وجودها حتى إذا انعدمت.
الدبلوماسية هي الحرب الناعمة التي تسبق وتواكب وتلي الحرب الخشنة، فحين تسكت المدافع، لا تسكت المعركة الدبلوماسية، بل ربما تشتد، وقد تفشل في حصد نتائج الحرب الخشنة، أو ربما يقود فشلها إلي حرب خشنة جديدة.
من الممكن، وأحيانا يكون مستحبا، إطلاق بالونات دبلوماسية ملونة بمقترحات أثناء الاشتباكات الفعلية في محاولة لقياس رد فعل الخصم حيال التسوية بعد صمت المدافع، أو لتهيئة الرأي العام الدولي لمسار يكتنفه بعض المصاعب.
إلا أن ممارسة هذا الأسلوب يجب أن تتم بحنكة وحرص واجب، لأن بالونة اختبار غير مدروسة قد تتحول إلى التزام قانوني على من أرسلها في فضاء الصراع، ويصبح من الصعب عليه أن يتحلل منها.
الأسوأ هو التعجل في اقتراحات غير ناضجة، أو تعرقل التسلسل الذكي للعمل الدبلوماسي الذي يعتمد على نظرية ” الخرشوفة “، أي القضمات المحسوبة، وصولا إلى القلب والجوهر.
عندما تكون المدافع والقوات لا تزال في مبارزة لم يتضح بالكامل شكلها النهائي على الأرض، فأن المغامرة بإقحام مقترحات وحلول قد تؤدي إلى إطالة زمن القتال، إذا وجد طرف أن هذه المقترحات يمكن تحسينها بمزيد من النيران، أو قد تؤدي إلي إحباط وهزيمة مبكرة لطرف كان يمكنه أن يحسن وضعه التفاوضي.
الدبلوماسية مهمة نبيلة، ولكنها أيضا وظيفة معقدة تتطلب دراسات دقيقة وجهود إبداعية قد لا تتوافر لكل إنسان، لذلك فأن الأمم الذكية لا تكلف أي أشخاص بهذه الوظيفة، إذا أرادت أن تحقق مهام مصلحتها القومية.
السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق