في ظل عالم يشهد تحولات سريعة في مجال التكنولوجيا والمعرفة، تبرز الفجوة التعليمية كواحدة من أهم التحديات التي تواجه الدول النامية. وبينما تحقق بعض الدول تقدمًا ملموسًا في جودة التعليم ومخرجاته، تعاني دول أخرى من أزمات مزمنة في البنية التعليمية، تؤثر سلبًا على مستقبل أجيالها.
دول تتصدر المشهد التعليمي
تحتل فنلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية مراكز متقدمة عالميًا في كفاءة التعليم، وفقًا لتقارير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). تعتمد هذه الدول على استراتيجيات تعليمية متقدمة، تقوم على التدريب المستمر للمعلمين، والمناهج الحديثة، والتركيز على مهارات التفكير النقدي والابتكار.
يُعرف عن النظام الفنلندي مثلًا أنه يمنح الطلاب بيئة تعليمية مرنة، ويُعلي من قيمة المعلم، حيث يخضع لاختبارات دقيقة ويُعتبر من أصحاب المهن المرموقة. في سنغافورة، تُعد مهنة التدريس من أكثر المهن تنافسية، وتتمتع المدارس بموارد ضخمة، وتخضع لرقابة دورية صارمة لضمان الجودة.
واقع متردٍ في بعض الدول النامية
في المقابل، تواجه دول عديدة في إفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا تحديات خطيرة في قطاع التعليم، أبرزها نقص التمويل، وازدحام الفصول، وقلة الكوادر المؤهلة، وضعف البنية التحتية. ويُعد اليمن، وجنوب السودان، والنيجر، من بين الدول التي تشهد مستويات متدنية في نسب الالتحاق بالمدارس وجودة التعليم.
ووفقًا لتقارير اليونسكو، فإن أكثر من 250 مليون طفل في سن التعليم لا يجيدون المهارات الأساسية للقراءة والكتابة، رغم التحاقهم بالمدارس، ما يشير إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في الوصول إلى التعليم، بل في جودته كذلك.
أسباب الفجوة
تعود أسباب الفجوة التعليمية بين الدول إلى عدة عوامل، منها:
الاستثمار في التعليم: الدول المتقدمة تخصص نسبًا مرتفعة من ناتجها المحلي لقطاع التعليم.
الاستقرار السياسي والأمني: الحروب والصراعات تُعد من أكبر معوقات التعليم في الدول المتعثرة.
الإرادة السياسية: بعض الحكومات لا تضع التعليم ضمن أولوياتها، مما يؤدي إلى إهمال مزمن في تطويره.
آراء الخبراء
يرى خبراء من اليونيسف أن ثلث أطفال العالم في سن العاشرة فقط قادرون على قراءة قصة بسيطة وفهمها، في تراجع ملحوظ بالمقارنة مع النصف قبل الجائحة، مما يشير إلى أزمة تعلم عميقة ([وفق اليونيسف]) .
وتؤكد الأمم المتحدة أن حوالي 70٪ من الأطفال في البلدان الفقيرة لا يستطيعون قراءة نص بسيط، سواء كانوا ملتحقين بالمدرسة أو لا، ممثلة أزمة نظامية تتجاوز الوصول إلى التعليم ([وفق الأمم المتحدة]) .
ووفق البنك الدولي، تعاني 7 من كل 10 أطفال في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من فقر تعلم، وهو ما أكد عليه خايمي سافيدرا بالدعوة إلى برامج تعويضية وطنية وتمويل مستدام ([وفق البنك الدولي]) .
في العالم العربي، تشير يونيسكو إلى أن 43 ٪ من الأطفال يفتقرون إلى الأساسيات التعليمية مثل قراءة جملة واحدة، بسبب تدني تأهيل المعلمين وضعف المناهج ([وفق اليونسكو]) .
كما لفت تقريرها إلى تباطؤ معدلات القيد في مرحلة ما قبل الابتدائي بمقدار 9 ٪ فقط خلال 12 سنة، ناتج عن افتقاد الوعي بأهمية هذه المرحلة ([وفق تقرير) .
وتلفت منظمة اليونيسف الإقليمية إلى وجود 22 مليون طفل في المنطقة خارج المدرسة أو معرضين للتسرب، مع فجوة كبيرة في الأداء حسب مؤشرات TIMSS ([وفق اليونيسف الإقليمي]) .
يتفق الخبراء على أن “تحول التعليم يبدأ بالمعلم” وأن الإرادة السياسية واستراتيجية شاملة تستند إلى شراكة مجتمعية، هي الأساس لسد فجوة التعلم وتمكين الأجيال من مستقبل أفضل.
في النهاية لا يمكن لأي دولة أن تحقق تنمية حقيقية بدون نظام تعليمي قوي. فالتعليم هو حجر الأساس لبناء الإنسان، وصمام الأمان لمجتمعات مستقرة واقتصادات مزدهرة. وعلى الدول المتأخرة في هذا المضمار أن تعيد النظر في سياساتها، وتستلهم التجارب الناجحة، إن أرادت اللحاق بركب المستقبل.