تواجه إيران أزمة تمريض متفاقمة تنذر بعواقب وخيمة على نظام الرعاية الصحية وحياة المواطنين، حيث كشفت تصريحات مسؤولين حاليين وسابقين في قطاع التمريض عن أرقام صادمة تشمل بطالة عشرات الآلاف من الممرضين، وهجرة آلاف آخرين بحثاً عن ظروف أفضل، ونقصاً حاداً في الكوادر التمريضية داخل المستشفيات.
أوضح محمد شريفي مقدم، الأمين العام لمنظمة “بيت الممرض” المسجلة لدى النظام، أن التقديرات الحالية تشير إلى وجود “حوالي 50 إلى 60 ألف ممرض عملياً عاطلون عن العمل في المنازل”.
وأرجع ذلك بشكل كبير إلى تدني الأجور، قائلاً: “يبلغ الحد الأقصى لما يتقاضاه الممرض حوالي 15 مليون تومان (شهرياً)، في حين أن نفس الشخص بنفس التخصص يمكنه الحصول على آلاف الدولارات شهرياً في الدول الأوروبية أو الأمريكية أو حتى منطقة الخليج”.
وأكد أن “إحصائيات هجرة الممرضين الإيرانيين التي تجاوزت 3000 شخص في السنوات الخمس الأخيرة، تُظهر أزمة عميقة من السخط والضغوط المهنية في هذه الحرفة”.

ففي مارس الماضي ، كشف أحمد نجاتيان، الرئيس السابق لمنظمة التمريض التابعة للنظام، عن “نقص يبلغ مئة ألف ممرض في إيران مقارنة بعدد أسرة المستشفيات، بالتزامن مع هجرة آلاف الممرضين من إيران بسبب المشاكل المعيشية”.
ونقلت وكالة أنباء “عصر إيران” الحكومية عنه في 28 مارس قوله: “للأسف، بسبب نقص الممرضين، يتم استخدام أشخاص إما ليسوا ممرضين أو هم ممرضون لكنهم يفتقرون إلى المؤهلات الكافية”.
وأشار نجاتيان إلى أن “ما بين 3000 إلى 3500 ممرض يتقاعدون سنوياً، لكن قدرة استيعاب القوى العاملة الجديدة، خاصة في قطاع التمريض، لم تتجاوز حوالي 10 آلاف شخص في السنوات الماضية، وهو رقم لا يكفي حتى لتغطية النقص”. وفي تصريح سابق له في ديسمبر/كانون الأول 2023، أكد نجاتيان أن “ما يزيد عن عشرة آلاف من أفضل الممرضين في إيران قد هاجروا”.
أكد محمد شريفي مقدم أن معظم الممرضين في إيران، وخاصة الذكور، “يضطرون للعمل في نوبة مسائية بالإضافة إلى نوبتهم اليومية، لأن نفقات المعيشة لا يمكن تأمينها بنوبة عمل واحدة”، الأمر الذي يؤدي إلى “إرهاق شديد ناجم عن العمل المفرط”.
وكان قد حذر سابقاً من أن “النقص الحاد في الممرضين في إيران أدى إلى وفيات بين المرضى في مستشفيات البلاد”.

وأضاف شريفي مقدم أن وجهات هجرة الممرضين الرئيسية هي ألمانيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وكندا، وأن “أكثر من 3000 ممرض يهاجرون من البلاد سنوياً، لكن وزارة الصحة لا تضيف حتى هذا العدد إلى الكادر العلاجي”.
يُذكر أنه خلال العام الماضي، نظم الممرضون وكوادر العلاج في إيران مئات التجمعات والمسيرات في معظم مدن البلاد، احتجاجاً على الظلم والظروف المعيشية القاسية.
وتشير العديد من التقارير المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن أزمة قطاع التمريض في إيران هي جزء من انهيار أوسع في نظام الرعاية الصحية، يعود لأسباب متعددة منها الفساد المستشري، وسوء الإدارة، وتخصيص ميزانيات ضخمة للقطاعات الأمنية والعسكرية على حساب الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى تأثير العقوبات الاقتصادية التي تحد من قدرة البلاد على استيراد المعدات الطبية والأدوية الحديثة.
كما أن القمع الموجه ضد أي احتجاجات مهنية، بما في ذلك احتجاجات الكوادر الطبية، يفاقم من حالة اليأس ويدفع بالكفاءات إلى الهجرة. هذه الأزمة المتعددة الأوجه لا تهدد فقط صحة المواطنين بشكل مباشر، بل تزيد أيضاً من السخط الاجتماعي وتآكل الثقة بمؤسسات النظام.
إن هذه الكارثة في قطاع التمريض، بأبعادها المختلفة من بطالة وهجرة ونقص، لا تعرض فقط حياة المرضى للخطر المباشر، بل تمثل أيضاً استنزافاً خطيراً لرأس المال البشري في إيران، وتكشف عن فشل ذريع لسياسات النظام في الحفاظ على أهم دعائم المجتمع وهو قطاع الصحة