أخبارسلايدر

توصيات هيئة علماء المسلمين في العراق قبيل القمة العربية في بغداد

الأمة| أصدرت هيئة علماء المسلمين في العراق، بيانا قبيل انعقاد القمة العربية في بغداد، يجمل أبرز الأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية.

نص البيان:

بمناسبة القمة العربية المقرر عقدها في بغداد وتطورات الأحداث السياسية والأمنية في العراق والمنطقة
الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن مجريات الأحداث في كل من: العراق، وسوريا، وفلسطين، والسودان؛ لا تنفك تضع الأمة بثوبيها الإسلامي والعربي أمام مسؤوليات تتجدد وتتزايد، في ظل تحديات تتفاقم شدتها وتتسع مدياتها، وتتعقّد فيها المشكلات على نحو تبلغ فيه المآسي والآلام ذروتها مع مرور الأيام وتقادمها.
ففي فلسطين وغزة على وجه الخصوص؛ بلغت الأزمة والكارثة الإنسانية مستوى غير مسبوق، حين تجاوز عدد الضحايا، ما بين شهيد ومصاب: (171) ألف إنسان، تجتمع عليهم أسباب الموت السريع منها والبطيء ما بين: القصف الوحشي وجرائم الإبادة الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من سنة ونصف موغلًا بدماء وآلام أبناء غزة الذين أمسوا مشردين على أرض يباب حيث لا مأوى ولا أمان، والمجاعة التي تتفاقم هي وتداعياتها فتفتك بالصغار والكبار على حد سواء، فضلًا عما يجري في القدس والضفة الغربية من انتهاكات لا تلحظها أضواء وسائل الإعلام كما ينبغي، من: الاعتقالات، والتهجير، وهدم المساكن، ومصادرة الأراضي، وغير ذلك من صور الإجرام التي تتوالى يوميًا أمام أنظار ومسامع الرأي العام والمجتمع الدولي اللذين يعيشان في عالم باتت مشاهد موت المسلمين ومآسيهم مألوفة بالنسبة له فغدت قوانينه مجرد حبر على ورق لا قيمة لها في ميدان التطبيق ولا أثر لها في تحريك ساكن أو كبح متحرك فضلًا عن وخز ولو يسير في ضميره الإنساني.
وفي السودان؛ حيث تتمادى ميليشيات (الدعم السريع) في العبث بحياة الناس ومصائرهم، بإصرارها على ارتكاب المجازر وجرائم القتل الجماعي التي تطال الأطفال والنساء والرجال على حد سواء، وتعمل جاهدة على إدامة سعار الحرب التي لم تذر من أخضر البلاد ويابسها شيئًا إلا أتت عليه، ولا سيّما وأن هذه الميليشيات -التي يحركها تفويض ودعم قوى دولية وإقليمية لا تضع قيمة للإنسان أمام مصالحها السياسية والاقتصادية- قد أخذت مؤخرًا تستخدم إستراتيجية الهجمات على القرى والبلدات السودانية بواسطة الطائرات المسيّرة، التي تعد واحدة من أكثر أساليب العدوان إجرامًا، في سعي منها للانتقام من المدنيين بعد خسائرها في الأسابيع القليلة الماضية وفقدانها السيطرة على عدد من المدن والمناطق المهمة في البلاد.
وفي سوريا؛ تتضح مقاصد القوى الغربية تجاه المشهد الجديد بعد انتصار الثورة السورية، وهي تراقب -دون فعل أو موقف معتبر -الانتهاكات التي يقوم بها كيان الاحتلال الصهيوني في عدوانه الآثم على مناطق متعددة من البلاد، التي استهدف فيها مؤخرًا محيط القصر الرئاسي في العاصمة )دمشق( ومراكز عسكرية وحيوية مهمة، في رسالة واضحة الغايات تُستعمل فيها الورقة الطائفية وسيلة لتمرير مشاريع تهدد كيان البلاد ووحدتها ومستقبل أبنائها؛ ومع ذلك؛ فإن من المفيد في هذا المقام التذكير بأن كيان الاحتلال لم يكن على هذا النحو من التمادي في عدوانه على سوريا إبان النظام المخلوع، الذي طالما استخدم أسلوب علو الصوت في محاولة تمرير مزاعم العداء بين حليفه المحور الإيراني وبين محور الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، في إثبات آخر ودليل واقعي على حقيقة الصراع والتحالفات والتخادمات والمشاريع التي تعبث بالمنطقة وتستهدف شعوبها.
أمّا في العراق؛ فإن الحال يغني عن المقال؛ ففي ظل الصراع المحموم بين القوى السياسية، واستغلال الخلافات، واللعب مجددًا على وتر الطائفية تمهيدًا للدخول في حلبة الانتخابات المقبلة بعد بضعة أشهر، والاستعداد لما هو قديم متجدد من سياسة استبدال الوجوه ما بين عقوبة على هذا أو عفو عن ذاك؛ يثبت النظام القائم في بغداد أنه مجرّد من السيادة، وعارٍ عن الاتصاف بما يعبر عن تأريخ العراق وحاضره بحكومة حقيقية أو مشروع وطني جاد، وأن استمرار قيامه دون ركائز يُعتد بها؛ سببه هو وجود حبل من الولايات المتحدة وحبل من إيران؛ يتآزران على بقائه وديمومته لما فيه من مظنة تحقيق مصالح وجني مكاسب على المديات القصيرة والبعيدة.
ومما يؤكد ما تقدم من وصف ويصادق عليه؛ عدم جرأة حكومة الاحتلال التاسعة في بغداد على اتخاذ مواقف سيادية في كثير من الأمور والشؤون المهمة؛ بانتظار ما تسفر عنه المحادثات بين واشنطن وطهران، ومن ذلك رضوخها لزيادة عدد جنود قوات الاحتلال الأمريكي في العراق بعد انسحاب قسم منها من سوريا؛ لتكشف بذلك -مجددًا- عن مغالطاتها هي وميليشياتها التي تدّعي مقاومة الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، فضلًا عن تقيدها بأصفاد ما يسمى (التوافق السياسي) في تسيير الأمور واتخاذ القرارات والمواقف، ولعل في اعتراف ما يدعى برئيس مجلس النوّاب الحالي مؤخرًا بوجود “ملفات فساد إذا كُشفت فسينهار النظام السياسي في العراق”؛ أوضح دليل على ذلك.
إن سعي القوى المتحكمة بالنظام السياسي في العراق الداخلية منها والخارجية نحو عقد مؤتمر القمة العربية في (بغداد) بعد منتصف شهر (أيار) الجاري على الرغم من فقدان هذا النظام لمؤهلات اللازمة لذلك أمنيًا وسياسيًا؛ أنموذج معبرٌ عن محاولات فرض اعتراف قسري على الدول العربية في التعاطي مع حكومات بغداد غير الشرعية، التي تهرول لاهثة بخطوات لا حصر لها لتقديم الولاء لطهران على حساب تعاطيها مع هذه الدول، المرتبطة معها بوشائج الماضي والحاضر والمستقبل.
وفي سياق هذا كلّه؛ يلتهب الصراع داخل العملية السياسية بين أحزاب السلطة وقواها وميليشياتها، فما بين تناقض بشأن الموقف من دعوة الرئيس السوري للمشاركة في القمّة، وإطلاق الميليشيات على ألسنة زعمائها تهديدات له؛ تتولد المخاوف لدى حكومة بغداد من التوقعات المتنامية بعدم حضور غالب رؤساء الدول العربية؛ لتزامن موعد القمة مع زيارة متوقعة للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) للمنطقة مما قد يُقلِّل من أهميتها ويفرغها من معناها ومحتواها، في الوقت الذي يسعى رئيس الحكومة الحالية محمومًا لإنجاحها؛ ولو على سبيل مجازي؛ لاستغلالها انتخابيًا وزيادة حظوظ التجديد لولاية ثانية له، وهو ما يتقاطع مع ماهو معلن من رغبات (الإطار التنسيقي) وميليشياته.
إنّ ما تقدم جميعه يحمّل الأمّة كلّها مسؤوليات جسامًا، ويضعها أمام مساءلة شديدة الوقع والأثر، قد يكون مصيرها مرتبطًا بها؛ لأن في حركة التأريخ وتقادم الأجيال أمثلة كثيرة تعبّر عن سنن الله -تبارك وتعالى- ومآلاتها ولا سيّما في حالات الصراع مع العدو ومراحله التي تتطلب قولًا وفعلًا وتغييرًا ناجزًا؛ فإنه -سبحانه- يقول: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚوَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ [محمد: 38].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى