“اللغة المنسية”… رحلة إريش فروم إلى أعماق الأحلام والأساطير
كتاب يُعيد قراءة اللاوعي من خلال الأحلام والحكايات الشعبية والرموز القديمة
الكتاب: اللغة المنسية: دراسة ممهدة لفهم الأحلام والحكايات الشعبية والأساطير
المؤلف: إريش فروم
في كتابه الشهير “اللغة المنسية” يأخذنا عالم النفس والفيلسوف الإنساني إريش فروم في رحلة ممتدة إلى قلب اللاوعي الإنساني، عبر بوابة الرموز، والأساطير، والأحلام، والحكايات الشعبية.
هذا العمل لا يقدّم فقط أدوات لفهم النفس، بل يسعى إلى إعادة اكتشاف اللغة الرمزية التي نطقت بها الإنسانية منذ أقدم العصور، قبل أن يطغى عليها العقل الأداتي والمنطق الصارم.
مضمون الكتاب وأهميته
يرى فروم أن الأحلام والأساطير ليست مجرد أوهام أو خرافات، بل لغة ثانية للإنسان، لغة مشحونة بالمعاني النفسية والرمزية، تتحدث عن الصراعات، والرغبات، والقلق الوجودي، والشوق إلى المعنى. من هنا، فإن تعلم “قراءة” هذه اللغة يعادل الدخول إلى أعماق الذات البشرية.
يطرح الكتاب فرضية أن الحكايات الشعبية والأساطير القديمة تشترك مع الأحلام في بنيتها ورمزيتها، وتُعد تعبيرًا جماعيًا عن اللاوعي الجمعي، تمامًا كما تُعبّر الأحلام عن اللاوعي الفردي. لذا، فإن فهم هذه الرموز يُعين على فهم الإنسان في جوهره، عبر العصور والثقافات المختلفة.
أبرز الفصول والأفكار
لغة الرمز مقابل لغة العقل: يميّز فروم بين اللغة العلمية المباشرة ولغة الرمز التي تستخدم في الحلم والأسطورة، مؤكدًا أن الأخيرة أكثر قدرة على التعبير عن التعقيدات النفسية.
كيف نقرأ الأحلام؟: يقدّم المؤلف طرقًا لتأويل الأحلام دون الوقوع في التفسير الميكانيكي كما فعل فرويد، أو الغنوصي الغامض كما اتُّهم يونغ.
الرمز الشخصي والرمز الجمعي: يفرق فروم بين الرموز التي تعني شيئًا خاصًا بالفرد (رمز شخصي)، وتلك التي تظهر في ثقافات متعددة بمعانٍ متقاربة (رمز جمعي)، مثل البحر، الأم، الطائر، الشجرة…
الأسطورة كمرآة للنفس: يستعرض نماذج من الأساطير العالمية، ويكشف عن بنياتها النفسية، مثل صراع الخير والشر، رحلة البطل، النزول إلى العالم السفلي، الميلاد الجديد.
الحكايات الشعبية كمرشد نفسي: يرى فروم في الحكايات الشعبية أدوات تربوية رمزية، ترشد الطفل إلى تجاوز مخاوفه وإدراك ذاته.
اقتباسات لافتة من الكتاب
“الحلم ليس عبثًا من العقل، بل لغة أخرى يجب أن نتعلم كيف نقرؤها.”
“الرمز ليس شيئًا غامضًا، بل شكل من أشكال الحقيقة الداخلية.”
“في داخل كل إنسان أسطورة، وفي كل أسطورة حلم جماعي.”
عن المؤلف: إريش فروم
إريش فروم (1900–1980) هو أحد أبرز مفكري القرن العشرين في مجال علم النفس الاجتماعي والتحليل النفسي والفلسفة الإنسانية. وُلد في ألمانيا وهاجر إلى أمريكا هربًا من النازية، وهو ينتمي إلى التيار الفرويدي الإنساني، الذي يدمج بين التحليل النفسي والفكر الفلسفي والاجتماعي.
من أشهر أعماله:
الخوف من الحرية
أن تكون إنسانًا
فن الحب
تشريح التدمير الإنساني
وتتميّز كتاباته بجمعها بين العمق النظري واللغة السلسة، مع اهتمام واضح بالقضايا الإنسانية الكبرى مثل الحُب، الحرية، الخير، والعدالة.
البعد السياسي والثقافي
رغم أن “اللغة المنسية” كتاب في علم النفس الرمزي، إلا أن له أبعادًا ثقافية وسياسية عميقة؛ إذ يشير إلى كيف فقد الإنسان المعاصر علاقته بجذوره الروحية والرمزية، في عالم مادي واستهلاكي. فبهذا، يصبح فقدان “اللغة المنسية” رمزًا لفقدان الهوية الإنسانية في زمن الحداثة، ويُطرح السؤال الضمني: هل يمكن للمجتمعات أن تُشفى إن استردّت قدرتها على الحلم؟
“اللغة المنسية” ليس مجرد كتاب عن الأحلام، بل هو دعوة لاكتشاف الذات الإنسانية العميقة. إنه عودة إلى لغة الروح الأولى، التي نسيناها في زحمة الحياة اليومية، والتي قد تكون المفتاح لفهم أنفسنا والعالم من حولنا.