“الناشر المحترف..مداخل أساسية لصناعة النشر”..كتاب يتناول تطورات حركة النشر

الأمة: يقول محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب في مقدمة كتاب “الناشر المحترف..مداخل أساسية لصناعة النشر” للدكتور خالد عزب :
ان صناعة النشر في الوطن العربي تمر بمرحلة حرجة اليوم، فهي ما بين الانطلاق والتعثر، إن العديد من الأسباب تقود إلى تراجع حركة النشر العربية منها:
– تراجع الكتاب التعليمي التقليدي الذي كان محورًا أساسيًا في نهوض الكتاب العربي وصعوده، ومع اعتماد الجامعات الكتاب الرقمي تراجعت عن التعامل مع الناشر العربي وفضلت دور النشر الأجنبية.
– التحولات والتطورات المتسارعة في التحول إلى فضاء النشر الرقمي، مما يضع النشر العربي على المحك إما الاستجابة لهذه المتغيرات أو الخروج خارج حلبة السباق.
إن ما سبق يلخص ما نحن ذاهبون إليه، لكننا لابد وأن نشير إلى أن الناشر العربي امتلك أدوات النشر وارثًا العديد منها من الوراقين والنُساخ العرب الذين تمركزوا حول المساجد الكبرى في المدن.
مثل المنطقة حول الجامع الأزهر التي تضم تجمعًا كبيرًا لدور النشر الذين مازالوا يعملون إلى اليوم ومكتبات شارع المتنبي في بغداد،
ثم التطورات التي حدثت منها فضاء الطباعة حتى صار لدينا ما يطلق عليه اصطلاح “الكتبيين” مثل: الحلبي والخانجي ومكتبات عريقة مثل المتنبي في بغداد وغيرهم.
لكن ما نحن ذاهبون إليه يطرح تساؤلات حول ما هو النشر، ومن هو الناشر المحترف وكيف يعمل؟ هل هناك معايير واضحة للنشر، وما هي فضاءات النشر الجديدة؟
تساؤلات مهمة وهي فارقة لمستقبل حركة النشر العربية..
إن الأزمة الحقيقية تنبع من بنية صناعة النشر العربية التي باتت في حاجة لمراجعة شاملة، حتى صرنا في اتحاد الناشرين العرب لدينا هموم متراكمة عبر سنوات طويلة، جاءت أزمة كورونا ثم الحروب الأخيرة.
إن منشأ أزمة الكتاب العربي تأتى من افتقاد سياسات الكتاب في الوطن العربي، فليس لها أسس جرى الاستقرار عليها، أولها إتاحة الكتاب للقارئ عبر سلاسل من المكتبات العامة،
لديها سياسات تزويد واضحة مستدامة، تكفل للناشر أن يضع خطط نشر على مدى زمني طويل، فالمكتبات العامة أعدادها دون الحدود الدنيا في العديد من الدول العربية.
لنرى بعد ذلك التطورات التقنية تمثل طفرات في صناعة النشر، وفي ذات الوقت فإن الكتاب العربي الذي اعتدناه بات أمام محك جديد بين: الرقمي/ الورقي، فأصبح الناشر التقليدي الذي حدث تقاليد مهنية منذ عقود بحاجة إلى الدعم التقني المستمر
حتى يواكب المتغيرات المتسارعة ويستطيع أن يتفاعل معها، من هنا جاءت هذه الدراسة لتقدم بعضًا مما سنذهب إليه مستقبلًا في اتحاد الناشرين العرب، إذ سنحاول جادين سد العديد من الثغرات بين الناشر والفضاء الرقمي ومعطياته.
إن السباق على الاستحواذ على القارئ العربي، يتطلب مجهود مضاعف، إذ أن العديد من دور النشر الأجنبية صارت المنطقة العربية على قوائمها، من هنا فنحن أمام صراع بقاء نكون أو لا نكون.
أو بمعنى أدق هل ستكون صناعة النشر العربية عربية، أم أن شركات التوزيع الرقمي والنشر العملاقة العالمية ستستحوذ على هذا القارئ.
تأتي الخطورة من مدخلات النشر: ورق- أحبار- برمجيات، وكلها للأسف مستوردة من خارج المنطقة، وتكلفتها في تصاعد مستمر ويفرض عليها رسوم جمركية وضرائب،
هذا ما يشكل عبئًا ضاغطًا على سعر الكتاب العربي، الذي ما زالت القدرات التسويقية له محدودة للغاية، حتى قلت الكميات المطبوعة من كل عنوان، ما يضعنا على المحك،
ويدفعنا للتساؤل حول ” اقتصاديات النشر”، هل لدينا عربيًا دراسات جدوى لعمل دور النشر، وتكلفة واقعية للكتاب في ضوء مدخلاته ومردود جيد على الناشر، وحركة كتاب تكفل دورة مالية جيدة للناشر، تكون محفزة له على المزيد.
توضيح إن واحدة من معضلات النشر حاليًا، هي اندماج المرئي والمسموع والمكتوب في فضاء الكتاب، هذ كله جعل من إنتاج المحتوى عملية معقدة، تتطلب كوادر جيدة التدريب،
مما دفعنا في اتحاد الناشرين العرب لطرح تساؤلات حول التدريب المهني وصناعة النشر، طارحين إلى الآن عدد من الأفكار والمشاريع التي نأمل اطلاقها.
إن إدراكنا أن الناشر العربي يحقق عبر سنوات تراكمًا من خلال خطط النشر التي يقوم بها، جعلنا ننبه في هذه الدراسة إلى العلامة التجارية للناشر والحقوق المترتبة له أثناء وبعد عملية النشر،
من هذا المنطلق فإن تقسيم دور النشر العربية حال طرحها للبيع به نقص شديد في تقدير القيمة الحقيقية، في ضوء جهود لم يجرى احتسابها،
كما أننا رأينا أن العديد من دور النشر العربية حين إغلاقها، تفقد حقوق نشر لمئات العناوين دون طرح أو نقل هذه الحقوق لناشر آخر، وهذه النقطة على وجه التحديد في حاجة لمزيد من الدراسة والبحث.
كل ما سبق هو محط اهتمامنا في اتحاد الناشرين العرب، وهذه الدراسة ماهي إلا إحدى الأدوات التي نطرح بعضًا مما لدينا عبرها.
—————————–
ويتساءل د. خالد عزب مؤلف الكتاب : لماذا يبدو الآن أن صناعة النشر في مرحلة جديدة؟
إن الانتقال إلى الكتب التفاعلية والرقمية يلقى بظلاله على صناعة النشر، وهو ما يجعلها صناعة مغايرة لتلك التي عرفناها منذ القرن 19م، فمؤهلات دور النشر وقدرات العاملين بها صارت تتطلب العديد من المهارات التي لم تعد هي المهارات التي يجرى اكتسابها بالوراثة أو الاحتكاك،
لذا بات التعليم والتدريب المستمر لتطوير الخبرات أمران لا مفر منهما، من هنا بدأت العديد من الدول في إنشاء معاهد وكليات وبرامج للنشر، وهو ما تفتقده المنطقة العر بية بشدة.
كما أن إدارة عملية النشر صارت عملية أكثر تعقيدًا من ذي قبل وصار التسويق له مهارات متعددة، بل وكيفية الإتاحة ورقيًا ورقميًا، لذا فهذا الكتاب “الناشر المحترف.. مداخل أساسية لصناعة النشر” جاء لكى يطرح على الناشر والقارئ والمكتبات ومنصات النشر عدة مداخل مرتبطة بصناعة النشر وتحولاتها، طارقًا معها نماذج وإشكاليات،
ومن المهم في هذا السياق طرح نقاش واسع حولها، يجب أن يتحول النشر من مهنة متوارثة أو مكتسبة إلى مهنة احترافية قائمة على الدراسة وبناء الخبرات والتدريب المستمر لتذهب صناعة النشر لبناء نماذج يمكن الاسترشاد بها ويمكن نقدها وبناء نماذج مغايرة،
ومن هنا فإن طرح هذه المداخل والإشكاليات، الهدف منه إلقاء حجر في مياه لا نقول إنها راكدة بل متحركة لكن جريانها ليس بالقوة المطلوبة، بل المطلوب أن تتحول لسيل جارف، هدير زاعق يلفت الانتباه له ويغير ويتغير مع سيل المتغيرات الجارفة لكل ما هو قديم في تقاليد النشر العربية التي بدأت في القرن 19م،
وإذا لم نستجب نحن العرب لهذا فإن صناعة النشر العربية ستصبح في مهب الريح، وسيصيبها الجفاف، ليحل محلها شركات عابرة للحدود تقطف ثمار المعرفة والعلم، وهذا ما يهدد أمننا الثقافي وهويتنا بل وحتى أمننا المعلوماتي إذا لم نكن جاهزين للمستقبل سنصبح جزءًا من الماضي.
الكتاب وحركة النشر في العالم.. رؤية تحليلية..
إن تقييم حالة النشر في الوطن العربي يتطلب إلقاء نظرة سريعة على صناعة النشر في العالم، من هذا المنطلق فهذا المدخل يذهب إلى تقديم نظرة مركزة حول واقع النشر في العالم عبر عدد من المعطيات،
حيث يذهب عدد من خبراء النشر إلى أن حركة النشر ستشهد في السنوات القادمة نموًا جيدًا، ويعود ذلك لعدة معطيات منها: الشعبية المتزايدة للكتب الصوتية، استمرار الإقبال على الكتب المطبوعة، الطلب المتزايد على الكتب في الأسواق الناشئة.
ويمكن قياس هذه الفرضيات عبر السوق الأهم للكتاب في العالم وهو الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد شهد الكتاب الصوتي بها نموًا بنسبة تزيد علي 20% في عام 2022 ، ففي عام 2021 نشر 74000 كتاب صوتي وفي عام 2020 نشر 71000 كتاب ورقي،
في حين مثلت الروايات الفئة الأكثر نموًا في الكتب المطبوعة فمن بين 788 مليون كتاب مطبوع 40 % منها روايات، تمثل الولايات المتحدة الأمريكية ربع حجم السوق الدولي للكتب، كما أن مبيعات الكتب في الولايات المتحدة زادت بنسبة 21 % خلال عامي 2019 / 2020، لكن المهم أن ندرك أن مبيعات الكتب عبر شبكة الإنترنت تمثل 71 % من حجم المبيعات في الولايات المتحدة.
تزايد عدد الكتب المنشورة في العالم في السنوات الأخيرة حيث نشر 1.5 مليون كتاب في عام 2021، تعد الولايات المتحدة أكبر ناشر في العالم، تليها المملكة المتحدة والصين، ومازالت الإنجليزية هي الأكثر إقبالًا في حركة النشر، تليها الصينية ثم الإسبانية،
ولا مجال هنا للتحدث عن العربية أو وضعها في مقارنة أو مقاربة، من الطرائف التي تشير لها الأرقام أنه من بين كل 1000 رواية ألفت النساء 629 منها، هذا الرقم يقودنا أيضًا إلي زيادة مضطردة في نشر الروايات المؤلفة من قبل أدبيات عربيات في السنوات العشر الأخيرة، فقد مثلن في عام 2019 ما يقرب من 10 % من حجم الروايات المنشورة عربيًا، في حين أنهن مثلن 17 % في عام 2022.
إن كل ما سبق يشير إلى أن دراسة سوق النشر العالمي ضروري لكي يكون هناك وجود عربي علي هذه الساحة، مع تحليل كيفية واتجاهات نمو هذا السوق، ففي عام 2016 قدر عدد الكتب المباعة بحوالي 2.2 مليار نسخة، 72 % منها بيع في الولايات المتحدة والصين وبريطانيا،
ومن المتوقع أن تنمو صناعة النشر الكتاب العام/ التعليمي بنسبة 1.9% سنويًا بحلول عام 2030 سنويًا، علمًا بأن إيرادات نشر الكتب عالميًا قدرت ب 143.65 مليار دولار بينما كانت مقدرة في عام 2018 ب 122 مليار ومن المتوقع أن تبلغ 163.89 مليار دولار عام 2030.
ومن حيث طبيعة الإتاحة لا تزال الكتب المطبوعة تمثل 77 % من حجم المبيعات، بينما من المتوقع أن تنمو الكتب الصوتية بنسبة قدرها 27 % على مدار الخمس سنوات القادمة.
إن هناك متغيرات قادمة في حركة النشر وبالتالي إيراداته دوليًا، فالهند في عام 2019 تجاوزت بريطانيا لتصبح الناشر رقم 5 علي الصعيد الدولي، وهي الآن تجاوزت بريطانيا لتصبح الاقتصاد ال 5 دوليًا ، اليوم الدول الخمس الكبري في حركة النشر هي : الولايات المتحدة/ الصين/ اليابان/ ألمانيا/ الهند، حصتها من السوق الدولي من المتوقع أن تصل عام 2027 ما يقرب من 68 % من إيرادات مبيعات الكتب دوليًا،
ومن الملفت للنظر أن الهند تصدر كتب التعريف بالإسلام والكتب الإسلامية باللغة الإنجليزية للعديد من الدول وهو مجال دور النشر العربية غائبة عنه.
تمثل الكتب الدينية رقمًا مهمًا في حركة النشر علي الصعيد الدولي، ففي الولايات المتحدة ينفق سنويًا 705.1 مليون دولار علي الكتب الدينية، ويقدر عدد النسخ المباعة منها بأكثر من 179 مليون نسخة، ويبيع الكتاب المقدس (الإنجيل) أكثر من 20 مليون نسخة علي الصعيد الدولي علي أقل تقدير بإيرادات تقدر بـ 430 مليون دولار،
لكن الملفت للنظر أنه علي الصعيد العربي تراجع الكتاب الديني من 60 % من حجم النشر في الوطن العربي عام 2015 إلي 41 % عام 2021، لكن في ذات الوقت ما زال هو الأكثر توزيعًا حيث يطبع من الكتاب الديني نسخ أكثر مما يطبع في أي فئة أخري.
ويعد قطاع نشر الكتب التعليمية الأكثر نموًا والأكبر حجمًا حيث يبلغ حجم سوق الكتاب التعليمي عالميًا 3000 مليار دولار “مراجعة الرقم مع السابق” سنويًا والولايات المتحدة هي الأكبر عالميًا تليها أوروبا، حيث يمثل 31.87 % من إيرادات صناعة النشر في الولايات المتحدة في عام 2022،
وفي ذات العام حقق هذا القطاع إيرادات قدرها 8.96 مليار دولار في الولايات المتحدة، لكن علينا التنبه إلي أن كتب التعليم الرقمي في زيادة متسارعة، فمن المتوقع أن تنو بمعدل 17 % سنويًا حتي عام 2027،
وتظل الكتب المدرسية المطبوعة هي الشكل السائد في نشر الكتب التعليمية، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن سوق الكتب الرقمية التعليمية من المتوقع أن يصل إلي 29.5 مليار دولار بحلول عام 2027.
إن غياب الناشر العربي عن النشر الأكاديمي بصورة تواكب المتغيرات الدولية في هذا المجال يمثل علامة استفهام كبيرة، حتي الجامعات العربية التي لديها برامج نشر ما زال دورها محدودًا، ونستطيع أن نقر أن جامعة الكويت وجامعة قطر وجامعة حمد في قطر وجامعة الملك سعود لديها أفضل برامج النشر العربية الأكاديمية.
لكن هذا يقودنا لسبر غور النشر الأكاديمي الدولي وعوائده، فالنشر الأكاديمي يحقق أعلي عوائد ربح علي الصعيد الدولي، لكنه بدأ يواجه مشكلة النشر مفتوح المصدر المجاني، تشير التقديرات إلي أنه يتم نشر أكثر من 5.14 مليون ورقة أكاديمية كل عام، بما في ذلك أوراق المؤتمرات والدراسات الاستقصائية والمراجعات،
وخلال السنوات الخمس الماضية زاد عدد المقالات الأكاديمية المنشورة بنسبة 22.78 %، واحتلت الصين المرتبة الأولي عالميًا في النشر الأكاديمي منذ العام 2022،
وهي أول دولة تنشر أكثر من مليون بحث في العام، مع الأخذ في الاعتبار أن 36 % من عدد المقالات الأكاديمية تأتي من الصين والولايات المتحدة والصين، كما أن 10 دول فقط تنشر 87 % من جميع الأبحاث الأكاديمية في العالم.
ويمثل الكتاب المستعمل رقمًا متصاعدًا في سوق الكتاب المستعمل عالميًا، بالرغم من أنه لا يحظى باهتمام كبير، لكنه له دور متصاعد أيضًا عربيًا خاصة في: مصرو العراق و المغرب، حتى أن مبيعاته على فيسبوك أخذت تنمو بوتيرة متصاعدة عربيًا،
ويقدر حجم مبيعات الكتب المستعملة عالميًا عام 2022 ب 24.03 مليار دولار، بنسبة نمو 5.5% عن عام 2021، أكثر من 50% من الكتب المستعملة تباع في الولايات المتحدة وأوروبا.