تُعد مسرحية “تاجر البندقية” للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير إحدى روائع الأدب المسرحي العالمي، إذ تمزج بين الصراع النفسي العميق، والحبكة الدرامية المحكمة، والأسئلة الأخلاقية التي ما زال صداها يتردد حتى اليوم. كتب شكسبير هذا العمل في أواخر القرن السادس عشر، لكنه ظل حاضرًا على خشبات المسارح وفي قلوب القراء عبر العصور، لما يحمله من قضايا إنسانية خالدة.
القصة والمضمون
تدور أحداث المسرحية في مدينة البندقية الإيطالية، حيث يسعى الشاب “باسّانيو” للحصول على المال ليتمكن من التقدم لخطبة الحسناء الثرية “بورشيا”. يلجأ إلى صديقه التاجر النبيل “أنطونيو”، الذي يوافق على مساعدته رغم أن أمواله جميعها مستثمرة في سفن تجارية لم تصل بعد. يضطر أنطونيو إلى الاقتراض من المرابي اليهودي “شايلوك”، الذي يشترط شرطًا غريبًا وقاسيًا: إذا لم يُسدَّد الدين في موعده، يحق له أن يقتطع رطلاً من لحم جسد أنطونيو.
تتعقد الأمور حين تتأخر سفن أنطونيو، ويطالب شايلوك بتنفيذ الشرط حرفيًا، لتتدخل “بورشيا” متنكرة في زي محامٍ للدفاع عنه أمام المحكمة. هناك تلقي خطابًا خالدًا عن الرحمة التي تعلو على القانون، لتنجح بحكمتها في إنقاذ أنطونيو، وينقلب الحكم ضد شايلوك.
القيم والأبعاد الفكرية
المسرحية ليست مجرد حكاية عن قرض وصفقة، بل هي مرآة لصراعات النفس بين الرحمة والقسوة، وبين القانون والعدالة، وبين الطمع والتسامح. كما أنها تفتح باب التأمل في تصوير شكسبير لشخصية شايلوك: هل هو شرير جشع، أم ضحية مجتمع يضطهده؟
أبرز الشخصيات
أنطونيو: التاجر النبيل الذي يضحي بحياته من أجل صديقه.
باسّانيو: الشاب الطموح الذي يسعى للفوز بقلب بورشيا.
بورشيا: المرأة الذكية التي أنقذت أنطونيو ببلاغة خطابها وفطنة حجتها.
شايلوك: المرابي اليهودي الذي يجسد الصراع بين الانتقام والعدالة.
أهمية المسرحية
“تاجر البندقية” نموذج لأسلوب شكسبير الذي يمزج بين الكوميديا والتراجيديا، ويعالج قضايا إنسانية أبدية. يمكن قراءتها كدراما قانونية، أو كقصة حب، أو كنص فلسفي عن حدود القانون وسماحة الرحمة.
شكسبير المؤلف
ويليام شكسبير (1564 – 1616) شاعر ومسرحي إنجليزي، يُعد أعظم كُتاب المسرح في التاريخ. كتب 37 مسرحية و154 سونيتة، وما زال تأثيره حاضرًا في الأدب والفن العالميين. في “تاجر البندقية”، جمع بين الدراما العاطفية والتعقيد النفسي، مما منح النص حياة متجددة عبر القرون.
مقارنات مع الأدب العربي
في الأدب العربي، نجد أعمالًا تقارب فكرة المسرحية في طرح قضايا العدل والرحمة، مثل رواية “دعاء الكروان” لطه حسين، التي تواجه فيها البطلة قسوة الأعراف برغبة في الإنصاف، أو مسرحية “السلطان الحائر” لتوفيق الحكيم، التي تطرح جدلية القانون والرحمة في الحكم. هذا التشابه يؤكد أن القيم الإنسانية الكبرى تتجاوز حدود الزمان والمكان.
أشهر الاقتباسات من المسرحية
“الرحمة تسقط مثل المطر الهادئ من السماء على الأرض، إنها مباركة لمن يعطيها ولمن يتلقاها، إنها تاج الملوك وعرشهم.”
“تاجر البندقية” ليست مجرد نص أدبي من القرن السادس عشر، بل هي مرآة تعكس وجوه البشر المتناقضة: طيبة القلب، قسوة الطمع، سمو التسامح، وضغط القانون. ولهذا ستظل حاضرة في الأدب والفكر الإنساني، تُقرأ وتُمثَّل وتُحلَّل، لأن أسئلتها الأبدية عن العدالة والرحمة لم ولن تفقد قيمتها.