في السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة انقسامات سياسية واجتماعية غير مسبوقة، حيث تعمقت الفجوات بين مختلف الفئات السياسية والاجتماعية.
في هذا السياق وبحسب دراسة لمركز أمد للدراسات ، يبرز تحالف غير رسمي بين شخصيتين بارزتين هما دونالد ترامب وإيلون ماسك إذ يعتبر كلا الرجلين من أكثر الشخصيات تأثيرًا في المجتمع الأمريكي والعالمي، ولكن بطرق مختلفة تمامًا.
بينما يشتهر ترامب بأسلوبه السياسي المثير للجدل وقدرته على حشد قاعدة جماهيرية قوية، يتمتع ماسك بنفوذ هائل في قطاع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. ولكن هل يمكن لهذا التحالف أن يقود البلاد إلى حالة من الانقسام الذي قد ينتهي بحرب أهلية؟
ومنذ انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في عام 2016، شهدت البلاد زيادة في الاستقطاب السياسي حيث ارتبط ترامب بالعديد من القضايا المثيرة للجدل، بما في ذلك مهاجمته للمؤسسات الديمقراطية التقليدية وتحريضه ضد الإعلام المعارض.
ومن ناحية أخرى، يتمتع ماسك بنفوذ هائل من خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر، والتي استخدمها للتأثير على الرأي العام بطرق لا تقل إثارة للجدل عن ترامب.
من المهم هنا التأكيد علي أن ترامب وماسك كلاهما شخصيات مثيرة للجدل تتحدى الوضع القائم فترامب، الذي بنى قاعدة جماهيرية قوية بين الطبقات العاملة والشعبوية، استغل غضب الناس من المؤسسة السياسية التقليدية.
من جانبه، ماسك، الذي حقق نجاحات كبيرة في مجال التكنولوجيا، يمتلك القدرة على التأثير على ملايين المستخدمين من خلال منصاته التقنية، خصوصًا بعد استحواذه على تويتر.
ومنذ ظهور ترامب على الساحة السياسية، اعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول المباشر إلى جمهوره، متجاوزًا وسائل الإعلام التقليدية
وكان تويتر كان الوسيلة الرئيسية التي استخدمها لنشر رسائله المثيرة للجدل وتحفيز قاعدته. بعد استحواذ ماسك على تويتر، أتاح له هذا التحالف غير المباشر فرصة استخدام هذه المنصة بطرق تعزز من تأثيرهما المشترك.
فيما يعكس تحالف ترامب وماسك تزايد تأثير الشخصيات الفردية على الرأي العام في العصر الرقمي. بينما كان الإعلام التقليدي في السابق يحتكر صياغة الأخبار والروايات، أصبحت الشخصيات المؤثرة مثل ترامب وماسك قادرة على توجيه النقاشات العامة بشكل مباشر، مما يضعف دور المؤسسات التقليدية.
ويمكن لتحالف ترامب وماسك أن يعزز من قوة التيار الشعبوي في الولايات المتحدة. من خلال الوصول المباشر إلى الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن لهذا التحالف أن يدفع برسائل شعبوية تتحدى المؤسسة السياسية والإعلامية التقليدية، مما قد يؤدي إلى تزايد الاستقطاب الاجتماعي والسياسي.
من الثابت أن استمرار هذا التحالف يمكن أن يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية والإعلامية فترامب كان دائمًا ناقدًا للمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام، وغالبًا ما اتهمها بالتحيز ضده وضد قاعدته الجماهيرية. ماسك، من خلال تعزيز خطابات مشابهة على تويتر، يمكن أن يزيد من هذا التأثير، مما قد يؤدي إلى انتشار واسع لنظريات المؤامرة وعدم الثقة بالنظام السياسي.
من خلال تضخيم القضايا المثيرة للجدل والترويج لأفكار مثيرة، يمكن لهذا التحالف أن يؤدي إلى تأجيج التوترات الاجتماعية. يمكن أن يؤدي هذا إلى تفاقم الخلافات بين الجماعات المختلفة في المجتمع الأمريكي، وربما إلى زيادة العنف السياسي.
ويمكن لتحالف ترامب وماسك أن يكون له تأثير مباشر على نتائج الانتخابات المستقبلية من خلال التأثير على الرأي العام عبر تويتر، يمكن لهذا التحالف أن يوجه النقاشات السياسية بطريقة تخدم مصالحهم الخاصة وتضر بالمنافسين السياسيين.
وقد يؤدي التحالف إلى زيادة الاستقطاب بين اليمين واليسار في الولايات المتحدة، في ظل استمرار نشر الرسائل الشعبوية والمعارضة للمؤسسة التقليدية، يمكن أن تتفاقم الانقسامات بشكل يؤدي إلى تصعيد التوترات السياسية والاجتماعية.
وهناك مخاوف من أن استمرار التحالف سيسهم في تأجيج الغضب الشعبي، فإن هذا قد يؤدي إلى زيادة في العنف السياسي، سواء كان ذلك من خلال الاحتجاجات العنيفة أو حتى الهجمات الإرهابية المحلية.
يمكن أن تؤدي تصرفات التحالف إلى تدخلات قانونية من الحكومة أو المؤسسات الرقابية. في حالة انتشار المعلومات المضللة أو التحريض على العنف، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة للتدخل لضبط الوضع.
بل يمكن للتحالف بين ترامب وماسك أن يعمق الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي، حيث يمكن لمواقفهم المشتركة والمتطابقة في بعض الأحيان أن تؤدي إلى تأجيج الغضب بين الجماعات المتعارضة. تزداد المخاوف من أن هذا التأثير قد يؤدي إلى المزيد من العنف السياسي وربما إلى نوع من الصراع الداخلي الذي يمكن أن يصل إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي الحديث. فهل نحن على شفا حرب أهلية؟
ومن المهم الإشارة إلي أن وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر بعد استحواذ إيلون ماسك عليه، أصبحت مساحات مفتوحة لنشر الأفكار المتطرفة والشعبوية فهذه المنصات تعطي صوتًا عاليًا للأفكار التي كانت تعتبر هامشية أو متطرفة في المجتمع، مما يتيح لها الوصول إلى جمهور واسع ويزيد من تأثيرها.
ويمكن للمحتوى المتطرف أن ينتشر بسرعة فائقة على هذه المنصات، مما يجعل من السهل حشد جماهير كبيرة حول أفكار متطرفة أو مؤامرات لا أساس لها. هذا الانتشار يساهم في تعزيز الاستقطاب الثقافي، حيث يصبح من الصعب إقامة نقاشات عقلانية حول القضايا المثيرة للجدل.
وجود منصات مثل تويتر تحت سيطرة ماسك، الذي يُعتبر مناصراً لحرية التعبير حتى على حساب نشر المعلومات المضللة أو الخطيرة، يمكن أن يؤدي إلى تأجيج الصراعات الثقافية. يمكن أن يسهم ذلك في خلق بيئة من العداء المتبادل بين الفئات المختلفة في المجتمع، مما يزيد من احتمالات التصعيد.
كما أن هذا الانتشار قد يؤدي لتزايد انعدام الثقة بالمؤسسات التقليديةفمع انتشار الأفكار المتطرفة وزيادة الاستقطاب، تزداد أيضًا حالة عدم الثقة بالمؤسسات التقليدية مثل الحكومة، القضاء، ووسائل الإعلام التقليدية. يشعر كثيرون بأن هذه المؤسسات لم تعد تمثلهم أو تدافع عن مصالحهم، مما يؤدي إلى شعور بالاغتراب والانفصال عن النظام السائد.
ويشكل تآكل الثقة بالمؤسسات خطرًا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي. بدون الثقة في المؤسسات التي تمثل النظام الديمقراطي والقانوني، يمكن أن يتجه الناس نحو أشكال من المقاومة المدنية أو حتى العنف.
تغذية نظريات المؤامرة: في ظل غياب الثقة، تنتشر نظريات المؤامرة بشكل أكبر، حيث تصبح وسائل التواصل الاجتماعي أدوات لنشر وتضخيم هذه النظريات. يمكن لتحالف ترامب وماسك أن يلعب دورًا في هذا السياق من خلال السماح بنشر محتوى مؤامراتي دون ضوابط كافية.
ويمثل التحالف غير الرسمي بين ترامب وماسك لقاءً بين القوة السياسية الشعبوية والتأثير الإعلامي والتقني. كلا الشخصين يمتلك القدرة على تشكيل وتوجيه الرأي العام بطرق يمكن أن تعزز من الانقسامات الاجتماعية والثقافية.
ولا ينبغي في هذا السياق أن ترامب معروف بتبنيه لخطاب شعبوي يستهدف المؤسسة التقليدية ويعزز الانقسام بين “الشعب” و”النخبة”. من خلال تعاونه الضمني مع ماسك، يمكن لهذا الخطاب أن يجد صدى أوسع وأعمق على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر، مما يزيد من نشر الأفكار المتطرفة ويؤجج الصراعات الثقافية.
ومن خلال استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل مضادة للمؤسسات الحكومية والإعلامية، يمكن لهذا التحالف أن يعزز من تآكل الثقة في هذه المؤسسات. هذا الوضع قد يؤدي إلى تشكك واسع في النظام الديمقراطي، مما يضعف الاستقرار الاجتماعي.
ومع استمرار التحالف في دفع رسائل متطرفة وشعبوية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الاستقطاب بين الفئات المختلفة في المجتمع. هذا الاستقطاب يمكن أن يتحول إلى صراعات علنية، مما يزيد من احتمالات حدوث حرب أهلية ثقافية قد تكون أكثر حدة وخطورة.
وعند استحواذ ماسك على تويتر، كان من الواضح أنه يعتزم تغيير العديد من سياسات الشركة. وقد أعلن ماسك صراحةً عن دعمه لحرية التعبير بشكل غير محدود تقريبًا، مما أثار مخاوف بشأن إمكانية السماح بنشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة.
وقام ماسك بإلغاء العديد من السياسات التي كانت تحظر المستخدمين بسبب نشرهم محتوى يتعارض مع قواعد المنصة السابقة، بما في ذلك إعادة تفعيل حسابات كانت محظورة سابقًا مثل حساب ترامب.
بعد استحواذ ماسك، شهدت المنصة تحولًا ملحوظًا في نوعية المحتوى الذي يبرز على المنصة. زادت بشكل ملحوظ المنشورات التي تعكس أفكار اليمين الشعبوي، بما في ذلك انتقادات حادة للمهاجرين، ودعم نظريات المؤامرة، والمواقف المناهضة للحركات الليبرالية مثل حركة “حياة السود مهمة”
كما شهدنا زيادة في المحتوى الذي يروج لأفكار تقويض الثقة في الانتخابات الأمريكية والمؤسسات الحكومية. وقد أسهم ماسك بنفسه في تعزيز هذا التوجه من خلال تغريداته التي غالبًا ما تحمل نبرة هجومية ضد وسائل الإعلام التقليدية والسياسيين الليبراليين.
وفي ظل استمرار تحالف ترامب وماسك في نشر رسائلهم الشعبوية وتقويض المؤسسات التقليدية، فإن المجتمع الأمريكي قد يواجه تصعيدًا غير مسبوق في التوترات الاجتماعية والسياسية. هذا التحالف يمثل قوة غير تقليدية تتحدى القواعد التقليدية للنظام الديمقراطي الأمريكي.
وإذا استمر هذا الاتجاه دون ضوابط كافية، فإن الولايات المتحدة قد تواجه مرحلة جديدة من الاضطرابات الاجتماعية، وربما تدخل في حالة من الانقسام الداخلي قد تصل إلى مستويات تهدد بتقويض الاستقرار العام. وليس ببعيد عن ذلك ما جرى في السادس من يناير عام 2020 من اقتحامات لمبنى الكونجرس.