في الوقت الذي ذكرت شبكة “إن بي سي” الأميركية أن مكالمة هاتفية جرت الأسبوع الماضي بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شهدت توترا شديدا، بعدما أنكر نتنياهو وجود مجاعة في غزة واعتبرها “اختلاقا من حماس”.
وأضافت الشبكة الأميركية أن ترامب قاطعه غاضبا قائلاً إن الجوع في غزة ليس خدعة، مؤكداً أنه شاهد أدلة على وجود مجاعة حقيقية، بعدما عرض عليه مستشاروه صوراً لأطفال في القطاع يموتون جوعا.
تأتي شروط نتنياهو التعجيزية لوقف الحرب، وإعلانه عن احتلال كامل أراضي غزة، وزيادة معاناة أكثر من مليوني جائع في القطاع، وسط جوار الطرشان في المجتمع الدولي الذي لا يقدم ولا يؤخر.
تُعدّ موافقة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على خطةٍ للسيطرة العسكرية على مدينة غزة تصعيدًا كبيرًا آخر في حرب إسرائيل على القطاع المُدمّر، فمع تصويت مجلس الوزراء، اندلعت احتجاجاتٌ حاشدة في جميع أنحاء إسرائيل خوفًا من أن يُعرّض قرار توسيع العمليات العسكرية حياة الرهائن للخطر، ومع تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لإنهاء الصراع والسماح بدخول المزيد من الغذاء إلى القطاع مع انتشار المجاعة.
على ماذا صوّت مجلس الوزراء الإسرائيلي؟
صرّح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنّ مجلس الوزراء الأمني قد وافق على خطة “هزيمة حماس” وأنّ الجيش سيستعد للسيطرة على مدينة غزة مع ضمان ما وصفه بـ”توفير المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين خارج مناطق القتال”.
وصوّت مجلس الوزراء الأمني بأغلبية الأصوات على اعتماد ما وصفه بـ”المبادئ الخمسة لإنهاء الحرب”، بما في ذلك السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة وتأسيس إدارة مدنية لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية.
وجاء في البيان أن “الغالبية العظمى من وزراء الحكومة يعتقدون أن الخطة البديلة المطروحة في مجلس الوزراء لن تُحقق هزيمة حماس ولا إعادة الرهائن”. ولم يتضح بعد أي خطة بديلة كان البيان يشير إليها أو من قدّمها.
ورقة تفاوضية للضغط على حماس
قال مصدر مطلع في حركة حماس للشرق الأوسط إن خطة احتلال غزة التي تطرحها إسرائيل ليست سوى ورقة ضغط تفاوضية لانتزاع تنازلات على مائدة المفاوضات، المهددة بالتوقف جراء هذه الإجراءات.
وأوضح أن توسيع العملية العسكرية في القطاع يعكس تصميم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استخدام هذا المخطط كورقة ضغط،
مع إدراكه أن أي تنازل سيقابل بطلبات إضافية، مما يُفرغ العملية التفاوضية من مضمونها، وفق قول المصدر من حماس للشرق الأوسط.
حوار الطرشان
ودعا رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فولكر تورك الجمعة الى الوقف الفوري لخطة الحكومة الإسرائيلية “الهادفة إلى السيطرة العسكرية التامة على قطاع غزة المحتل”.
وقال تورك في بيان بعد ساعات من إقرار مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي مقترحا “للسيطرة” على مدينة غزة في شمال القطاع، إن ذلك “مخالف لقرار محكمة العدل الدولية القاضي بوجوب أن تضع إسرائيل حدا لاحتلالها في أقرب وقت ممكن وتحقيق حل الدولتين المتفق عليه وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم”.
وفي السياق، قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، اليوم الجمعة، إن قرار إسرائيل السيطرة على قطاع غزة خاطئ، وحث الحكومة الإسرائيلية على إعادة النظر فيه.
وذكر ستارمر في بيان “قرار الحكومة الإسرائيلية تصعيد هجومها على غزة خاطئ، ونحثها على إعادة النظر فيه فورا”. وأضاف “هذا الإجراء لن يسهم في إنهاء هذا الصراع أو في ضمان إطلاق سراح الرهائن بل سيؤدي إلى المزيد من سفك الدماء”.
وأعربت الصين الجمعة عن “قلقها البالغ” حيال خطة إسرائيل للسيطرة على كامل مدينة غزة، داعية إلى “وقف تحرّكاتها الخطيرة فورا”.
وأفاد الناطق باسم الخارجية الصينية فرانس برس في رسالة بأن “غزة للفلسطينيين وهي جزء لا يتجزّأ من الأراضي الفلسطينية”.
كما حثت أستراليا إسرائيل على “عدم السير في هذا الطريق. وقالت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وانج في بيان، اليوم الجمعة، “تدعو أستراليا إسرائيل إلى عدم السير في هذا الطريق الذي سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة”.
وأضافت وانج أن التهجير القسري الدائم هو انتهاك للقانون الدولي وكررت الدعوات لوقف إطلاق النار وتدفق المساعدات من دون عوائق وإطلاق سراح المحتجزين الذين تحتجزهم حركة حماس منذ أكتوبر تشرين الأول 2023.
وقالت وزارة الخارجية التركية اليوم الجمعة إن أنقرة تندد بأشد العبارات بقرار إسرائيل السيطرة على مدينة غزة ودعت المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة للتحرك لمنع تنفيذ تلك الخطة. وأضافت الوزارة أن على إسرائيل أن توقف فورا خططها الحربية وتوافق على وقف إطلاق النار في غزة وتبدأ مفاوضات حل الدولتين.
وذكرت أن كل خطوة تتخذها الحكومة الإسرائيلية لمواصلة ما وصفته تركيا بالإبادة الجماعية واحتلال الأراضي الفلسطينية توجه ضربة قوية للأمن العالمي.
لماذا مدينة غزة فقط؟
الأمر ليس واضحًا بعد. فقد دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علنًا نحو السيطرة الكاملة على القطاع بأكمله.
قبل اجتماع مجلس الوزراء، سُئل نتنياهو عما إذا كانت إسرائيل تخطط للسيطرة العسكرية على غزة بأكملها. فقال لشبكة فوكس نيوز: “نعتزم ذلك”. وزعم أن إسرائيل تهدف إلى “إزالة حماس” من غزة، قبل تسليم القطاع إلى “حكم مدني ليس حماس، وليس لأي جهة تدعو إلى تدمير إسرائيل”.
قبل التصويت، صرّح مسؤول إسرائيلي لشبكة CNN أن الخطة المرحلية قيد الدراسة ستستغرق ما يصل إلى خمسة أشهر، سيتم خلالها إجبار حوالي مليون فلسطيني في مدينة غزة ومناطق أخرى على النزوح مرة أخرى إلى مناطق الإخلاء في جنوب غزة.
وأضاف المسؤول أن الجيش سيُنشئ مجمعات لإيواء التدفق الهائل للنازحين الفلسطينيين.
ما الهدف؟
صرّح باراك رافيد، محلل شبكة CNN ومراسل أكسيوس، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي كبير لم يُكشف عن هويته، بأن الجيش يهدف إلى إجلاء جميع المدنيين الفلسطينيين من مدينة غزة إلى مخيمات مركزية ومناطق أخرى. وسيتبع ذلك حصار وهجوم بري على المدينة.
ومن غير الواضح ما إذا كانت المناطق الواقعة خارج مدينة غزة، والتي لا تخضع للسيطرة الإسرائيلية، ستُسيطر عليها إسرائيل لاحقًا.
وقال محمود القرشلي، وهو نازح فلسطيني في القطاع، لرويترز، الخميس، إن “قطاع غزة بأكمله تقريبًا قد حُشر في الجزء الغربي من مدينة غزة”.
قال رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، إن قرار إسرائيل بتوسيع العمليات العسكرية في غزة يُعد “إعلانًا لجريمة حرب”.
وأضاف السياسي الفلسطيني المخضرم أن هذه الخطوة تُظهر أن “النوايا الحقيقية” لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحكومته كانت “التطهير العرقي لجميع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
وقال البرغوثي في بيان: “أثبت نتنياهو أنه لا يكترث للأسرى الإسرائيليين، ولم يرغب قط في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وأنه يستخدم تدمير “حماس” غطاءً لنيته التطهير العرقي لجميع الشعب الفلسطيني في غزة”.
وأضاف أن قرار مجلس الوزراء الأمني “يُعد إعلانًا لجريمة حرب تتمثل في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”، وأن نتنياهو “ما كان ليجرؤ على ارتكاب كل هذه الجرائم لولا دعم الإدارة الأمريكية”.
طالبت الرئاسة الفلسطينية اليوم الجمعة الإدارة الأميركية بمنع إسرائيل من احتلال قطاع غزة. وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني “نطالب
المجتمع الدولي وتحديدا الإدارة الأميركية بتحمل مسؤولياتها ووقف هذا الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة الذي لن يجلب الأمن والسلام والاستقرار لأحد”.
وأضاف في اتصال هاتفي مع رويترز “ندين بشدة قرارات الحكومة الإسرائيلية باحتلال قطاع غزة والتي تعني استمرار محاولات تهجير سكان القطاع وارتكاب المزيد من المجازر وعمليات التدمير”.
وقالت الرئاسة الفلسطينية في بيان اليوم إنها “قررت التوجه الفوري إلى مجلس الأمن الدولي لطلب تحرك عاجل وملزم لوقف هذه الجرائم، كما دعت إلى عقد اجتماعات طارئة لكل من منظمة التعاون الإسلامي ومجلس جامعة الدول العربية، لتنسيق موقف عربي وإسلامي ودولي موحد، يضمن حماية الشعب الفلسطيني ووقف العدوان”.
وأضافت في البيان أنها “ناشدت بشكل خاص الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن يتدخل لوقف تنفيذ هذه القرارات، وبدلا من ذلك الوفاء بوعده وقف الحرب والذهاب للسلام الدائم”.
وجاء في بيان الرئاسة الفلسطينية “هذه الخطط الإسرائيلية، القائمة على القتل والتجويع والتهجير القسري، ستقود إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة”. وأضاف أن قرار احتلال غزة إضافة “إلى ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية من استيطان وضم للأرض الفلسطينية وإرهاب للمستوطنين واعتداء على المقدسات ودور العبادة المسيحية والإسلامية، وحجز الأموال الفلسطينية، وتقويض تجسيد مؤسسات الدولة الفلسطينية، وهي جرائم ضد الإنسانية تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي”.