
يعود الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى جذور معقدة تتداخل فيها الأبعاد السياسية والعسكرية والاجتماعية، حيث لعبت الخلافات بين القيادات العسكرية والمدنية دورًا أساسيًا في تأجيج الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.
النشأة والتصعيد
تأسست قوات الدعم السريع في عام 2013 كقوة شبه عسكرية منبثقة عن ميليشيات الجنجويد التي شاركت في نزاع دارفور خلال عهد الرئيس المخلوع عمر البشير. وقد تولى محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، قيادة هذه القوات التي نمت بشكل كبير وأصبحت ذات نفوذ واسع، خاصة بعد أن أصبحت تحت إشراف مباشر من الرئاسة السودانية.
وفي أعقاب الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، دخل الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان في شراكة انتقالية مع قوى مدنية، بينما بقيت قوات الدعم السريع قوة مؤثرة ضمن المشهد السياسي والعسكري، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين الطرفين.
الصراع على السلطة بعد الثورة
مع بداية المرحلة الانتقالية، ساد التوتر بين الجيش والدعم السريع حول هيكلة القوات المسلحة ومستقبل دمج قوات الدعم السريع ضمن الجيش السوداني، وهو ما رفضه حميدتي، معتبرًا أن ذلك يهدد نفوذ قواته. ورغم محاولات التوصل إلى تسوية سياسية، إلا أن التنافس على السلطة بين البرهان وحميدتي تفاقم، خاصة بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أطاح بالحكومة المدنية بقيادة عبدالله حمدوك وأعاد الحكم العسكري.
اندلاع الحرب في أبريل 2023
بلغت الخلافات ذروتها في أبريل 2023، عندما اندلعت معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم وعدة مناطق أخرى، ما أدى إلى انهيار المسار السياسي وتفاقم الأزمة الإنسانية. تبادلت الأطراف الاتهامات حول المسؤولية عن تفجير الصراع، إذ اتهم الجيش قوات الدعم السريع بمحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة، بينما زعمت الأخيرة أنها تعرضت لهجوم مفاجئ من الجيش.
الوضع الحالي والتداعيات
بعد أكثر من عامين من الحرب، لا يزال السودان يعيش حالة من الانقسام الحاد، مع سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة، لا سيما في دارفور وأجزاء من العاصمة الخرطوم، بينما يسعى الجيش السوداني لاستعادة السيطرة بدعم من حلفائه الإقليميين. وأدى الصراع إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، في ظل أزمة إنسانية متفاقمة وصعوبات في التوصل إلى حلول سياسية تنهي الحرب.
يُعد الصراع بين السلطة وقوات الدعم السريع واحدًا من أكثر النزاعات تعقيدًا في تاريخ السودان الحديث، حيث تتداخل فيه المصالح السياسية والعسكرية والقبلية، مما يجعل التوصل إلى حل دائم أمرًا بالغ الصعوبة. ومع استمرار القتال، يبقى مستقبل السودان غامضًا، وسط تحذيرات دولية من مخاطر تقسيم البلاد وانهيارها بالكامل.