السبت يوليو 27, 2024
أقلام حرة

حاتم سلامة يكتب: الترمومتر الديني

سمعت يوما من أحد أشرطة الشيخ كشك رحمه الله، أن الكنيسة عزمت يوما على تنصير عدد من المصريين، واشترطوا أن يكونوا من عامة الناس والفقراء الذين لا يعلمون ولا يفقهون، حتى يكون التأثير عليهم مجديا، والحقيقة أن الكنسية جمعتهم واطعمتهم وكستهم وبذلت معهم ما في وسعها من الجهود، وأخذت تعلمهم معاني الثالوث، الاب والابن والروح القدس.

استجاب العوام لكلام المنصرين واستمعوا لمواجيدهم الدينية، وبينما في غمرة هذه الروحانيات الكنسية، إذا -بعربجي- يحن لطبيعته والنداء الذي يردده في الطرقات بين الحين والحين، فقال بصوت عال وسط الجلوس: وحدوووووووه، فقال الحضور جميعا: لا إله إلا الله.

وفشل الترتيب وخاب الجهد وضاع الأجر.

قرأت يوما للدكتورة نعمات احمد فؤاد قولها:

“ترى لو لجأ الحسين إلى مصر، فهل كان يناله حيف أو يعلوه سيف؟”

والكاتبة تشير بهذا القول إلى الانتماء الديني المتغلغل في نفوس المصريين، والذي ظهر لدى استقبال السيدة زينب والطفل زين العابدين، خرجت مصر بجموعها لاستقبالهما، حتى الوالي نفسه والمحسوب على الدولة التي قتلت الحسين، لم يضع أي حسابات أخرى في حسبانه، وخرج ليلقى حفيدة بيت النبوة.

كانت الفاجعة من أول الفواجع في تاريخ الإسلام.

أريد أن أقول وخاصة من وحي قصة -العربجي- في الكنيسة ومشاعر المصريين مع المكلومة زينب: أن هذا الشعب المصري لم يكن مجرد شعب مسلم او متدين يقبل او يرفض ويقتنع أو يتشكك في الايمان.. لا فالمسألة الدينية في حياة المصريين، صارت طبعا في نفوسهم لا يمكن اقتلاعه مهما علا صوت المرتابين.

طبع المصريين الديني الذي أشربت به أرواحهم، صار حائط صد منيع أمام محاولات الانحلال والتشكيك والانحراف والفجور.

العقبة الاولى اليوم أمام الملحدين والعلمانيين، ليس الأزهر او جماعات التيار الديني، وإنما يتمثل في طبع المصريين الديني المكسو بالعصبية للإسلام، والتي تمنع قبول أي حيف او تعد عليه.

وكما قيل: الطبع يغلب التطبع

رأيت مؤخرا صديقا لي منزعجا جدا من الحملة العاتية الرافضة والمستنكرة لمركز تكوين.. إنه يتأفف كثيرًا التفاعل الشعبي الغاضب أمام هذا التجمع الشيطاني.

فصديقي يعتقد أن هذه دعاية للمركز وأهدافه وجراثيمه، وأن الصمت أولى بنا في مواجهته.

والحق أن هذا نظر غير دقيق، فمثل هذه الأحداث أراها بمثابة الترمومتر الذي يقيس مقدار الحرارة الدينية لدى أبناء الأمة، وهل مازال لديهم اعتزاز بدينهم وعقيدتهم، أم أن الحرارة صارت فاترة؟

إن التأليب على الباطل ولو كان بمقدار ذرة، شيء محمود مقبول، بل محاولة لها أثر أبعد من هذا، حينما تهدف إلى وأده في مهده.

وإنه لأحب إلى أن أرى الدنيا هائجة من أجل الحق، بدلا من هياجها في الباطل.

ولكني لا أعلم من أين ينطلق فهم صديقنا للموضوع؟

ومن أين جاءه الاستخفاف بالأمر؟

مركز يقام ويدعم بالملايين، وتقوم عليه حفنة تشاق الله ورسوله وكتابه، وينتظر له في القادم فعل الكثير من الكوارث، بل أعده بمثابة مركز تبشيري او مركز إلحادي… ثم بعد هذا تطلب منا الصمت والهدوء؟

إن تأليب الجماهير عليه لرفضه ومقته واجب ديني مقدس.

علمت من بعض المصادر في جامعة الأزهر، أن بعض طلاب كلياته العلمية، صاروا يرددون الشبهات التي يثيرها بعض من أسسوا هذا المركز.. حدث هذا دون كلام أو حراك أو رد، فهل مازلت تؤمن بالصمت والسكوت كحل للمواجهة، حتى نرى الإلحاد يتمكن من العقول، بل يتسرب إلى الازهر ذاته معقل الإسلام وحصن الشريعة.

إن إثارة الهياج الشعبي ضد هذه الطغمة الآثمة، له أكبر الأثر في إسكاتهم وإخراسهم، بل له أكبر الأثر في تسريب مشاعر اليأس والإحباط إلى قلوبهم.

ومع هذه الانطفاضة، يحدث النقيض، حينما تتسرب مشاعر الطمأنية إلى قلوب المؤمنين، إن الدين مازال له قيمته في النفوس التي تلتهب غيرة عليه.

قرأت إن أحمد لطفي السيد دخل الانتخابات وكان له خصم خبيث ماكر، اجتمع يومًا بالفلاحين وقال لهم: إن لطفي السيد من مؤيدي الديمقراطية، عارفين ايه الديمقراطية يا مؤمنين؟

الديمقراطية أن يكون للمرأة أكثر من زوج.

امتعض الناس وهاجوا ضد أفكار لطفي السيد، ولما جاءهم يروج لانتخابه، سألوه، هل أنت تؤيد الديمقراطية؟ فكان جوابه: نعم.

ومن ثم سقط في الانتخابات.

إنه الحس الايماني الشعبوي العامي، الذي يجب اغتنامه او استغلاله في المعركة مع الملحدين، وإذا كان الملحدون لهم مكاسبهم من الإعلام والمال، فلدينا نحن ما هو أثمن وأقيم وهو الطبع الايماني للجماهير الذي يغلب أي تطبع يريدون.

فلا تبتيس بما يدور من أزمات، ولا تحزن من ردود الأفعال عليها، فهي كما قلت لك: بمثابة ترموموت يقيس حرارة التدين.. وهل مازال هذا التدين المطبوع في قرائحهم بنفس درجته وتوهجه، ام خفا وخفت نداءه وصوته؟

Please follow and like us:
حاتم سلامة
كاتب وصحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب