حاتم سلامة يكتب: دعوى خبيثة
ناقشت يومًا أحد الأساتذة الأكاديميين المستنورين ممن يسيرون في ركاب حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد.
كان يتحدث عن التصوف والصوفية، وكثير من هذه النماذج المنفلتة فكريا تهوى التصوف وتراه أليق الصور الإسلامية تجانسا مع أفكارهم وآرائهم الفاسقة خاصة التصوف الفلسفي الحلولي.
كان الرجل يتحدث عن أهل الشريعة وأهل الحقيقة، وينسب كل النور والضياء والحكمة والمعرفة والسمو لأهل الحقيقة، وهم الصوفية حسب قوله، أما أهل الشريعة فكانوا أظلم الناس وأجهلهم وأعنتهم، وإليهم يرجع التخلف الفكري والحضاري في أمتنا.
حاورته حول هذا المعنى إلى غير جدوى، وكان مما قال لي: أعطني مثالا واحدا لصوفي قمعي قام بإقصاء الآخر كما تزج به حياة العلماء من أهل الشريعة.
ويبدو أن الرجل لم يقرأ جيدا، ولم يدقق بصره في حياة الكثيرين من أعلام الشريعة التي نالتهم يد البطش والأذى والإرهاب من علماء الحقيقة.
فمن الذي زج بابن تيمية في السجن وحرض عليه السلطان، وقمع فكره وسجن علمه غير أهل الحقيقة؟
ومن الذي اعتدى بالضرب والتجريح على الإمام السيوطي أعلم أهل زمانه، حتى أدموه غير أهل الحقيقة.؟
ومن الذي حارب الإمام البقاعي وكفره وفسقه واضطهده في كل مكان وضيق عليه غير أهل الحقيقة والمناصرين لهم؟
لقد كان الخلاف في العلم والرأي يسوقهم للدم والضرب والتهديد والوعيد والإقصاء.
بل كان التعصب يُعميهم لا عن الحقيقة وحدها، وإنما يعميهم من خشية الله تعالى والتزام حدوده، ولولا سطوة القانون في هذا العصر، لرأينا أتباع هؤلاء الصوفية على نفس هذا المنوال، يؤذون الناس ويضربون العلماء، ولا يتورعون عن قتل كل من يخالفهم الرأي والمعتقد.
فهل يعتبر سيدي الدكتور مما ذكرت من أمثلة، أم تراه يروج لأفكاره الجافية، حتى يصرف الناس عن أهل الشريعة الذين حفظوا الدين وأقاموا الملة بحجة أن أهل الحقيقة أفضل منهم، بل إن تعبير أهل الحقيقة نفسه لا يرقى إليه إلا من تمكن في الشريعة؟